ترجمة وتحرير نون بوست
الماضي هو الماضي. إما أن نتعلم منه أو لا نتعلم. إلا أنه لا يبدو أن دونالد ترامب يعبأ بدروس الماضي.
يعزم الرئيس الأمريكي -المعروف بكبره وتبجحه- على أن يشكل نموذجا غير مسبوق في التاريخ لإساءة إدارة الحكم. لقد حرك السيد ترامب المرجل العكر في سياسة الشرق الأوسط، وليته فعل ذلك بلطف، بل حرك المرجل بحماسة واستهتار بالغين.
بادرت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يوم الإثنين بقطع العلاقات مع دولة قطر، بالغة الثراء، والتي تشترك مع إيران، خصم السعودية المكروه من قبلها، في أضخم مخزون غاز طبيعي في العالم.
يسعى الحصار المفروض على قطر إلى عزلها عن بقية العالم؛ حيث أغلقوا المعبر الحدودي، وحظروا عبور الطيران القطري من أجوائهم، وأغلقوا خطوط الشحن البحري معها. تشتمل المطالب التي وضعت شروطا لرفع الحصار، وهو أمر يدعو إلى السخرية، على إغلاق قناة الجزيرة، صوت الجماهير في الربيع العربي. طُلب من المواطنين القطريين مغادرة دول الجوار إلى بلدهم. يعدّ كل هذا بمثابة إعلان حرب بكل ما يعنيه المصطلح.
حينما يُسمع قرع طبول الحرب، تبادر القوة العظمى في العادة إلى سحب العصي من أيدي المطبلين. لكن ليس هذا ما يفعله ترامب، بل غرد قائلا إن التحرك السعودي الإماراتي يمكن أن يشكل بداية نهاية “رعب الإرهاب”، موافقا بذلك على عزل قطر.
من خلال وقوفه بشكل سافر إلى جانب ضد آخر، يكون ترامب قد عبث بسلامة وأمن ما يزيد على أحد عشر ألف عسكري من الأمريكيين أو من دول التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، يتخذون من قاعدة العديد مقرا لهم، والتي منها تنطلق العمليات في المعركة التي تخاض ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
انزلق السيد ترامب إلى وضع بدأه الهاكرز، ثم ما لبث أن أصبح مستقرا؛ لمخاوف وجودية. والمزعج في الأمر أن الرياض وأبو ظبي تحركتا بعد اللقاء مع السيد ترامب. يبدو أنهما -ومعهما آخرون مثل مصر- تشكلت لديهم القناعة بأنه سيبارك تحركهم. وهذا ما فعله بالضبط من خلال تغريداته عبر “تويتر”.
يكره السعوديون والإماراتيون من القطريين دعمهم لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تراها الأنظمة العربية القائمة مصدر تهديد وجودي لها. كما تستضيف قطر حركة حماس وحركة طالبان، مع أن ذلك إنما تم بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة، التي تحرص على إبقاء هذه المجموعات معزولة، ولكن قريبة في الوقت ذاته فيما لو احتاجت لأن تتحدث معها.
تشير تسريبات حديثة إلى أن مراكز البحث والتفكير في إسرائيل ساندت المسعى السعودي الإماراتي لعزل قطر.
يمكن تقصي الإشكال إلى عام 1995، حينما أطاح والد حاكم قطر الحالي بوالده، الذي كان مواليا للسعوديين من السلطة. حينها اعتبرت المملكة العربية السعودية، ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة، الانقلاب العائلي سابقة بالغة الخطورة على العائلات الحاكمة في الخليج.
منذ ذلك الوقت، اختطت الدوحة، التي تعيش على الغاز، مسارا خاصا بها، وعمقت علاقاتها بطهران.
إضافة إلى ذلك، تلتزم قطر بنمط من الإسلام يختلف عن النمط السائد في المملكة العربية السعودية، فهي تسمح للنساء بقيادة السيارات، وبالخروج دون نقاب، وتسمح للأجانب بتناول المشروبات الكحولية.
قطر ليست ديمقراطية ليبرالية، بل نظامها ملكي سلطوي، ولديها سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان؛ فقد قضى مئات العمال نحبهم وهم يشيدون بعض أهم معالم البلاد. إلا أن ما يسخط الحكام العرب هو دور قطر في الوقوف إلى جانب المتظاهرين الذي احتجوا على نظام مبارك، ويزعجهم دعمها للإسلاميين في ليبيا ما بعد القذافي.
حظيت الدوحة في مساندتها للشارع العربي بدعم تركيا، التي تستعد الآن لنشر قواتها في قطر.
يتوزع ميزان القوة في الشرق الأوسط الآن بين الملكيات السنية في الخليج، ومحور قطر تركيا، الذي يدعم الإسلام السياسي، والهلال الشيعي الذي يوجد مركزه في إيران؛ ولذلك باتت كثير من الصراعات في المنطقة -ليبيا واليمن وسوريا- مجرد حروب بالوكالة بين هذه القوى الإقليمية.
من شأن التصريحات الغاضبة التي تتوعد بنقل المعركة إلى طهران، مثل تلك التي صدرت الشهر الماضي عن نجل الملك، أن تصب الزيت على النار، بينما تتعمق مشاعر الكراهية الطائفية في الميدان.
من الملاحظ أن الهجوم الإرهابي على البرلمان الإيراني، والذي اتهمت إيران به الرياض، مع أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مسؤوليته عنه، وقع بعد الصدامات الدموية التي وقعت في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية بين قوات الأمن والمحتجين الشيعة.
كان ينبغي على واشنطن منذ اللحظة الأولى أن تقيم علاقات مع جميع الأطراف؛ حتى تقلص من التوترات، إلا أن السيد ترامب كان متحمسا أكثر من اللازم في حسم مسألة من هم أصدقاؤه.
ما من شك في أن بعض العلاقات عادت على عائلة ترامب بمكاسب ضخمة، ويشار في هذا المجال إلى أن صندوق سيدات الأعمال -الذي تديره إيفانكا ترامب- حظي على وعد بهبة تبلغ قيمتها 100 مليون دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان تعرضتا لنقد لاذع؛ لإخفاقهما في استضافة لاجئ سوري واحد.
طوال هذا الوقت ما فتئ السيد ترامب يتبع سياسة تتعارض مع مصالح بلده. وهذه حماقة من صنع يديه، ومن غير المحتمل أن تنتهي إلى خير.
المصدر: الغارديان