إلى جانب الطيف الهائل من المعلومات التي كشفتها التسريبات، كان طلب السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، من جماعات الضغط والمسؤولين الأمريكيين التحرك نحو النظر في إمكانية تغيير مقر قاعدة “العديد الجوية” في قطر، من أبرز ما ورد فيها.
في ظل استمرار الهجمة الدبلوماسية الشرسة من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين على قطر، يصبح احتمال تغيير مكان القاعدة أو تخفيف مستواها العسكري محل توقع، فما الخيارات البديلة أمام قطر في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها العسكرية؟
صغر مساحة قطر وقلة عدد سكانها وضعف قطاع صناعاتها العسكرية والتكنولوجية، وغيرها من العوامل تجعلها دولة مضطرة لتأسيس تكتلات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية وثيقة مع دول قوية في ميزان القوى الدولي
تضم قاعدة العديد الجوية مقر القيادة المركزية الأمريكية للمنطقة، ومقر سلاح الجو الملكي البريطاني، فضلًا عن وجود قوات أمريكية تابعة لسلاح البحرية، ونظرًا لما تحتضنه القاعدة فإن قطر واستقرارها يمثلان أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وإنما أراد السفير من تغيير مكان القاعدة، خفض أهمية قطر بالنسبة للولايات المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن صغر مساحة قطر وقلة عدد سكانها وضعف قطاع صناعاتها العسكرية والتكنولوجية، وغيرها من العوامل تجعلها دولة مضطرة لتأسيس تكتلات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية وثيقة مع دول قوية في ميزان القوى الدولي.
وانطلاقًا من احتمال تجاوب الولايات المتحدة مع حملة الدول الخليجية الأخرى، يمكن رصد سيناريوهات الخيارات العسكرية البديلة لقطر على النحو التالي:
بريطانيا
مع بداية الحديث عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا تحاول إبراز دورها في الشرق الأوسط إما من خلال زيارة دول الخليج والتعهد بحمايتها، أو من خلال إعلان وجود قوات خاصة لها على الحدود الأردنية، ومن ثم زيارة الأردن بشكل متواتر.
وفي ضوء رغبتها في استعادة دورها الملموس في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي على الساحة الدولية، ربما تجد بريطانيا في انسحاب الولايات المتحدة من قطر، في حال تم ذلك، فرصة ذهبية تستغلها للحصول على هيمنة موسعة قريبة من الخليج العربي ومضيق هرمز وإيران، فبينما يُزيد هذا النفوذ الأمني من مكانة بريطانيا في المنطقة كما يُزيد أهميتها في منطقة شمال إفريقيا نتيجة امتلاكها قاعدة قريبة من مضيق جبل طارق، يرفع من مستوى تأثيرها الدبلوماسي في أزمات المنطقة، فقطر تملك مفاتيح حل الكثير من النزاعات، وبالتالي يمكن لبريطانيا اعتبارها مسند ترتكز عليه لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة التي تشكل عمق العالم أجمع.
على الصعيد الاستراتيجي قد ترى بريطانيا التي تبحث عن بديل للغاز الروسي الذي ترتكز عليه روسيا للظفر بأداة ضغط على الدول الأوروبية، في ذلك نقطة حيوية في سبيل الحفاظ على أمن الطاقة الخاصة بها
إلى جانب ذلك تحتل قطر المرتبة الثالثة من حيث احتياطي الغاز الطبيعي في العالم، وتبحث عن منفذ بري أو بحري ملائم لنقل غازها الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، وفي حين كانت الإمارات القائدة للتحركات المضادة لقطر، قد تقبل الأخيرة بالتعاون الوثيق مع بريطانيا، ربما لتنقل غازها بحماية بريطانيا عبر الخليج العربي إلى الكويت ومنها إلى العراق فتركيا كبديل لخط “العرب” الذي يمر بالأردن وسوريا وصولًا إلى تركيا، والذي كانت تهدف قطر إلى استخدامه عبر المرور بالأراضي السعودية.
وعلى الصعيد الاستراتيجي قد ترى بريطانيا التي تبحث عن بديل للغاز الروسي الذي ترتكز عليه روسيا للظفر بأداة ضغط على الدول الأوروبية، في ذلك نقطة حيوية في سبيل الحفاظ على أمن الطاقة الخاصة بها.
ويبقى هذا السيناريو متوقفًا على مدى تحلي بريطانيا بالإرادة السياسية لكسب هذه المميزات عبر قطر، ومن خلال إظهار نوع من التحدي للسياسة الأمريكية المحتكرة للسيطرة في المنطقة.
فرنسا
أظهرت فرنسا عبر تصريحات رئيسها المنتخب حديثًا، إيمانويل ماكرون، أنها مرتبطة بمشروع “توحيد شطري المتوسط” الأوروبي الذي يعني توسيع الوجود الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط، وفي إطار ذلك تتوافق صيرورة مشروع “توحيد شطري المتوسط” أو “الاتحاد من أجل المتوسط” كثيرًا مع برنامج الرئيس الفرنسي الجديد الذي يتبنى سياسة التكتلات الاقتصادية الأمنية الاتحادية الوثيقة التي تعكس الفائدة المشتركة على الدول المتحدة، وتمنحها قدرة متينة لصد التهديدات المواجهة لها.
من هذا المنطلق وإلى جانب ردة الفعل الشديدة التي أظهرها ماكرون إزاء تصريحات ترامب التي وصفت دول الاتحاد الأوروبي “بغير الملتزمة” بالتكاليف الاقتصادية لحلف الناتو، حيث صرح أن “زمن تقديم التنازلات ولى” قاصدًا بها الولايات المتحدة، نُدرك تدعيم تصريحاته لذلك، ويَدلُّ ذلك على إمكانية بناء فرنسا قاعدة عسكرية جديدة في قطر.
تجدر الإشارة إلى أن سلم أولويات السياسة الفرنسية الموجه نحو أفريقيا، إلى جانب ضعف قوتها العسكرية ونفوذها الأمني والتجاري في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا، قد لا يوفر لقطر البديل الكامل للولايات المتحدة
لكن نجد أن القاعدة الفرنسية الوحيدة في الخليج موجودة في الإمارات، فهل تستطيع فرنسا موازنة دورها بين البلدين، في حين قررت تحقيق تعاون أمني مع قطر التي قد توفر لها ذات المميزات الملائمة لدور بريطاني فعال؟
كما تجدر الإشارة إلى أن سلم أولويات السياسة الفرنسية الموجه نحو أفريقيا، إلى جانب ضعف قوتها العسكرية ونفوذها الأمني والتجاري في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا، قد لا يوفر لقطر البديل الكامل للولايات المتحدة.
تركيا
وقعت تركيا وقطر في كانون الأول/ ديسمبر 2015 اتفاقية تقضي بإنشاء قاعدة عسكرية تركية هي الأولى من نوعها بالنسبة لتركيا التي لم تتبن سياسة بناء قواعد عسكرية خارج حدودها من قبل، وفيما قُيمت عملية إنشاء القاعدة في حينه على أنها تطور مرحلي طبيعي للتوافق السياسي والاقتصادي الذي يربط بين البلدين، ادعت بعض الأطراف احتمال تطور أعداد ونوعية هذه القواعد.
وفي خضم ما نشهده اليوم على ما يبدو بات الزمن مناسبًا لذلك، فالترابط الاقتصادي والسياسي الوثيق والمتشابك بين الطرفين يحتم على تركيا مد يد العون إلى قطر، حفاظًا على الفائدة التي حصلتها نتيجة هذا التوافق.
أصبح العالم متعدد القطبية، ولا يقف الأمر على الولايات المتحدة فقط، ودائمًا يبقى الأفضل تنويع العلاقات السياسية والأمنية مع الدول، حتى لو كان احتمال اتجاه الولايات المتحدة نحو الانسحاب من قطر غير وارد حسبما صرحت وزارة الدفاع الأمريكية اليوم
ويبقى العائق الوحيد المتوقع مخاوف تركيا من الدخول في أتون انهيار العلاقات الدبلوماسية جراء دعمها لثورات الربيع العربي، وانطلاقًا من ذلك قد يبدو موقفها المساند لقطر دبلوماسيًا أكثر من كونه عسكريًا، إذ قد تدخل في محاولة التوسط بين أطراف الأزمة لتهدئة أجوائها، أما العون العسكري فربما يقتصر على مستوى تنويع الأسلحة الموجودة في القاعدة التي تم الاتفاق عليها قبل عامين.
إلى جانب هذا العائق تعتبر تركيا دولة إقليمية تحتاج إلى دول عظمى تساندها في مجابهة التهديدات الأمنية، وبالتالي لا تشكل بديلًا كاملًا للولايات المتحدة، بل تشكل بديلًا جزئيًا كفرنسا.
في العموم أصبح العالم متعدد القطبية، ولا يقف الأمر على الولايات المتحدة فقط، ودائمًا يبقى الأفضل تنويع العلاقات السياسية والأمنية مع الدول، حتى لو كان احتمال اتجاه الولايات المتحدة نحو الانسحاب من قطر غير وارد حسبما صرحت وزارة الدفاع الأمريكية اليوم.