ترجمة وتحرير: نون بوست
تولّد الأوقات العصيبة كلمات فظيعة يكون لها عواقب – خاصة عندما يكون من الممكن تسجيل ما تقوله ونشره. مع ذلك، لا يستطيع المجتمع الاتفاق، وربما بات ذلك أصعب الآن، على ما تعنيه وجهات النظر المقبولة والعواقب التي ينبغي أن يتحملها الشخص الذي يعبّر عنها.
في الأسبوع الماضي، أُلقي القبض على ستيوارت سيلدويتز، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، ووُجّهت إليه تهمة ارتكاب جريمة كراهية بعد أن انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو له وهو يتفوّه بسلسلة من العبارات المتعصّبة ضد محمد حسين، وهو بائع متجوّل في أحد شوارع مانهاتن يبلغ من العمر 24 سنة.
وصف سلدويتز حسين بأنه إرهابي وأهان عقيدته الإسلامية وقال بصوت هستيري: “إذا قتلنا أربعة آلاف طفل فلسطيني – كما تعلمون – فذلك ليس ذلك كافيًا”. ومن جانبه، طلب حسين من سلدويتز مرارًا وتكرارًا أن يتركه وشأنه.
حالة سيلدويتز واضحة المعالم، فمن الواضح تمامًا أنه متعصب ومتنمر. وكما أشار المئات من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن خطابه الخطير يصبح أكثر إثارة للقلق عندما يوضع في سياق قربه من أعلى المستويات في وزارة الخارجية الأمريكية. لقد خدم سيلدويتز في عهد الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين وعمل في مكتب وزارة الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية. يكتسح الأشخاص السيئون مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لأسباب مختلفة، ولكن هناك مستوى خاص من الازدراء مخصص لأولئك الذين يبدو أنهم يكشفون عن شيء فاسد في قلب مؤسسات السلطة.
تتلخص القضيّة القانونية المرفوعة ضد سيلدويتز في ما يلي: في ولاية نيويورك، يمكن اتهام أي شخص بالمطاردة من الدرجة الرابعة إذا تعامل “عن قصد ودون سبب مشروع” مع شخص ما بطريقة تتسبب في أن يكون لدى الهدف “خوف معقول” على صحته أو سلامته هو وأسرته. وفي مقاطع الفيديو، يبدو سلدويتز وهو يوجّه تهديدات غريبة حول تحريض وكالة استخبارات مصرية على جد حسين. ويحمي القانون أيضًا الأشخاص من التهديدات التي قد تضرّ بعملهم.
عرض هذا المنشور على Instagram
أخبر سلدويتز حسين بأنه سيتصل بسلطات الهجرة، وسأله مرارًا وتكرارًا عن حالة جنسيته. وهناك أيضًا بند ينص على أنه لا يمكن التواصل بشكل متكرر في مكان عمل شخص ما إذا طلب منك هذا الشخص التوقف. وقد طلب حسين من سلدويتز الرحيل عدة مرات، لكن يبدو أنه عاد في ثلاث مناسبات منفصلة على الأقل. كما أن التحرش من الدرجة الثانية هو تهمة مماثلة تنص على أنه لا يمكن الانخراط في أفعال متكررة “لإزعاج خطير” لشخص آخر إذا كانت تلك الأفعال “لا تخدم أي غرض مشروع”، وكلا التهمتين جنحة.
كل ما قاله الجاني ينطوي على مخالفة في القانون، وبما أن سيلدويتز تفوّه أيضًا بعبارات متعصبة بشكل واضح أثناء ارتكاب هذه الأفعال، فقد تم اتهامه أيضًا بارتكاب جريمة كراهية. (ادعى سلدويتز في دفوعه القانونيّة أنه غير مذنب في جميع التهم الموجهة إليه، وقال في المقابلات إنه كان يرد على استفزاز من حسين). في مثل هذه الحالة، ما يهم هو التعبير اللفظي عن الكراهية ولكن لا توجد معايير واضحة لما يهم ولا يهم. وقد أدى هذا الغموض إلى تطبيق مجزأ وسخيف حيث تقوم أقسام الشرطة الفردية والمدعون العامون باتخاذ قرارات بشأن كيفية تصنيف الحوادث المنفصلة.
يمكنك أن تلكم ثلاثة أشخاص من عرق معين، وقد تبدو حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها جدار دعاية للنازية، ولكن ما لم تقم بالفعل بتوجيه إهانة عنصرية لفظية سمعها شخص ما أو تم تصويرها في مقطع فيديو فمن المحتمل أن تُهَم جرائم الكراهية لن تنجو من العملية القانونية. وإلى هذه النقطة: ما بين 2004 و2019، قررت وزارة العدل محاكمة سبعة عشر في المائة فقط من نحو ألفي مشتبه به تم التحقيق معهم في جرائم كراهية.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل أقسام الشرطة والمدعين العامين يميلون إلى تجنب ملاحقة اتهامات جرائم الكراهية. من الصعب إثباتها لأنه في غياب بعض الأدلة اللفظية، يكاد يكون من المستحيل معرفة سبب قيام أي شخص بأي شيء ويمكنها في بعض الأحيان تضليل هيئة المحلفين، التي قد تركز على ما إذا كانت الجريمة مدفوعة بالفعل بالكراهية بدلاً من التركيز على الجريمة نفسها، ولدى بعض المدعين مخاوف أخلاقية بشأن الضغط من أجل فرض المزيد من العقوبات بطريقة تعسفية على ما يبدو.
إن معايير الأدلة الغريبة الخاصة بجرائم الكراهية، جنبًا إلى جنب مع إحجام أجهزة إنفاذ القانون عن توجيه الاتهامات ذات الصلة، تعني أن تنفيذ القوانين يقتصر على القضايا البارزة، عندما تنتشر قضية شخص مثير للاشمئزاز بشكل خاص. وفي الشهر الماضي، اتُهمت جين أومانا من سانتا باربرا بارتكاب جريمة كراهية بعد أن أساءت لفظيًا إلى عامل بناء لاتيني وبائع في الشارع، في حادثتين منفصلتين. وتم تصوير الحالتين بالفيديو وأثارتا احتجاجات في المدينة. ويوم الثلاثاء، ألقي القبض على هداسا بوزكارافاني، وهي امرأة تبلغ من العمر ثمانية وأربعين سنة من بروكلين، بتهم جرائم الكراهية بعد أن انتشرت مقاطع لها على نطاق واسع بسبب صراخها بإهانات معادية للإسلام وإلقاء القهوة الساخنة على رجل كان يمشي مع ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر شهرًا.
إنها حوادث فظيعة لكن محاكمتها باعتبارها جرائم كراهية تشير إلى أننا ربما ننشئ محكمة صورية للمتعصبين، وهو ما يخدم في الغالب تهدئة الجمهور الغاضب عن حق. ولا ينبغي أن يكون قرار توجيه اتهامات بجرائم الكراهية مرتبطًا بما إذا كان مقطع الفيديو ينتشر على نطاق واسع، ولا ينبغي لأولئك الذين ينتقدون الطبيعة التعسفية لإنفاذ القانون أن يقدموا استثناءات كما يرونها مناسبة. وتبدو تهم المطاردة من الدرجة الرابعة والتحرش من الدرجة الثانية لسيلدويتز مناسبة – على الرغم من أنني أزعم أن كلا القانونين يبدو وكأنهما مكتوبان ليتم تطبيقهما بسخرية – لكن قوانين جرائم الكراهية لا ينبغي أن تستخدم كأداة للانتقام ضد نجوم الفيديوهات الرائجة.
ما أطرحه هنا هو سؤال أخلاقي حول ما إذا كان للناس الحق في قول أشياء فظيعة دون عواقب قانونية. هناك حجة مفادها أن أولئك الذين يجدون كلمات سلدويتز بغيضة يجب أن يتمتعوا بالشرف وأن يكونوا مثالًا على ضرورة حماية حرية التعبير دائمًا، ومن شأن مسار العمل هذا أن يكون بمثابة حصن ضد أولئك الذين يلقون اللوم في البيئة الرقابية اليوم على ما يسمى عمليات التطهير اليقظ في العقد الماضي. لا أجد هذا الخط من التفكير مقنعًا بشكل خاص، لأنه يفترض أن الإجماع على نحو ما، مهما كان هشًا ومشروطًا، يمكن أن ينشأ عن طريق الشد والجذب بين الفصائل المستقطبة.
صفقة نظرية – مثل “إذا وافقنا على الدفاع عن حق ستيوارت سيلدويتز في قول أشياء فظيعة، فسوف يتم في المقابل التوقف عن مضايقة الطلاب وطرد الموظفين بسبب تعبيرهم عن دعمهم للفلسطينيين أو حياة السود مهمة أو أي قضية أخرى يعتقدون أنها عادلة” – تقوم على خيال سخيف. إن أولئك الذين يريدون الحد من حرية التعبير لا يسجلون ديون الرقابة وأرصدتها، ولا يهتمون بتوازن المعايير بل يتصرفون عندما يكون لديهم السلطة. ويجب مقاومتهم لأنه من غير الأخلاقي أن يُحبس شخص بسبب تعبيره عن رأيه، مهما كان صالحًا أو مثيرًا للاشمئزاز.
كانت هذه المبادئ محمية ذات يوم من قبل مؤسسات مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، الذي اشتهر بالدفاع عن حقوق النازيين وجماعة كو كلوكس كلان بموجب التعديل الأول، ولكن هذا النوع من الدعوة يبدو محظورًا وعفا عليه الزمن الآن. ومن الصعب أن نتصور أن أي منظمة قانونية ستهب للدفاع عن حق ستيوارت سيلدويتز في قول أشياء فظيعة عن ذبح الأطفال الفلسطينيين. هذا أمر مؤسف لأننا في فترة تغيير زلزالي بالنسبة للحريات المدنية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعديل الأول للدستور، والمراقبة، وحرمة الصحافة الحرة، ولم يكن الدفاع عن القضية الأخلاقية لحرية التعبير أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لا يحتاج المرء إلى طرح حجة المنحدر الزلق للإشارة إلى الكيفية التي قد تسوء بها الأمور. يتم مراقبة كل ما نقوم به في الأماكن العامة تقريبًا، ويتم التحكم في معظم اتصالاتنا من قبل شركات التكنولوجيا، ويمكن لأي منا أن يصبح رائجًا بسرعة كبيرة في أي لحظة. وينبغي لنا أن ندين أي محكمة صورية تحرّف القانون بطرق تعسفية لمعاقبة الأشخاص الذين توثقهم مقاطع الفيديو وهم يقولون أشياء لا تحظى بشعبية.
المصدر: نيويوركر