تطرق الخبير الجيوسياسي، فريديريك انسل، الذي ألف العديد من الكتب حول الشرق الأوسط، إلى حيثيات الحقبة الدبلوماسية الجديدة، التي سوف تعيشها المنطقة بعد قرار المملكة العربية السعودية وحلفائها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
فريديريك أنسل، أستاذ علاقات دولية في جامعة باريس للأعمال
كيف تفسر قرار المملكة العربية السعودية وحلفائها؟
أولا، يجب أن نفهم أن هذا الأمر داخلي يتعلق بطبيعة العلاقة بين الدول العربية والبدو، حيث تشهد هذه المنطقة منافسة قوية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الديني، وحتى على مستوى العلاقات التي تربط القبائل الكبيرة التي تعيش في شبه الجزيرة العربية.
قبل إصدار هذا القرار، قامت كل من قطر والإمارات بسحب سفرائهما، في حين نشبت تجاذبات تنافسية بين المملكة العربية السعودية وقطر، كانت تعتمد بالأساس على مبدأ “القوة الناعمة”. وبالتالي، يمكن أن نفهم أن العالم الإسلامي يشهد انقساما مزدوجا، الأول بين السنة والشيعة، والثاني بين الإسلاميين والقوميين.
لم يتم التطرق بشكل واضح للفجوة القائمة بين الإسلاميين والقوميين في المنطقة؟
في الحقيقة، يعد الصراع بين السنة والشيعة الأكثر عنفا، حيث يدور بين دولتين رئيسيتين وهما المملكة العربية السعودية وإيران، اللتان تشهدان “حربا باردة” حقيقية. وتجدر الإشارة إلى أن هذين البلدين قد نصبا نفسيهما حماة للعالم السني والشيعي.
على عكس الدول البدوية الأخرى في المنطقة، سعت دولة قطر، التي تتمتع بالاستقلال الذاتي والتي تعتبر من أكثر الدول السنية المحافظة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى ربط علاقات جيدة مع إيران. وقد أصبح جليا للعيان، إثر الزيارة التي أداها دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، الشرخ العميق بين المحور الروسي الشيعي والمحور السني المحافظ المتشدد، الذي قاطع مؤخرا قطر.
يعزى السبب وراء مقاطعة قطر اتهامها بدعم الجماعات الموالية لإيران في اليمن. كما سبق وأن اتهمت الدوحة بدعم الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق ومنطقة الساحل. في الأثناء، غالبا ما كانت قطر تدافع عن نفسها قائلة إن تتمتع بالحرية الكافية لدعم من تشاء. وقد أثارت هذه الذريعة غضب حلفائها التقليديين من البدو، وخاصة بعد أن أقدم العملاق السعودي على قيادة تلك الحرب الكارثية في اليمن.
هل يمثل اتهام قطر بدعم تنظيم الدولة الإرهابي إشارة رمزية إلى الغرب؟
طبعا. في السنوات الأخيرة، سعت المملكة العربية السعودية جاهدة لإتباع إستراتيجية من شأنها أن تمنع الرئيس أوباما من أن ينأى بنفسه بعيدا عن التحالف القديم بين البلدين، الذي تعود جذوره إلى شهر شباط/ فبراير من سنة 1945. وقد دفعها خوفها من فقدان حليف مهم وبارز، للتدخل عسكريا في اليمن. ولسوء الحظ، لم يكن استعراض القوة الذي قامت به السعودية في اليمن لصالحها. في واقع الأمر، أثر الانقسام العنيف بين إيران والمملكة العربية السعودية على جميع مجالات الحياة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
هل يضع هذا القرار فرنسا في موقف حرج، نظرا لأنها ترحب بالاستثمار القطري على أراضيها وتضمن أن دولة قطر لا تمول الإرهاب؟
تعتبر الدول التي يمكن أن تشتري من فرنسا أسلحة ثقيلة معدودة، ومن بينها قطر. وبالتالي، السؤال الذي لا بد من طرحه في هذا الصدد، هل يجب أن نمارس جملة من الضغوط الشرعية على الدولة القطرية المركزية حتى تحظر قيام العائلات الكبيرة في البلاد بتمويل التنظيمات المتطرفة أم هل سنكتفي بالشعور بالتهاون والذنب؟ أعتقد أنه حان الوقت لنكون أكثر حزما ونتعامل بجدية مع هذه المسألة.
سلّط كتاب، صدر مؤخرا، لكل من كريستيان شينو وجورج مالبرونو الضوء على العلاقات بين السياسيين الفرنسيين والقطريين التي تخدم مصالح الجانبين. ما رأيك في ذلك؟
ينبغي أن تخضع العلاقات الفرنسية القطرية للمزيد من الرقابة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال العامة. وقد كشفت تحقيقات بشأن العلاقات بين دولة قطر وفرنسا على معطيات صادمة، حيث أن العديد من “الأمراء” المقربين منا، لا يتدخلون فقط في الحياة الاقتصادية والسياسية ولكن أيضا الجيوسياسية. ولذلك، يجب أن نكون يقظين للغاية.
هل أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر يمثل نقطة تحول رئيسية أو خطوة تكتيكية؟
في الحقيقة، يعد هذا القرار بمثابة خطوة جديدة نحو بلقنة أو تفكيك العالم العربي. وقد تطرقت إلى ذلك في السنة الماضية، في كتابي “الجغرافيا السياسية بعد الربيع العربي”. ففي الحقيقة، ومنذ سنة 1991، يسير العالم العربي بخطى ثابتة نحو التفكك أو البلقنة.
لقد انبثقت هذه النزعة من قبل الصومال والسودان والعراق وسوريا واليمن وجزر القمر … وقد شهدت هذه الدول انهيار اقتصاديا أو سياسيا أو جغرافيا سياسيا أو عسكريا، أو الثلاثة معا. وفي هذا السياق، لا بد أن أشير إلى الانقسام العميق الذي تشهده جامعة الدول العربية.
في واقع الأمر، يتعلق الأمر ببداية حقبة دبلوماسية جديدة وخطيرة، تهدد آخر قطب جغرافي سياسي عربي لا يزال يملك قوة حقيقية ونفوذا، ويتسم بالوحدة، ألا وهو مجلس التعاون الخليجي، الذي أخذ ينهار للتو. ويجسد الوضع الذي تعيشه المنطقة حدوث انهيار جيوسياسي آخر في العالم العربي، الأمر الذي تجلى في السيناريو السوري من خلال غياب الدول العربية عن المفاوضات التي حضرتها كلا من روسيا وتركيا وإيران.
المصدر: ليزيكو