ترجمة وتحرير نون بوست
مؤخرا، رفع الستار عن كواليس المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية التي أقيمت خلال سنة 2011، وذلك من خلال تسريبات رسائل البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة. وقد كشفت تلك التسريبات عن معلومات صادمة حول قضية القدس والتآمر ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس في حرب غزة.
فضلا عن ذلك، سلطت تلك التسريبات الضوء على العلاقة الخفية بين دحلان والمخابرات الإسرائيلية والمخابرات المصرية، والاتفاقات السرية بينهم فيما يتعلق بالعديد من القضايا في المنطقة. كما تضمنت هذه الرسائل الإلكترونية معلومات حول الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لدحلان من أجل تنفيذ جملة من المخططات الأمريكية، التي توجها دحلان بتسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. والجدير بالذكر أن العديد من أعضاء حركة فتح يشكلون عناصر فعالة تعمل في خدمة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي.
في شهر يناير/كانون الثاني من العام الماضي، نشرت مقالا في صحيفة “الحياة الحقيقية”، تضمن جملة من التوقعات بشأن إقدام جهات خارجية على القيام بانقلاب على الشرعية التركية. وقد أشرت إلى احتمال إضافة فصل جديد في سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها الدولة التركية. وفي الأثناء، تطرقت إلى تفاصيل دقيقة حول تحالف دولي يستهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويعتزم الإطاحة به.
في الواقع، صدر ذلك التقرير قبل محاولة الانقلاب الفاشلة بستة أشهر. ومن المثير للاهتمام أن محمد دحلان وبإيعاز من دولة الإمارات، كان طرفا أساسيا في صلب تلك الخطة كما كان يضطلع بدور بارز في تشكيل ملامح السيناريو الذي كان يستهدف الرئيس أردوغان ويهدف إلى القضاء على نظام حكمه.
في المرحلة الأولى، كان هذا المخطط يقتضي تشويه صورة تركيا وحزب العدالة والتنمية أمام الرأي العام العالمي من خلال توظيف وسائل الإعلام العالمية، ومن ثم الإنتقال إلى داخل تركيا وحشد المعارضين ضد أردوغان ودعم وسائل الإعلام المعارضة التركية مالياً. أما الخطوة التي تلي ذلك، فتتمثل في تحفيز المؤسسة العسكرية التركية من خلال حملة إعلامية مضادة لنظام الحكم، للقيام بانقلاب عسكري والقضاء على أردوغان.
ومن المثير للسخرية أنني قد سلطت الضوء على جميع هذه المخططات التي تهدف لزعزعة استقرار تركيا قبل محاولة الانقلاب بستة أشهر، إلا أن ذلك لم يلفت انتباه أي جهة. ويعزى ذلك إلى تركيز جميع وسائل الإعلام الأخرى على مسائل أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها. ففي ذلك الوقت، عمدت مختلف وسائل الإعلام إلى خلق جملة من الافتراءات بشأن النظام التركي فضلا عن تحليل حالة الأسواق التركية، في حين كانت تتعمد غض الطرف على مسألة الانقلاب على الشرعية، فلم يكن الأمر يعنيها على الإطلاق.
في حقيقة الأمر، عمد قاتل عرفات محمد دحلان، وبتشجيع من دولة الإمارات، إلى التخطيط لاستهداف تركيا والإطاحة بالرئيس أردوغان. وفي هذا الصدد، خصصت الإمارات مبلغا قدر بسبعين مليون دولار للمضي قدما في هذا المخطط. ومن هذا المنطلق، لسائل أن يسأل لأي جهة إعلامية داخل تركيا ذهبت كل تلك الأموال؟ في الفترة التي نشر فيها التقرير الذي يكشف المخطط الدولي ضد تركيا، كان هناك حوالي 1128 أكاديمي يعملون على تنظيم حملات داعمة للإرهاب كما عمدوا إلى انتقاد نظام الحكم داخل تركيا. فهل من الممكن أن تكون الإمارات الداعم الرئيسي لهؤلاء الجماعات؟
إثر إقدامه على تسميم عرفات، عاد دحلان للظهور في الواجهة من جديد. ولكن هذه المرة ليس كقاتل وإنما على اعتباره الرأس المدبر لعملية الإطاحة بالنظام التركي، وهدفه الرئيسي كان أردوغان. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الجهات قد فشلت في الإطاحة بأردوغان في أحداث جيزي بارك، كما لم تنجح في ذلك خلال أحداث 17/25 كانون الأول / ديسمبر، مما دفعها للجوء إلى خيار الانقلاب العسكري. وفي ذلك الوقت، كانت الإمارات الداعم المالي الرئيسي لتلك المخططات في حين تكفل دحلان بالتنظيم لها. ومن المثير للاهتمام أن القناة التلفزيونية التي تحدث لها زعيم تنظيم غولن، فتح الله غولن، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة تعود ملكيتها لدحلان.
وفي الوقت الذي تستعد فيه تركيا لإحياء الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وانتصار إرادة الشعب، تجلت العديد من الحقائق فيما يتعلق بالجهات التي تقف خلف محاولة الانقلاب وذلك من خلال رسائل البريد الإلكتروني المسربة التابعة للسفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة. وقد كشفت تلك التسريبات عن الدور الإماراتي في محاولة الانقلاب التي طالت تركيا.
ولكن هل انتهى كل ذلك؟ بالطبع لا، فمن المتوقع أن تعمد هذه الجهات وبدعم من الإمارات إلى التخطيط من جديد حتى تتمكن من تنفيذ مآربها، وسيحاولون استهداف أنقرة من خلال عمليات أخرى. ولعل الأزمة الخليجية تندرج ضمن مخططاتهم الدنيئة للمساس باستقرار تركيا. ففي الحقيقة، تحاول هذه الجهات الدولية الضغط على أصدقاء تركيا وحلفائها المقربين، مما سيتيح لهم فرصة زعزعة الروابط المتينة التي تجمعهم بأنقرة. وبالتالي، تحييد الدور التركي العالمي وإلحاق الضرر بالمشاريع الاقتصادية التركية.
في الوقت الراهن، نأى العديد من الإعلاميين والأكاديميين عن تحليل خبايا الوضع السياسي فيما يتعلق بالشأن التركي، حيث يظنون أن الأمر قد انتهى ولن تكون هناك أي مخططات جديدة ضد تركيا، في حين انتقلوا إلى تحليل الأسواق والحالة الاقتصادية. أمل أنهم يعون جيدا أن هناك موجة جديدة من الخطط والسيناريوهات التي تحاك في الخفاء ضد تركيا.
على الرغم من كل هذه المعطيات، تظل تركيا دولة قوية، كما أنها قادرة على الوقوف في وجه تلك التحالفات والمخططات التي تستهدفها. في المقابل، أصبح الوضع السياسي على الساحة الدولية مخيفاً. فلم تعد هناك تحالفات فعلية أو شراكات إستراتيجية، فضلا عن أنه لم يعد هناك ضمانات للاتفاقات الدولية. فكل دولة تعتمد على قوة سياستها الخاصة، وخير مثال على ذلك الأزمة الخليجية الحالية. فقد قامت العديد من الدول بوضع قطر تحت وطأة الحصار في يوم واحد، في حين فرضت كل من البحرين والإمارات ومصر والسعودية عقوبات قاسية على الدوحة وأغلقت الحدود البرية والجوية ذهاباً وإياباً كما أعلنتها عدواً لها.
في سياق متصل، تعتبر هذه العقوبات نتاج زيارة الرئيس ترامب الأخيرة للسعودية. وبغض النظر عن أسباب تلك العقوبات التي وضعت شراكة قطر مع إيران في الواجهة، إلا أنها تجسد ما قد يحدث مستقبلاً. فمن خلال مثل هذه السيناريوهات تستطيع الولايات المتحدة بعثرة أي تحالف إسلامي بين الدول الإسلامية. ففي يوم حال لم ترد الولايات المتحدة ذلك، فمن غير الممكن أن ينشأ تحالف إسلامي فعلي. ومن المرجح أن نشهد مثل هذه الاحداث مجدداً في حال لم نستفد من هذه الدروس مستقبلاً.
عموما، قد تكون العقوبات التي فرضتها السعودية وحلفائها على قطر تهدف إلى منع تيارات سياسية عدائية تستهدفها، وهذا ما سنكتشفه مستقبلا. ولكني أظن أن تلك العقوبات تستهدف تركيا بشكل أو بآخر، وكأن بعض الجهات تعمل على تحييد تركيا وتقزيم اقتصادها وتركها وحيدة من خلال الضغط على الدول الصديقة والمقربة من أنقرة مما سيؤدي إلى خسارتها لها.
هذه المرة، لجأت هذه الأطراف إلى ضرب الاقتصاد لمحاولة الإطاحة بالقوة التركية بعيداً عن العمل العسكري على غرار محاولة الانقلاب السابقة. ومن هذا المنطلق، يمكننا فهم طبيعة الإستراتيجية الجديدة التي تعتمدها تلك الجهات لاستهداف تركيا. ففي الواقع، سيواصل أعداء تركيا توظيف السلاح الاقتصادي للوصول إلى أهدافهم. فليفعلوا ما يريدون، فنحن ندرك جيدا أنها مسألة بقاء بالنسبة لنا. لذلك سيجدون الرد اللازم على ذلك، ونحن جاهزون لمواجهة خططهم المتطرفة.
المصدر: يني شفق