ترجمة وتحرير: نون بوست
اتهمت المملكة العربية السعودية قطر بدعم الإرهاب المتطرف المنتشر في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية بالدوحة. في حقيقة الأمر، تعتبر هذه الذريعة السبب الرسمي الذي قدمته الرياض لتبرير مثل هذا القرار. وورد في البيان الذي أصدرته السعودية أن “قطر ما فتئت تنتهك القواعد بشكل جدي ومنهجي خلال السنوات الأخيرة، من أجل خلق صراع داخل المملكة العربية السعودية، وتقويض سيادتها، ودعم جماعات إرهابية وطائفية مختلفة، يتمثل هدفها في زعزعة استقرار المنطقة”. كما أشار هذا البيان إلى أن من بين هذه “الجماعات المتطرفة”، الإخوان المسلمين، وتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة؛ التي لاقت دعما من قبل قطر من خلال “التحريض عبر وسائل الإعلام”.
قبِل العالم كله أن يطلق على هذه النسخة من الأفكار والمبادئ التي تأسست انطلاقا من تفاسير بعض الوهابيين؛ اسم “الإسلام”. وفي هذا السياق، خصصت المملكة العربية السعودية الكثير من الأموال، من غير الممكن أن تمتلكها قطر، لنشر هذا الفكر، وقد نجحت في تحقيق ذلك.
يُتّهم الداعية الشهير، ومقدم البرامج في قناة الجزيرة، التي تمولها الحكومة القطرية؛ يوسف القرضاوي، بأنه أحد مراجع “الأصولية الوهابية”، الفكر الذي تستلهم منه الهجمات الإرهابية أفكارها. لكن في المقابل، لم يبادر القرضاوي بالتشجيع على تنفيذ أي هجمات إرهابية، بل على العكس تماما، فقد دأب هذا الداعية على إدانتها. وفي الأثناء، عمد القرضاوي إلى خلق عالم فكري إسلامي قانونه الأسمى هو ما يمليه القرآن.
ومن المثير للسخرية أن الرياض تتبنى شخصيا الفكر الذي تتهم به القرضاوي، والذي أدانته ووُضعت بسببه الدوحة في عزلة، منذ ثلاثة عقود تقريبا؛ من خلال تمويل أصحاب هذه الأفكار الخالية من الإنسانية. ومن المفارقات، قبِل العالم كله أن يطلق على هذه النسخة من الأفكار والمبادئ التي تأسست انطلاقا من تفاسير بعض الوهابيين؛ اسم “الإسلام”. وفي هذا السياق، خصصت المملكة العربية السعودية الكثير من الأموال، من غير الممكن أن تمتلكها قطر، لنشر هذا الفكر. وقد نجحت في تحقيق ذلك.
انضمت مصر أيضا إلى حركة المقاطعة، في خطوة تبرهن على أن الصراع من أجل التفوق الإقليمي بين هاتين القوتين قد حسم أمره وانتهى؛ فقد أصبحت مصر مستعمرة سعودية
من جانب آخر، تجلى نجاح وامتداد نفوذ السعودية في الفترة الأخيرة، من خلال انضمام كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة واليمن، إلى الرياض ومقاطعتها لقطر. عموما، لا تبدو هذه الخطوة مفاجئة، إذ أن العالم بأسره على دراية بأن هذه الجهات في تبعية للمملكة الصحراوية. وانضمت مصر أيضا إلى حركة المقاطعة، في خطوة تبرهن على أن الصراع من أجل التفوق الإقليمي بين هاتين القوتين قد حسم أمره وانتهى؛ فقد أصبحت مصر مستعمرة سعودية. وفي وقت لاحق، آزرت حكومة طبرق في ليبيا صفوف الدول العربية المساندة للمملكة العربية السعودية. كما دعمت جمهورية المالديف، المطلة على المحيط الهندي، الرياض وقاطعت قطر.
رجل يقرأ القرآن في مسجد في الرياض، خلال شهر رمضان، في 29 أيار/ مايو سنة 2017
في الوقت الراهن، يقف امتداد خريطة الإمبراطورية السعودية، التي أنشئت بالدولارات البترولية، عند هذا الحد. وفي الأيام القادمة، سنشاهد من سيشارك أيضا في احتفالات تقبيل الأيادي. فهل ستنضم إلى قائمة الدول التي تنتمي إلى حدود الإمبراطورية السعودية السودان، ونيجيريا وباكستان وإندونيسيا؟
في الحقيقة، لا يعتبر الصراع السعودي القطري أمرا مستجدا، فقد ظهرت بوادره الأولى منذ شهر آذار/ مارس سنة 2014، على خلفية إيواء الدوحة عددا من قادة جماعة الإخوان المسلمين، الذين تم نفيهم من مصر في ذلك الوقت. أما فيما يتعلق بالسبب الكامن وراء معارضة الرياض لجماعة الإخوان المسلمين، فإن عداء المملكة لهذه الجماعة لم يكن أبدا بسبب نظرتهم الدينية المختلفة عن “الوهابية”، أو لأنهم “إرهابيون”؛ وإنما لأنهم يعارضون تماما الأنظمة الملكية. في الواقع، لا يُمكن للمملكة العربية السعودية أن تتسامح فيما يتعلق بهذا الجانب على الإطلاق. وفي ذلك الوقت، سارعت قطر بإعادة تشكيل إستراتيجيتها، كما عدلت عن موقفها، وبالتالي، عاد كل شيء إلى طبيعته في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس السنة.
من جانب آخر، لم يتبادر إلى ذهن أي شخص في الصحافة العربية ولو للحظة واحدة أن السبب وراء قطع المملكة العربية السعودية علاقتها بقطر سيكون على خلفية “دعمها للجماعات الإرهابية”. ففي الحقيقة، يعلم الجميع أن المعركة قد بدأت منذ شهر أيار/ مايو الماضي، عندما زُعم بث وكالة الأنباء الرسمية القطرية خطابا للأمير تميم بن حمد آل ثاني، خلال احتفال عسكري، ورد فيه عبارات كان لها وقع يعادل تأثير القنبلة الناسفة على العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية. وتتمثل هذه العبارات تحديدا في “إيران قوة إسلامية، وليس من الحكمة أن نستمر في خلق التوترات مع طهران”.
في المقابل، نفت قطر هذه التصريحات، وأكدت السلطات الرسمية أنه تم قرصنة موقع الوكالة الرسمية،. وردا على ذلك، قامت كل من المملكة العربية السعودية، والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة بحجب موقع قناة الجزيرة، نظرا لأنهم لم يصدقوا مبررات السلطات في قطر.
عموما، لا تقتصر المشكلة السعودية القطرية على هذا فقط. فقبل بضعة أيام، أدى وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، زيارة سرية إلى بغداد للقاء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، بحسب ما نشرت الصحافة السعودية هذا الخبر. فضلا عن ذلك، اتصل الأمير تميم بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، على إثر فوزه بمنصب الرئاسة. وخلال هذا الاتصال، أوضح الأمير تميم أن “هناك مجال وإمكانيات واسعة لتطوير التعاون القطري الإيراني في المجالات السياسية والاقتصادية”، كما وينبغي بذل المزيد من الجهود من أجل “تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين”.
قاسم سليماني وقادة آخرين من فيلق القدس خلال لقاء مع آية الله الخامنئي، في طهران في أيلول/ سبتمبر سنة 2016
على العموم، كان هذا الأمر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. ويعزى ذلك بالأساس إلى تنامي الهاجس السعودي، خلال السنوات الأخيرة، بشأن إيران التي تعتبرها قاعدة “ومهد” الشر. بالإضافة إلى ذلك، تعالت العديد من الأصوات التي تندد بالتحالف الجديد بين قطر وإيران، العالم الذي ستؤدي أية زلة فيه إلى الطرد.
وفي هذا الصدد، قالت الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر: “لماذا يجب أن نتحالف مع أعدائنا ومنافسينا في صلب المجتمع الدولي؟ إنه انتحار سياسي بأتم معنى الكلمة”. وفي الأثناء، حثت الكاتبة قطر على العودة إلى “المجموعة” التي كانت تنتمي إليها. حقيقة، تحمل هذه الكلمات في طياتها رسالة واضحة للعلن؛ ألا وهي أن “رياض هي من تحكم الخليج العربي، ولا يشاركها أي أحد في هذه الميزة”.
فضلا عن ذلك، يقف وراء العداء السعودي لقطر أسباب أخرى، من بينها وكما تدعي السعودية، دعم قطر للحوثيين في اليمن على الرغم من كونها جزءا من التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية المتدخل في اليمن ضد الحوثيين. ويستند الاتهام السعودي على حقيقة أن إيران هي الحامي الأكبر للحوثيين، الأمر الذي تأكد في الآونة الأخيرة.
تمثل الحرب في اليمن نموذجا ممتازا عن الصراع بين الشيعة والسنة في الشرق الأوسط. وفي حال كانت عائلة آل ثاني القطرية شيعية، لكان هذا صراع مثاليا وشكّل مرحلة أخرى في صلب الصراع السني الشيعي. في الإجمال، تعد الأزمة السعودية القطرية ضربة مدوية في وجه المحللين الدوليين، الذين كانوا يتمتعون بالقدرة، إلى حد الآن، على تفسير كل ما يحدث في الشرق الأوسط.
“هل أن تحريك المملكة العربية السعودية “للبيادق والقلاع وقطع الفيل” في رقعة الشطرنج بعد أسبوعين من زيارة ترامب إلى أراضيها، من قبيل الصدفة؟
من ناحية أخرى، لم تتغير المرجعية الدينية للمنافسين الإقليميين، أي قطر والسعودية وظلت طموحات كل جهة على حالها أيضا. في المقابل، لا نملك حقيقة أي معلومات مفصلة بشأن الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه كل من المملكة العربية السعودية وقطر للجماعات في سوريا، على غرار أحرار الشام وجبهة النصرة.
أصبحت الرياض والدوحة عدوين لدودين. بالنسبة لقطر، تكمن المشكلة في أنها لا تملك حلفاء على جبهة القتال. فقد اختارت جارتها الكويت أن تلعب دور الوساطة، في حين فضلت عُمان الحياد. من جهتها، عبرت تركيا عن “حزنها الشديد” جراء نشأة هذا الصراع. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا لا تزال حليفا قويا لقطر، ووجهة ممتازة لاستثمارات الغاز والطاقة بالنسبة لممالك الخليج. من جهة أخرى، شهدت العلاقات التركية السعودية تحسنا ملحوظا منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية سنة 2015.
دونالد ترامب خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية، في الرياض في 21 من أيار/ مايو سنة 2017
في واقع الأمر، لا يمكن لتركيا أن تختار الوقوف في صف أحد الطرفين على حساب الآخر في هذه المواجهة. من جهة أخرى، ستواصل تركيا معارضة إيران في بعض المسائل “البسيطة”، إلا أنها لن تقطع علاقاتها تماما مع بلاد فارس، الحليف الأكبر لأوروبا في آسيا. ويبقى السؤال المحير الذي يطرح نفسه بشدة “ما هو موقف الولايات المتحدة من هذا الصراع؟”.
في هذا الصدد، تدور العديد من الأسئلة الأخرى في أذهان المحللين والمراقبين الدوليين، على رأسها “هل أن تحريك المملكة العربية السعودية “للبيادق والقلاع وقطع الفيل” في رقعة الشطرنج بعد أسبوعين من زيارة ترامب إلى أراضيها، من قبيل الصدفة؟ أم أن لهذا الحدث والوعود التي صاحبته دخل في ذلك؟، “وهل أن اللعنة التي لحقت بقطر تعد حركة جديدة لصالح خط ترامب المعادي لإيران؟”. من جهتها، لم ترحب واشنطن بقرار المقاطعة، واكتفت بالإشارة على لسان وزير خارجيتها، ريكس تيلرسون، إلى أن هذه الأحداث لن تؤثر على “وحدة الصفوف في الحرب ضد الإرهاب”.
وفي الأثناء، تتمثل معضلة ترامب في أن قطر تأوي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، التي تضم حوالي 11 ألف جندي. فهل يمكن أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية ببقاء جنودها في قطر المتهمة بدعم الإرهاب أو إيران أو كلاهما؟ وفي حال لم تسحب هذه القوات، فهل يمكن اعتبار أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية يفند كلام أكبر حلفائها، المملكة العربية السعودية؟
على العموم، يعد دونالد ترامب رجل أعمال مخضرم. ولذلك، وخلال رحلته إلى المملكة العربية السعودية، أدرك أن أفضل ما يمكنه القيام به تجاه إيران هو تركها طي النسيان. خلافا لذلك، في حروب أخرى، مربحة للغاية، يمكن اعتبار غزو إيران تجارة غير مربحة على الإطلاق، بل سيخلف خرابا رهيبا. وسيكون هذا الخراب على وجه الخصوص في واشنطن وليس في الرياض. في حقيقة الأمر، يمكن اعتبار الهجوم السعودي ضد قطر بمثابة ضربة ودية للولايات المتحدة الأمريكية؛ التي ينبغي عليها أن تختار بعناية حلفاءها؛ فالجهة التي وعدته بحوالي 110 مليون دولار، يمكن أن تغدق عليه الكثير من الهدايا النبيلة.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية