ترجمة وتحرير نون بوست
تدّعي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أنهما عازمان على مكافحة تنظيم الدولة، إلا أنهما من خلال دعم نظام إقليمي يحرّم الحريات الأساسية والديمقراطية والحياة الإنسانية، فإنهما يزودان تنظيم الدولة بالفوضى، والدم اللذان يمثلان إكسير حياته.
في الواقع، أصدرت المملكة العربية السعودية بيانا لتبرير القرار، الذي صدر عن دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وجزر المالديف والبحرين واليمن (أو ما تبقى منها) والحكومة الليبية الشرقية، الذي ينص على قطع العلاقات مع دولة قطر. وفي هذا البيان، ادّعت أن السبب الذي يقف وراء اتخاذ هذه الخطوة هو أن حليفتها السابقة “تدعم العديد من الجماعات الإرهابية والطائفية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار المنطقة”.
وحذت دولة الإمارات العربية المتحدة حذوها، مدعية أن قطر مذنبة “بمواصلة إتباع سياسات من شأنها أن تعصف بأمن وسيادة المنطقة، فضلا عن تلاعبها وتهرّبها من التزاماتها ومعاهداتها”. في الحقيقة، إن هذا القرار كان مترقبا. ففي حين أن إدارة ترامب قد تشيد بالخطوة التي اتخذتها السعودية والإمارات لصالح مكافحة الإرهاب، إلا أنه قد تمّ استهداف قطر بمثل هذا القرار، نظرا لأنها لطالما كانت تدعم الحراك الثوري في العالم العربي، والحركات الديمقراطية الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.
في الحقيقة، إن السبب المذكور أعلاه هو السبب الحقيقي الذي دفع كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة للوقوف ضد قطر. علاوة على ذلك، لا تشمل المجموعات الإرهابية التي أشار إليها هذا القرار تنظيم الدولة، بل الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعات التي التزمت بتطبيق الديمقراطية الإسلامية. ولذلك، يمكن القول إن جماعة الإخوان هي المستهدفة من هذا القرار الصادر بالأساس من السعودية، والإمارات، ومصر.
جماعة الإخوان المسلمين
قبل أسابيع قليلة نشرت صحيفة “ذا ناشونال” اليومية التي تصدرها أبو ظبي، افتتاحية عن الإخوان المسلمين، تحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة يغوصان في المستنقع نفسه”. وتبرر هذه الافتتاحية ذلك الادعاء الغامض من خلال الحديث عن المرات التي تولت فيها جماعة الإخوان، أو أجنحتها السياسية وفروعها، السلطة بصفة ديمقراطية.
على سبيل المثال، تشير الافتتاحية إلى وجود علاقة غير منطقية بين انتخاب 16 “إسلاميا” في الانتخابات البرلمانية الأردنية، وانتخاب 15 عضوا من حزب المؤتمر الوطني والهجمات الإرهابية التي طالت تلك البلاد.
وعموما، يبدو أن كُتّاب هذه الافتتاحية قد غفلوا عن أن جبهة العمل الإسلامي التابعة للإخوان هي إحدى فروع حزب المؤتمر الوطني، الذي يعتبر من إحدى الائتلافات الديمقراطية الكبيرة، التي تشمل القوميين الأردنيين العلمانيين والأقليات العرقية، والمسيحيين، والنساء. وهذا ما تعتبره دولة الإمارات العربية المتحدة “إرهابا”.
في الإطار ذاته، تكشف كل هذه التطورات النقاب عن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الإمارات والسعودية مع الجماعات المرتبطة بالإخوان وقطر، والتي رفضت مضايقتهم في حين أنها قدمت لهم الدعم، وقد تسعى الدولتان إلى الادعاء بأن الإخوان يشكلون تهديدا للديمقراطية. في المقابل، مشاركة الإخوان في العملية الديمقراطية هي التي تجعل الإخوان يشكلون تهديدا على دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي تسعى إلى تقويض الديمقراطية وتدميرها أينما وُجدت في المنطقة. بالتالي، تملك كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية الكثير من القواسم المشتركة مع تنظيم الدولة مقارنة بالديمقراطية الإسلامية التي تنادي بها حركة الإخوان المسلمين، والتي تقبل على الأقل بالحريات الأساسية التي تفرضها الديمقراطية. ويتمثل جُرمهم الوحيد حتى الآن في تحقيق نجاح ديمقراطي نسبي.
الديمقراطية والإمارات العربية المتحدة
من ناحية أخرى، نظمت دولة الإمارات العربية المتحدة حملة شرسة مناهضة للديمقراطية في عهد الثورات العربية. علاوة على ذلك، تعتبر المملكة العربية السعودية شريكا دائما لدولة الإمارات العربية المتحدة في الجرائم التي ترتكبها، حيث أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دورا بارزا في رعاية الثورة الفتاكة المدمرة للديمقراطية في مصر، التي قادها عبد الفتاح السيسي. فقد أنفقت الإمارات المليارات لدعم الطاغية، الذي أطاح بحكومة محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا، وينتمي لحزب الحرية والعدالة، يملك علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان.
غالبا ما يقال إن مرسي “مدعوم من قطر”، إلا أنه عندما كانت كل من السعودية والإمارات تستثمران في الاقتصاد المصري خلال تلك الحقبة الديمقراطية، لم تكن هناك علاقة محورية تربط مرسي بقطر. والجدير بالذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة، على عكس المملكة العربية السعودية، لم تقتصر على دعم الثورة المصرية المضادة بالأموال. ولكنها ساهمت في تأجيجها من خلال تمويل حملة “تمرد” شعبية مزعومة، التي كانت تتمحور مهمتها الرئيسية في تقويض الديمقراطية التي فازت بها ثورة 25 كانون الثاني/ يناير.
لم تكن حركة الإخوان المسلمين يوما من المحرضين على الإرهاب الجهادي، على عكس تنظيم الدولة، بل كانت دائما تشجع على إحداث تغيير ديمقراطي. وقد وصلوا إلى السلطة بعد عملية انتخابية ديمقراطية وضعت نهاية لحقبة الحكم العسكري والحكم الاستبدادي. وهذا هو بالتحديد السبب الرئيسي الذي يدفع دولة الإمارات العربية المتحدة للقضاء على هذه الجماعة، حيث أنها لا ترغب في هبوب رياح الديمقراطية في أي بلاد في المنطقة.
الاستبداد يغذي الإرهاب
على خلاف ما تريد كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة الترويج له، تدور العلاقات الحقيقية بين الطغيان الوحشي الذي تمثله وتدعمه أبوظبي والرياض وبين صعود تنظيم الدولة. وفي هذا الشأن، لنأخذ مثال الإطاحة بالديمقراطية في مصر الذي رعته الإمارات، فبمجرد الإطاحة بالديمقراطية وتولي السيسي للرئاسة ورفع مستوى الظلم والاستبداد المسلط ضد المعارضة الديمقراطية، تنامى نفوذ تنظيم الدولة في مصر.
وعلى الرغم من أن التمرد في سيناء سبق صعود السيسي للحكم، إلا أن تنظيم الدولة آنذاك لم يتمكن سوى من توحيد القوى الجهادية المختلفة وإنشاء “ولاية سيناء” بعد أن بدد السيسي أي أمل في تسوية المشاكل التي تواجهها المنطقة بطرق ديمقراطية، بيد أنه قرر أن يقوم بالأفضل لنظامه ألا وهو استخدام الوحشية العسكرية؛ بدءا من شن الضربات الجوية ضد المدنيين وصولا إلى النزوح القسري.
ليس من المستغرب أنه في ظل الفوضى الدموية التي تنشط على غرار الإمارات العربية المتحدة ستسعى الأخيرة على جعلك تظن بأن ذلك هو النظام. بفضل السيسي، استطاع تنظيم الدولة شن هجمات واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل على أهداف عسكرية، فضلا عن الزحف إلى وادي النيل، واستهداف الطائرات المحملة بالركاب، وترويع المسيحيين المصريين في العريش. في الآونة الأخيرة، رأينا مسيحيين مصريين ذبحوا في الإسكندرية، وطنطا، والمنيا، وهذا هو “الأمن” الذي ولدته السعودية ورؤية دولة الإمارات العربية المتحدة للمنطقة.
في الواقع، إن حلقة مصر المفرغة هي مجرد صورة مصغرة للنظام المناهض للثورة الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة والسعودية باعتبار أن الاستبداد يؤدي إلى الإرهاب؛ والإرهاب يؤدي إلى مزيد من الطغيان؛ والمزيد من الطغيان يؤدي إلى المزيد من الإرهاب.
في ليبيا، تدخلت الإمارات العربية المتحدة، جنبا إلى جنب مع مصر السيسي، لدعم “عملية الكرامة” لخليفة حفتر، التي تسعى “للقضاء على” الإخوان المنتخبين ديمقراطيا. وفي حين أن الطرفين ارتكبا العديد من الانتهاكات، إلا أن تدخل الإمارات وقناعتها بقدرتها على القضاء على جماعة الإخوان أطالت الطريق وفسحت المجال لصعود تنظيم الدولة. (ولحسن الحظ، توّحد المتمردون الليبيون على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة كانت لهم بالمرصاد).
في الظاهر، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى جعل الناس يظنون بأنها تحارب “الإسلاموية”. ومع ذلك، تطبق الإمارات على الصعيد المحلي أعتى أشكال الشريعة الإسلامية تشددا خاصة داخل حدودها، إذ أنها تفرض بعض أنواع العقوبات التي يعتمدها تنظيم الدولة على غرار الرجم والجلد. وفي حين أن هذه الممارسات تعد وحشية، إلا أنها تقتصر على دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى المملكة العربية السعودية ولا تشكل أي تهديد خارجي، على عكس ما يمثله تنظيم الدولة من خطر.
وعبى الرغم من أن هناك جزءا من الحقيقة في ذلك، إلا أن الإمارات العربية المتحدة والسعودية ضختا المزيد من الموارد في محاربة الأشكال الديمقراطية والمعتدلة من الإسلاموية أكثر من الموارد التي وضعوها لمحاربة تنظيم الدولة. وفي هذا السياق، كما هو مبين أعلاه، من خلال هذه الحملة الصليبية ضد الإسلاموية المرتبطة بالإخوان الديمقراطيين، استطاع تنظيم الدولة اكتساح أراض شاسعة.
تدعي دولة الإمارات العربية المتحدة أنها تعارض تنظيم الدولة، ولكن من خلال دعم النظام الإقليمي الذي يحرم الحريات الأساسية والديمقراطية والحياة الإنسانية، فإنه يزود هذا التنظيم بالفوضى والدم الذي يحتاجه للبقاء. وإذا ما اعتبرنا أن “الإسلاموية” في مجملها إيديولوجية تقوم بالأساس على العداء، فإن الإخوان المسلمين سيمثلون في هذه الحالة الديمقراطية. ومن جهتها، تسمح دولة الإمارات العربية المتحدة الإسلاموية، من خلال الاضطهاد واستخدام مواردها لاستهداف هذا النوع من القوات، بالهيمنة على القوى المناهضة للديمقراطية على غرار تنظيم الدولة.
ولسائل أن يسأل؛ لماذا تناهض دولة الإمارات والسعودية جماعة الإخوان والإسلاموية الديمقراطية؟ ما مصلحتها من قمع الديمقراطية في المنطقة؟ أنا متأكد من أن الاستبداد يجري في عروقهم. عموما، تدرك الإمارات العربية المتحدة والسعودية أنه لا يوجد شيء أكثر خطورة في منطقة مليئة بالدكتاتوريين أكثر من ديمقراطية ناجحة. فقد هددوا حتى بزعزعة استقرار الديمقراطية التونسية بعد الثورة، بسبب رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مطالبهم بقمع حركة النهضة المنتسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي تخلت عن السلطة التي فازت بها بشكل عادل في صناديق الاقتراع من أجل توحيد البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد شيء أكثر خطورة من الإسلاميين الذين يرغبون في تكريس الديمقراطية وتقديم سياساتهم على أنها معادية للاستبداد عن طريق الديمقراطية في منطقة تكون فيها الإسلاموية منتشرة بشكل كبير. وفي حين وضعت دولة الإمارات نفسها بقوة في معسكر الثورة المضادة في المنطقة، إلا أنها ستجد حتما حلفاء مستعدين لمساندتها في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الغرب وروسيا.
ربما يتمثل الخوف الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعرف بثقافتها الفاضلة، ومادتها الخام، ووحشيتها المناهضة للمساواة، في أن تملأ الديمقراطية في شكلها الإسلامي الفراغات التي تكمن في مجتمعها. أما في السعودية، التي لا يعد أغلب سكانها من الوهابيين خاصة وأنهم أبدوا مساندتهم لقادة أحزاب الإخوان المسلمين على غرار محمد مرسي، فإن خوفهم ناجم عن إمكانية تنامي تواجد الجماعات الإسلامية الديمقراطية داخل حدودهم. ومن هذا المنطلق، تشترك الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر السيسي وتنظيم الدولة في أهدافهم المتمثلة في ضمان حرمان المنطقة من أبسط أشكال الحرية.
المصدر: تي آر تي الإنجليزية