رغم الحملة الأمنية والاعتقالات المكثفة التي انتهجتها الحكومة المغربية لتطويق احتجاجات الريف والحد من انتشارها، يستمر الحراك الاحتجاجي الذي اتخذ مدينة الحسيمة الشمالية مركزًا له للشهر السابع على التوالي، وهو ما يؤكّد فشل المقاربة الأمنية المعتمدة، ما من شأنه أن يربك الحكومة والمخزن في المملكة المغربية.
تواصل المسيرات الليلية
لليلة الحادية عشرة على التوالي شهدت مدينة الحسيمة ومدن مجاورة لها في الشمال المغربي تظاهرات شارك فيها الآلاف من أنصار “حراك الريف” الاحتجاجي، للمطالبة بالتنمية وتحسين ظروف العيش وامتصاص البطالة ومكافحة الفساد المستشري في البلاد، فضلًا عن إطلاق سراح المعتقلين في مراكز الاعتقال والسجون المغربية.
أطلق المتظاهرون في المسيرة هتافاتهم المعتادة ومنها “يا مخزن حذار، كلنا الزفزافي”، “سلمية سلمية”، “لا للعسكرة لا للعسكرة”، “هي كلمة واحدة، هذه الدولة فاسدة”
وككل ليلة عقب صلاة التراويح تجمع المتظاهرون في حي سيدي العابد، الذي تحول إلى مركز الاحتجاجات بمدينة الحسمية الواقعة شمال المملكة المغربية، وسط انتشار أمني كثيف لعناصر شرطة مكافحة الشغب، وطالب المحتجون بإطلاق سراح زعيم الحراك ناصر الزفزافي ورفاقه الموقوفين منذ أسبوع، إلى جانب المطالبة بإعطاء الأولوية للمطالب ذات الطبيعة الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل عبر خلق مؤسسة جامعية ومستشفى للسرطان، وخلق فرص للشغل عبر تقديم تحفيزات وامتيازات ضريبية للمستثمرين.
وأطلق المتظاهرون هتافاتهم المعتادة ومنها “يا مخزن حذار، كلنا الزفزافي”، “سلمية سلمية”، “لا للعسكرة لا للعسكرة”، “هي كلمة واحدة، هذه الدولة فاسدة”، “الشعب يريد إسقاط الفساد”، “كفى عسكرة”، كما رُفعت صور ناصر الزفزافي ومحسن فكري بالإضافة إلى علم جمهورية الريف، وفي نهاية مسيرتهم جدّد المحتجون أداء القَسم بشكل جماعي على مواصلة الحراك وعدم خيانة القضية ولو على حساب حياتهم، بعد مرور سبعة أشهر على انطلاق احتجاجاتهم التي فجَّرها مقتل تاجر السمك الشاب محسن فكري.
انتهاج المقاربة الأمنية
من الشعارات التي رفعها المحتجون خلال هذه المظاهرة، وقوات الأمن تحاصرهم من كل جانب، “باي باي مع السلامة، شكرًا على الزيارة”، إلا أن مراقبون أكّدوا أن زيارة الآلاف من رجال الدرك المغربي للمدينة لن تنتهي في الوقت القريب، لكونها لم توفق فيما تسعى إليه بعد.
وفي كل مسيرة تشهدها مدن الريف المغربي تجد المئات من قوات مكافحة الشعب تحاصرها للحد من انتشارها وعرقلة تحركاتها وقمعها في أغلب الأحيان، ورغم التضارب الحاصل في العدد الحقيقي لمعتقلي الحراك لدى السلطات الأمنية المغربية في الأيام الأخيرة وعدم إفصاح السلطات الرسمية عن عددهم، تؤكّد منظمات مدنية عديدة ارتفاع العدد إلى أكثر من 70 معتقلًا بعضهم غير معروف مكان اعتقاله.
فشل المقاربة الأمنية في الحدّ من الحراك
وكان قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف في العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء، قد قرّر أمس الثلاثاء إحالة قائد الحراك ناصر الزفزافي و5 متهمين معه إلى سجن المدينة رهن الاعتقال الاحتياطي على ذمة التحقيق بتهم المسّ بسلامة أمن الدولة وزعزعة ولاء المواطنين تجاه المؤسسات السياسية، ويقول حقوقيون في المغرب إنه في حالة ثبوت هذه الجرائم الجنائية في حق الزفزافي فإن العقوبات المخصصة لمثل هذه الأفعال في القانون المغربي تبدأ من 20 سنة سجنًا، وتنتهي بالسجن المؤبد “مدى الحياة”.
وقبل ذلك طلبت النيابة العامة بالدار البيضاء من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التحقيق مع 20 معتقلًا، في تهم إضرام النار عمدًا في ناقلة ومحاولة القتل العمد والمس بسلامة الدولة الداخلية وتسلم مبالغ مالية لتيسير نشاط ودعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة وسيادتها وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي والمشاركة في ذلك وإخفاء شخص مطلوب من أجل جناية والتحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة، وجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الجنائي.
المخزن في عزلة
بعد فشلها في الحد من انتشار الحراك عبر تقديم الوعود التنموية انتهجت السلطات المغربية المقاربة الأمنية للتعامل معه، وتعتبر الاعتقالات الأخيرة جزءًا من هذه المقاربة المعتمدة التي يخشى مراقبون إن تواصلت ازدياد تعقيد الأوضاع في الريف ونقل الاحتجاجات إلى مناطق أخرى والإضرار باستقرار المملكة، وتشير الشعارات المرفوعة في هذه الاحتجاجات إلى عدم الثقة في المؤسسات السياسية الرسمية وحتى الحزبية والنقابية وتتهمها بالمشاركة في الفساد أو احتكار السلطة والثروة وتطالب بالكرامة وإنهاء الحكرة “الإهانة والتهميش”.
نتيجة هذه المقاربة الأمنية وجدت الدولة المغربية نفسها ومن ورائها المخزن في عزلة، حتى من قبل بعض أحزاب الائتلاف الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة
وبمعزل عن بعض المواجهات التي حصلت في مدينة الحسيمة قبل أسبوع وفي بلدة أمزورن الجمعة، فإن حراك الريف حافظ على سلميته حسب العديد من المتابعين، إلا أن السلطات المغربية ارتأت مواصلة سلسلة الاعتقالات التي تستهدف نشطاء الحراك، والإثنين اعتقلت السلطات مسؤولين جديدين بالحراك الشعبي، هما نبيل أحمجيق الذي يعتبر الرجل الثاني بالحراك وسيليا الزياني الوجه الجديد بين قادة الحراك التي كانت حاضرة في كل المظاهرات التي نظمت الأيام الأخيرة.
وتميل الحكومة المركزية في الرباط إلى التركيز على الخيارات الأمنية واعتقال النشطاء في مواجهة الاحتجاجات، نتيجة ضعف اندماج منطقة الريف وعلاقتها الصعبة بالمركز، مما يساهم في تعميق الهوة مع المحتجين ودفعهم إلى مطالب تشكك حتى في السلطات الرمزية في المملكة، وقد تكرست الهوة بفعل ردود الفعل العنيفة من قبل الحكم المركزي “المخزن” في المغرب على انتفاضات واحتجاجات شهدتها منطقة الريف مباشرة إثر استقلال المملكة نهاية الخمسينيات وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
انتقادات واسعة للحكومة بسبب اعتمادها المقاربة الأمنية لحل الأزمة
ونتيجة هذه المقاربة الأمنية وجدت الدولة المغربية نفسها ومن ورائها المخزن في عزلة، حتى من قبل بعض أحزاب الائتلاف الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة، حيث دعت أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية والاستقلال الحكومة بنهج مقاربة تنموية مندمجة في الإقليم بدل المقاربة الأمنية الصرفة، منددة بما خلفه التفعيل المكثف للمقاربة الأمنية من مطاردات ومداهمات للمنازل واعتقالات واسعة طالت حتى القاصرين.
كما نددت اللجنة التحضيرية لدعم الحراك الشعبي بالريف بما وصفته الاختطافات والاعتقالات السياسية التي أقدم عليها النظام المخزني في حق نشطاء الحراك الشعبي السلمي، مؤكدة ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين على رأسهم ناصر الزفزافي.