لم تكد بعض وسائل الإعلام التونسية الكبرى تستفيق من اللامهنية التي غرقت فيها منذ سنوات، حتى جاءها قرار قطع دول خليجية علاقاتها بقطر – تأديبًا لها على خروجها عن العباءة السعودية واستقلالية قرارها الدبلوماسي والسياسي فيما يتعلّق بعدد من الملفات التي تمرّ بها المنطقة -، لنرى حجم المغالطة التي تنشرها بهدف مواصلة تأليب الرأي العام المحلي على قطر.
بعد ساعات قليلة من صدور قرار قطع العلاقات بقطر، استمعت للافتتاحية “édito” التي يقدّمها رئيس تحرير إذاعة “موزاييك إف إم” المستقلة، ناجي الزعيري، على أمواج الإذاعة الأكثر انتشارًا في تونس، وقد هالني حجم المغالطات التي سمعتها وتمنيت لو لم أسمعها
خلال دقائق من إعلان هذا القرار غير المسبوق في تاريخ الدول الخليجية، أولت وسائل إعلامية اهتمامًا كبيرًا بتطورات الأحداث، حتى إنها فرحت أيما فرح بقطع البرلمان الليبي غير المعترف به دوليًا علاقاته غير الموجودة أصلاً بقطر، كما سارعت في نشر خبر قطع المالديف والموريشيوس لعلاقاتها مع نفس الدولة، في وقت أهملت فيه الحديث أو الإشارة في تغطيتها الإعلامية لحادثة تسريب إيميلات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، والتي كشفت عن حجم تآمر أبو ظبي على المنطقة وحلفائها.
بعد ساعات قليلة من صدور قرار قطع العلاقات بقطر، استمعت للافتتاحية “édito” التي يقدّمها رئيس تحرير إذاعة “موزاييك إف إم” المستقلة، ناجي الزعيري، على أمواج الإذاعة الأكثر انتشارًا في تونس، وقد هالني حجم المغالطات التي سمعتها وتمنيت لو لم أسمعها.
الافتتاحية المعنونة بـ”هل ينتهي الإرهاب بتأديب قطر”؟ والتي احتوت من عنوانها على حكم مسبق، بدأها رئيس التحرير باستنقاص دولة مستقلّة ذات سيادة ومكانة في المنطقة، واصفا إياها بـ”دويلة قطر”، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية بدأت بـ”تأديب” أميرها تميم بن حمد.
الزعيري المعروف بسقطاته الإعلامية العديدة، اختار مواصلة حديثه بتكرار كلمة “دويلة قطر” أكثر من مرّة، متهمًا إياها بالوقوف وراء دعم الجماعات الإرهابية والطائفية المتعدّدة، بهدف ضرب الاستقرار في المنطقة العربية، على غرار جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسها الشيخ يوسف القرضاوي، كما زعم أنها تحتضن تنظيم داعش والقاعدة وتروج لأدبياتهم وتوفر لهم الدعم المادي، بالإضافة إلى دعمها لنشاط الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف الشيعية.
من المؤسف أن يصل الأمر برئيس تحرير أكبر إذاعة في تونس إلى السخرية من دولة ذات سيادة ووصفها بـ”الدويلة”
رئيس تحرير “موزاييك” انتقل على إثر ذلك، إلى الفجور في الخصومة والدفاع عن عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب في مصر، ومهاجمة قناة الجزيرة التي كانت تنقل أصوات التونسيين قبل انتفاضة 14 من يناير 2011، في وقت كانت فيه الإذاعة التي يرأس تحريرها على ملك أصهار ابن علي تغالط الرأي العام بشأن مجريات الأحداث وتدعو التونسيين للوقوف صفًا واحد إلى جانب النظام.
ناجي الزعيري، واصل حديثه عن الدور القطري في دعم ما أسماها بـ”الجماعات التكفيرية” و”تخريب تونس وليبيا وسوريا والعراق واليمن”، مذكّرًا بأن قطر كانت قد أرسلت أسلحة إلى الثوار الليبيين عبر تونس، متناسيًا في نفس الوقت، أن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، كان الساهر على إدخالها إلى ليبيا عندما كان رئيسًا للحكومة في ذلك الوقت.
وفي ختام افتتاحيته الصوتية، تساءل الإعلامي التونسي “هل ينتهي الإرهاب بمقاطعة قطر وعزلها”؟ مجيبًا “طبعًا لا، لأن مكامن التطرف والغلو الديني، ومحاضن تفريخ العقول المتعصّبة لا توجد في قطر فقط، بل في السعودية وإيران ودول أخرى باسم أولياء الأمور ونشر الدين الحنيف وولاية الفقيه وطبعًا هذا جزء من الديكور العربي الإسلامي المقرف جدًا والمخزي جدًا”.
من المؤسف أن يصل الأمر برئيس تحرير أكبر إذاعة في تونس إلى السخرية من دولة ذات سيادة ووصفها بـ”الدويلة” واتهامها بالوقوف وراء كل المصائب والأحداث الإرهابية التي تمرّ بها المنطقة، في حين لم يشر ولو حشمة، إلى دور الإمارات التآمري على المنطقة والذي اكتوت تونس بناره في أكثر من مناسبة.
يعلم الزعيري كما يعلم غيره، أن الإمارات نالت من الثورة التونسية ومنعت التونسيين من قطف ثمارها وكانت تمني النفس بأن يستنسخ الرئيس الباجي قائد السبسي تجربة سيسي مصر في تونس، ويقتل ما شاء له من الإسلاميين ويزج بالباقي في السجون أو يطردهم، لهذا كان عليه على الأقل، أن يذكّرنا ببعض هذه التفاصيل وليس كلّها في افتتاحيته غير البريئة التي أسعدت بلا شك عيال زايد وبيادقهم في تونس.
إن المال الإماراتي متغلغل في عدد من وسائل الإعلام التونسية، حتى إنك لا تكاد تجد مقالاً أو تقريرًا يفضح دور أبوظبي التآمري على بلادنا
نرجو ألا يكون “الرز” الإماراتي قد وصل بيت ناجي الزعيري، كما نرجو منه أن يبتعد في نقده عن استعراض العضلات والاكتفاء بالحقائق الواضحة في سرده للمعطيات بعيدًا عن التعصب للأيديولوجيا والانتماءات الحزبية الواضحة، كما نرجو منه أن يكون وفيًا لمبادئ الإعلام وأخلاقياته التي لطالما تبجّح بتطبيقها والسهر على احترامها في مجالسه العامة والخاصة.
وفي ختام المقال، وجب علينا الإشارة إلى أن المال الإماراتي متغلغل في عدد من وسائل الإعلام التونسية، حتى إنك لا تكاد تجد مقالاً أو تقريرًا يفضح دور أبوظبي التآمري على بلادنا، طمعًا في كسب “الرز” حتى عبر صفقات إعلانية لشركة طيران الإمارات.