يدخل الصراع الأوكراني الروسي سنته الرابعة دون أي بوادر وأفق واضحة لحله، بل إن لغة التصعيد بين كييف وموسكو متواصلة بشكل دوري على مدار الثلاث سنوات الماضية، ويمكن وصف العلاقات الحالية بأنها الأسوأ من نوعها في تاريخ البلدين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن الماضي.
احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم والصراع الدامي في إقليم الدونباس والذي أودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، وحرب دبلوماسية وإعلامية وقضائية في المحاكم الدولية وغيرها، للوهلة الأولى وبمنطقنا العربي يمكننا الجزم بأنه لا يمكن أن يوجد أي اتصال أو تواصل بين البلدين في ظل هذا الواقع الذي أُريقت فيه الدماء وانهارت فيه العلاقات بشكل كبير، لكن ورغم كل هذا فشعرة معاوية ما زالت باقية بينهما.
بصرف النظر عن كل الخلافات ولم تطرد أوكرانيا أو روسيا الدبلوماسيين أو مواطني البلد الآخر ولم يتم لحد الساعة فرض نظام التأشيرة رغم الدعوات بذلك، لأن أوكرانيا الساعية إلى تطبيق هذا الأمر في المقام الأول تفكر في 5 ملايين من مواطنيها الذين يعيشون ويعملون في روسيا
فسفارات البلدين وقنصلياتهما تعمل بشكل طبيعي وطرق الاتصال المباشرة وغير المباشرة ما زالت قائمة حتى على مستوى قيادة البلدين، فالرئاسة الأوكرانية أعلنت قبل مدة أن الرئيس بوروشينكو أجرى نحو أربعة اتصالات منذ بداية العام 2017 مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وما زال التعاون الاقتصادي قائمًا وإن قلت نسبته، فقد أعلن مصنع الجنوب للصواريخ قبل يومين توقيع عقد لبيع 12 صاروخًا لروسيا يستخدم في أبحاث الفضاء.
الحدود بينهما مفتوحة بصرف النظر عن كل الخلافات ولم تطرد أوكرانيا أو روسيا الدبلوماسيين أو مواطني البلد الآخر ولم يتم لحد الساعة فرض نظام التأشيرة رغم الدعوات بذلك، لأن أوكرانيا الساعية إلى تطبيق هذا الأمر في المقام الأول تفكر في 5 ملايين من مواطنيها الذين يعيشون ويعملون في روسيا.
قد نختلف أو نتفق مع توجهات أي بلد ورؤيته للوضع القائم، لكن ومع بداية الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج العربي أخذني تفكيري للمقارنة، فدول بلغة ودين وتاريخ وجغرافيا واحدة وفي إطار سياسي يجمعهم منذ عقود، ودون وجود أي بوادر لخلاف حقيقي بالمعنى السياسي، تقطع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وليس ذلك فحسب بل وطرد جميع مواطنيها من أراضي دولهم دون اعتبار لأي منطق، وفرض حصار اقتصادي وغلق المجال الجوي في أسلوب وطريقة تعامل فريدة من نوعها لا يمكن أن تقوم بها أي دولة متحضرة في العالم باستثناء الدول العربية، فالتاريخ الحديث على الأقل لم يشهد تصرفًا مماثلًا بهذه الغرابة حتى بين الدول التي بينها عداء واضح.
في هذه الظروف الصعبة نحن بحاجة ماسة إلى تعلم الدرس الأوكراني بالإبقاء على شعرة معاوية وعدم الزج بالشعوب في خلافات الساسة لأن العلاقة بين الشعوب إذا انفرطت يصعب ربطها
الأمر الأكثر سوءًا في اعتقادي إدخال مواطني البلدان المعنية في صراع الحكام وسياستهم وهذا أسلوب عربي بامتياز لن تجد له مثيلًا في العالم أجمع، وذلك رغم كل التصريحات التي تشير بنفاق إلى وحدة الشعوب وأخوتها.
في هذه الظروف الصعبة نحن بحاجة ماسة إلى تعلم الدرس الأوكراني بالإبقاء على شعرة معاوية وعدم الزج بالشعوب في خلافات الساسة لأن العلاقة بين الشعوب إذا انفرطت يصعب ربطها، وأختم بالمثل الشعبي الجزائري فأقول لدول الخليج “خوك خوك، لا يغرك صاحبك”.