نزل القرآن الكريم بلسان عربي سليم، قال عنه الرسول الكريم بأنه “نُزل على سبعة أحرف”، تاريخيًا اختلف العلماء على تفسير نص السبعة أحرف، فالأحرف ليست في الكتابة فقط، بل في النطق واللفظ والمعنى والتشكيل وأيضًا علامات الوقف والإيجاز، فكان من بين التفسيرات المختلفة أن المُراد بالسبعة أحرف هي سبع لغات متفرقة، فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وكذلك سائر العرب.
اتفقت القراءات المختلفة للقرآن على الكثير، وتضائل اختلافها في اللفظ والنطق، وهو ما ميّز كل قبيلة عن الأخرى، وما يميز الآن بعض البلاد عن غيرها في تلاوة القرآن الكريم، حيث استقر الاعتماد العلمي في العصر الحديث في تحديد التلاوات المتواترة على عشر قراءات إضافة إلى السبعة الأصليين.
هذه القراءات معروفة ومدروسة من قبل العلماء، فكان عددهم كاف لتواتر تلك التلاوات إلى العالم الإسلامي، إلا أن القليل منها معروف ومُتّبَع. فكان الأغلبية وهم عدد يُقدر بالملايين يقرأ القرآن برواية “حفص عن عاصم”، أما في المغرب العربي، فتسود رواية الإمام “نافع”، وهو إمام أهل المدينة بروايتيه “قالون” و ورواية “ورش”، وتنوعت القراءات و المقامات والمدارس في بقية البقاع الجغرافية في العالم الإسلامي.
ان الأغلبية وهم عدد يُقدر بالملايين يقرأ القرآن برواية “حفص عن عاصم”، أما في المغرب العربي، فتسود رواية الإمام “نافع”، وهو إمام أهل المدينة بروايتيه “قالون” و ورواية “ورش”
تنوعت أصوات أشهر المقرئين للقرآن الكريم في العالم الإسلامي، واختلفت في مدارسها ومقامتهما، وعلى الرغم من تنوعها واختلافها في كل بلد من البلاد العربية، إلا أن قائمة أشهر المقرئين دومًا ما تصدرت أشخاص بعينها لا تفارقها، مثل الشيخ عبد الرحمن السُديس إمام الحرم المكي والأمين العام لشئون المسجد الحرام و المسجد النبوي، والذي يُعتبر من أجمل الأصوات لتلاوة القرآن عالميًا.
لاقى كثير من القراء ترويجًا إعلاميًا هائلًا، كان من بينهم القارىء والمنشد الديني “مشاري راشد العفاسي”، وبعضًا من الشيوخ المصريين مازال الجمهور يستمع إلى تلاوتهم حتى يومنا هذا، مثل القاريء الشيخ “عبد البالسط عبد الصمد” و “محمد صديق المنشاوي”.
على الرغم من أن الأصوات السابقة لا غُبار عليها، إلا أن هناك مجموعة كبيرة من قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي لا يقلّون قدرًا عن الأصوات السابقة إلا أنهم لم يجدوا لهم مكانًا وسط ذلك الترويج الإعلامي لبعض المقرئين الذين توّجوا قراءاتهم بقنوات إعلامية خاصة بهم وحدهم، نعرض لكم في شهر رمضان المبارك قائمة بتلك الأصوات المنسية.
نصر الدين طوبار
يعد “طوبار” من أفضل الأصوات الفريدة من نوعها التي أنتجتها الجمهورية المصرية، اختير مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر في عام 1980 و شارك في احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة كما أنشد في قاعة ألبرت هول بلندن وذلك في حفل المؤتمر الإسلامي العالمي، سافر في عدة جولات دولية وكتبت عنه الصحافة العالمية بأن صوته مؤثر ويضرب على أوتار القلوب.
بالإضافة إلى تعيينه قارئًا للقرآن، اشتهر “طوبار” بكونه مُنشدًا للتواشيح، وهي ابتهالات دينية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، أو مجموعة من الأدعية يقوم الأشخاص أصحاب الصوت الحسن في تأديتها، والتي على الأغلب ما يؤديها مقرئي القرآن الكريم على شكل تواشيح بدون معازف.
بالإضافة إلى تعيينه قارئًا للقرآن، اشتهر “طوبار” بكونه مُنشدًا للتواشيح، وهي ابتهالات دينية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، أو مجموعة من الأدعية
بعد أن حفظ القرآن الكريم ذاع صيته فى مدن وقرى في مصر، ونصحه كل من استمع إليه أن يتقدم لاختبارات الإذاعة، ليخرج صوته إلى الملايين، وبالفعل تقدم إلى اختبارات الإذاعة من جديد، ولكن المدهش أن اللجنة لم تختاره على الرغم من صوته الفريد من نوعه، وتكرر الأمر ست مرات متتالية، لكنه لم ييأس و تقدم مرة أخرى واختارته اللجنة فى مجال الإنشاد الديني.
اشتهر “طوبار” بالابتهالات الدينية، والتي مازلت الإذاعة المصرية تقوم على إذاعتها حتى يومنا هذا، وبالأخص في شهر رمضان، والتي تنوعت موضوعاتها الدينية، قدمها الشيخ فيما يقرب من مائتي ابتهال منها “يا مالك الملك” و “يا مجيب السائلين”، و “يا من له في يثرب”، كانت لجدران المسجد الأقصى نصيبًا من سماعها في رحلة للشيخ بعد اصطحاب الرئيس المصري محمد أنور السادات له في رحلته إلى القدس.
اشتهر “طوبار” بالابتهالات الدينية، والتي مازلت الإذاعة المصرية تقوم على إذاعتها حتى يومنا هذا، وبالأخص في شهر رمضان
النقشبندي.. أستاذ المدّاحين
ولد في قرية في محافظة الدقهلية في مصر، حفظ القرآن، وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية، لُقب النقشبندي بـ “أستاذ المدّاحين”، وصاحب مدرسة متميزة في الابتهالات، وهو أحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني، يتمتع بصوت يراه الموسيقيون أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.
أحد ابتهالات الشيخ النقشبندي
دخل الشيخ الإذاعة العام 1967م، وترك للإذاعة ثروة من الأناشيد والابتهالات إلى جانب بعض التلاوات القرآنية
، حيث كان أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار، بأحلى الابتهالات التي كانت تنبع من قلبه، قام بأداء ابتهالات دينية كثيرة تفوق الأربعين في عددها، ومن أشهرها مولاي، أغيب، يارب إن عظمت ذنوبي، و النفس تشكو.
“ياشار جوهادار” الأول عالميًا في مسابقة حُسن قراءة القرآن
استطاع العرب خلق الصورة النمطية عن المسلمين الأتراك وتصديقها بدون التأكد من صحتها أم لا، وهي أنهم علمانيون ومسلمون فقط في الهوية، ولهذا يستغرب الكثيرون وجود مقرئين أصحاب أصوات جميلة من الشيوخ الأتراك، إلا أنهم موجودين بل ومتفوقين أحيانًا على الشيوخ العرب.
فاز “ياشار جوهادار” المُقرىء التركي “جوهادار” بالمركز الأول في المسابقة العالمية لقراءة القرآن الكريم المُقامة في مدينة “فاس” بالمغرب قبل ثلاثة أعوام من الآن
فاز “ياشار جوهادار” المُقرىء التركي “جوهادار” بالمركز الأول في المسابقة العالمية لقراءة القرآن الكريم المُقامة في مدينة “فاس” بالمغرب قبل ثلاثة أعوام من الآن، ذلك بعد مسيرة طويلة من أجل حفظ القرآن و إتمام وجمع القراءات العشر أتمها في تركيا ومن ثم سافر إلى مصر لإتمام دراسته في جامعة الأزهر، ليعود بعدها إلى تركيا ويبدأ عمله في وزارة الشئون الدينية في تركيا.
يتمتع “ياشار جوهادار” بصوت جميل حيث يلقبه الأتراك بـ “البلبل”، كرّمه الملك المغربي محمد السادس كونه حاز على المركز الأول في المسابقة العالمية لقراءة القرآن من بين مشاركة 37 دولة إسلامية في المسابقة، قبل أن يعود الشيخ من جديد إمامًا لمسجد “عثمان أغا” في كاديكوي في مدينة إسطنبول.
الحافظ خليل و التراث العراقي الأصيل
الشيح “الحافظ خليل” هو قارئًا للقرآن، و مُجوّدًا للتراث و المقام العراقي الأصيل، وهو يعتبر شيخ القراء في العراق، حفظ القرآن في سن صغير، ودرس على يد أكبر العلماء والقراء في ذلك الوقت مثل الملا رشيد و الملا إبراهيم العلي، ترقى في مناصب مختلفة كان منها رئاسة محفل القراء في جامع الإمام الأعظم، والتحق بالإذاعة ليكون مُقرئًا فيها عام 1941 ليكون مقرىء الإذاعة الأول.
كانت قراءته تصويرية لمعاني الآيات تؤثر بالسامعين حيث من أقواله؛”إنني عندما أقرأ القرآن الكريم أجعل أمامي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (زيّنو القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا)
كانت قراءته تصويرية لمعاني الآيات تؤثر بالسامعين حيث من أقواله؛”إنني عندما أقرأ القرآن الكريم أجعل أمامي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (زيّنو القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا)، كما دومًا آمن بالتغني بالقرآن، حيث كان يقول “من لم يتغن بالقرآن فليس منا”.
لم ينل لقب “الحافظ” اعتباطاً أو مجرد صدفة، بل ناله بجدارة واستحقاق عاليين، حيث وصفه الكاتب والباحث العراقي “محمد القبانجي” بأنه “بستان الأنغام العراقية الأصيلة”، حيث أنه نغم ومقام الزنكران لم يجرؤ أحد من المقرئين أن يقرأه أبدًا إلى يومنا هذا لصعوبة أدائه وترتيله. إلا أن الحافظ كان ممن رتلوه بكل إتقان.
عمر القزابري من نفحات المغرب العربي
وُلد “القزابري” عام 1974 في مراكش في المغرب، تلقى دراسته على يد والده “أحمد القزابري” أحد العلماء البارزين في المغرب، ختم القرآن في عمر صغير، أتمّ تعليمه في السعودية، بدأ بممارسة الإمامة في مسجد الجامعة في مدينة جدة، تلقى تعليمه على يد علماء مختلفون من علماء الأزهر وشمال إفريقيا، منهم الشيخ محمود إسماعيل، من علماء الأزهر، والشيخ الفاه الموريتاني.
بعد أن جاءته دعوة لإمامة مسجد الباز في مكة المكرمة، وبعد قضائه هناك بضعة أشهر، عاد إلى المغرب مرة أخرى بعد أن اُختير لإمامة مسجد الحسن الثاني، وصار يأتي إليه المصلون من كل حدب وصوب.
لا تتوقف القائمة عند هؤلاء، بل تمتد من إندونيسيا إلى موريتانيا و إفريقيا وأوروبا، من بينهم شيوخ لا ينطقون باللغة العربية، ومع ذلك تفوقوا على العرب في قراءة القرآن وتلاوته بشكل حسن وجميل، لا غُبار على المقرئين غير الموجودين في هذه القائمة هنا، إلا أنهم بدون شك يستحقون الاحتفاء بهم كما يتم الاحتفاء بغيرهم في قنواتهم الإعلامية.