على أنغام أصوات المدافع وزغاريد النساء، يستقبل المغاربة شهر رمضان الكريم، بعد أن تجهزت العائلات بشراء كل اللوازم الضرورية للمطبخ من الأسواق التي تفوح بمزيج مدهش من روائح التوابل والحبوب والقهوة، وشراء الأواني الجديدة استعدادًا لاستقبال الشهر الفضيل.
أسواق عامرة
خلال هذا الشهر، تشهد أسواق المملكة المغربية رواجًا وإقبالًا، حيث يعرض الباعة كل ما يحتاجه المغاربة خلال رمضان من التوابل والتمور والفواكه الجافة، لصناعة ألذ المأكولات التي يشتهر بها المطبخ المغربي، كما يكثر الإقبال على أنواع معينة من الأواني التي تستعمل بشكل كبير خلال رمضان، كأواني حساء “الحريرة” وأطباق الحلوى والعصائر، وتنتشر البسطات التجارية التي تبيع لوازم رمضان مثل المفارش وأغطية السفرة والقدور والطواجن والخبز التقليدي.
وفقًا لدراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة أبحاث حكومية)، فإن إنفاق الأسر على التغذية في شهر رمضان الكريم يزيد بنسبة 37%
وتقبل العائلات، كل حسب مقدرته الشرائية، على شراء لوازم الوصفات والحلويات التي تحضرها النساء المغربيات قبل أيام من بدء هذا الشهر، وأشهرها على الإطلاق طبق “السفوف” وحلوة “الشباكية” اللذين لا يغيبان عن المائدة الرمضانية لأغلب العائلات رغم ارتفاع أسعار مكوناتهم من سمسم ولوز وينسون وقرفة وسكر وعسل.
ووفقًا لدراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة أبحاث حكومية)، فإن إنفاق الأسر على التغذية في شهر رمضان الكريم يزيد بنسبة 37%، مشيرة إلى أن هذه الزيادة تمس جميع فئات المجتمع، وتتطور بشكل تدريجي حسب تطور المعيشة، إذ تنتقل من 22.5 % كأدنى نسبة، إلى 40%.وفي هذا الإطار، فإن عددًا من المنتجات تساهم في هذا التغير، وفي مقدمتها الفواكه بزيادة بنسبة 163%، متبوعة باللحوم بنسبة 35%، ثم الحبوب بـ35%، بالإضافة إلى الحليب ومشتقاته بنسبة 47%.
مائدة رمضان
خلال هذا الشهر الكريم، تجتهد العائلات المغربية في إعداد أحلى الأكلات، حيث تزخر المائدة الرمضانية في هذا البلد العربي بأشهى المأكولات، عند الآذان مباشرة يتم تناول التمر والماء والحليب، وبعد الصلاة يتم تناول “الحريرة” وهي حساء شعبي مغربي تقليدي يتكوّن من مزيج لعدد من الخضراوات والتوابل، ارتبط برمضان، فهو الطبق الأساسي في رمضان، ويتمّ تقديمه ُفي آنية تقليدية تسمّى “الزلايف”.
حلوة الشبكية
وفي السهرة يتناول المغاربة الحلويات الرمضانية وأهمّها الشباكية وهي حلوى عسلية، مشبكة بعناية، مزينة بالسمسم، معطرة بالينسون وماء الزهر والشمر، ولا يمكن أن تمر من حي أو زقاق دون أن تشتم رائحتها من كثرة المحلات التي تختص ببيعها، رغم أن عددًا من الأسر ما زالوا يفضلون إعدادها في المنازل، أما الوجبة الدسمة فتكون بعد صلاة التراويح، فضلاً عن “سلو”، ويسمى “السفوف” أيضًا، ويبدو كعجين رقيق، مكون أساسًا من مزيج من الطحين المحمص واللوز والسمسم والسكر والزبدة، و”البريوات” المعروفة في الشرق باسم “السمبوسة”، و”المسمن” (رغايف)، وهو أحد أشهر الفطائر المغربية، و”البغرير”، وهو مثل “القطايف” لكن حجمه أكبر ولا يتم حشوه، إذ يكتفي المغاربة بصب قليل من الزبدة المذابة في العسل عليه.
رمضان فرصة سانحة لإصلاح ذات بين المتخاصمين من أبناء العائلة الواحدة
ومن أهم الأطباق في السهرة، الطاجين والكسكس واللحم بالمرق والصلصة والشاي بالنعناع والشاي الأخضر المضاف إليه القرنفل، ويحرص المغاربة أن يكون إفطار أول أيام رمضان في “الدار الكبيرة”، حيث يتجمع أفراد العائلة الذين فضلوا الاستقلال بعد الزواج، في منزل الأب أو الجد أو منزل أكبر أفراد العائلة، كما يكون رمضان فرصة سانحة لإصلاح ذات بين المتخاصمين من أبناء العائلة الواحدة.
الاحتفال بالصوم الأول للأطفال
إضافة إلى ذلك، يتميز رمضان في المغرب بعادات أخرى توارثتها الأجيال، من بينها الاحتفال بالصوم الأول للأطفال، حيث أصبحت هذه العادة تقليدًا اشتهر به سكان المغرب، ففي السابع والعشرين من الشهر، تنظم أسر كثيرة ما يشبه العرس المصغر للأطفال احتفالاً بأول يوم صيام لهم، ويعد الاحتفال بهذا اليوم، تكريسًا للانتماء الديني للطفل المغربي المسلم الذي تشده مظاهر هذه التجربة فيخوض غمارها لأول مرة.
أطفال المغرب في أول يوم صوم لهم
ويلبس الطفل الذي لم يبلغ الحلم في هذه الليلة جلبابًا أبيض وطربوشًا أحمر والنعل المغربي الذي يعرف باسم “البلغة”، حتى يظهر بمظهر العريس الصغير، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة التي ترتدي القفطان المغربي وتزينها والدتها بالحلي، وتحضر لهم ألذ الأطباق.
وتلزم العائلة المغربية الطفل الصائم لأول مرة بأكل حبة تمر على السلم الخشبي، واختيار المغربين للسلم دليل على الرقي والسمو، فالطفل الصائم عندما يتناول اللقيمات الأولى له في أول أيام صيامه يسمو بنفسه إلى درجات روحية عالية تقربه من الخالق، وينتقل بنفسه من بعدها الأرضي إلى البعد السماوي، حسب اعتقادهم، أما الطفلة الصائمة لأول مرة فتتناول التمرات الأولى بين أفراد عائلتها.