عند العودة إلى المراجع أو المصادر الدينية قليلًا ما تكون أسماء النساء العالمات المسلمات من أحد الأسماء المقترحة، رغم أن الشخصيات النسائية في المجال الديني حققت وجودًا كبيرًا في جميع المجالات الدينية وكان منهن فقيهات وعالمات وشيخات ومحدثات يساعدن الناس على التقرب من الدين وفهمه.
في كتاب “فقيهات عالمات” يبدي الكاتب محمد خير رمضان يوسف، دهشته واستغرابه من إغفال كتب السير والتراجم من النساء العالمات على الرغم من انتشار العلم بشكل واسع بين الرجال والنساء، إلا أن التاريخ اختصر أعمالهن وسيرهن ولم يعتن بتوثيق أحوالهن وحياتهن.
توجد شخصيات عديدة كان لها مشاركة واسعة في التاريخ الإسلامي، وكانت هذه المشاركات الفردية عاملاً مهمًا في الحفاظ على صورة الدين الإسلامي والمساهمة في نشره بالطريقة الصحيحة، لتحقق تفاعلاً ثقافيًا واجتماعيًا كبيرًا على المنحى الديني، وهذه الأمثلة المعدودة لا تنصف المرأة بالشكل الكامل لكنها قد تخدم في التعريف أو التذكير بأدوارهن المختلفة.
عائشة الباعونية
أديبة وشيخة صوفية دمشقية ومفتية ومدرسة وهي ابنة القاضي وعالم الفقهيوسف بن أحمد، ألفت الباعونية العديد من الكتب والدواوين ومن أشهرها ديوان “الفتح المبين في مدح الأمين” مدحت فيه الرسول.
“الباعونية أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلًا وعلمًا وأدبًا وشعرًا وديانةً وصيانةً”.
في الأعوام الماضية، كرمت اليونسكو الأديبة العالمة بمناسبة مرور 500 عام على ذاكرها، وفي خصوص هذا التكريم ذكرالدكتور محمد علي الصوريكي في كتابه “عائشة الباعونية فاضلة الزمان”، “تبوأت الباعونية مكانة رفيعة في العصر المملوكي، وبذلك استحقت هذا التكريم الكبير من منظمة عالمية كاليونسكو، ولا بد من المعنيين بهذه المناسبة الاحتفاء بها من خلال تحقيق مؤلفاتها ونشرها، وتقديم مختلف الدراسات والأبحاث عنها، وإقامة الندوات والمحاضرات للتعريف بها، وحري بمؤسساتنا الحكومية أن تبادر إلى إطلاق اسمها على بعض المراكز العلمية والثقافية والمدارس الحكومية والكليات العلمية، وبهذا العمل نكون قد وفينا بعض حقها وكرمناها كأدبية أردنية رائدة نبغت في عصرها، وغدت اليوم علمًا بارزًا على المستوى العالمي”.
في نفس السياق، قال عنها شيخ الإسلام والمؤرخ الديني نجم الدين الغزي في كتابه “الكواكب السائرة”: “الباعونية أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلًا وعلمًا وأدبًا وشعرًا وديانةً وصيانةً”.
فضلًا عن أن الباعونية نشأت في بيئة بين علماء وفقهاء وأدباء، إلا أنها زادت من جهودها في دراسة الفقه والنحو والعروض على يد جمال الدين الحوراني والعلامة محيي الدين الأرموي، ومن ثم سافرت إلى مصر لتنهل من علومها ويجيز لها بعد ذلك الإفتاء والتدريس.
أم الحسن بنت أبي لواء
هي إحدى النساء العالمات اللاتي يذكرهن تاريخ الأندلس لعطاءاتها العلمية والفكرية الغزيرة، نشأت في بيئة علمية ساعدتها على تمكين نفسها من علوم الدين وتفاسير القرآن الكريم وحفظ السيرة النبوية وذلك بمساعدة الإمام بقي بن مخلد.
قال عنها المؤرخ والأديب ابن الآبار: “أم الحسن من خيرات النساء الفاضلة، فقد كانت تتعبد في مسجد ملاصق لبيتها وتأتيها النساء للذكر والتفقه في الدين ودراسة السيرة، وكان لها شأن كبير، كما ذكر العالم جابر بن حيان”.
أسماء بنت أسد بن الفرات
من أشهر المحدثات الفقيهات وهي ابنة قاضٍ مشهور في القيروان، علمها والدها أصول الدين وعلومه، كانت دائمًا ما تحضر الجلسات والمناظرات العلمية حتى اشتهرت بالحديث والحكمة وأصبحت من الرائدات في المجال الديني.
“كانت مثالًا حيًا لما كانت عليه المرأة من كمال العقل وجلال الشخصية في العصور الأولى للإسلام”.
وقال الكاتب محمد خير يوسف مؤلف كتاب “فقيهات عالمات”: “كانت أسماء القيروانية من النساء اللاتي زينهن الله بالعلم، وجملهن بالفقه في دينه العظيم، فكانت من الأقمار التي زينت صفحة الزمان، ومن النجوم في كبد السماء، ومن المنارات المشعة التي يُهتدى بهن، ومن الحصون المنيعة للعلم التي يُلجأ إليها، وكانت رحمها الله ممن ملأ الله قلبها نورًا وعقلها حكمةً وعلمًا، وذاع صيتها في أقطار العالم الإسلامي كلها”.
كما أضافت أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر إلهام محمد شاهين: “مخطئ من يظن أن المرأة في العصور الأولى للإسلام كانت مهمشة، وغير مؤهلة للمشاركة في مجال العلم والمعرفة، ولم يكن لها نصيب بالتفقه في العلوم الدينية بمختلف جوانبها، ففي تاريخ القيروان – تونس حاليًا ـ الإسلامي صفحات ناصعة البياض مشرقة الأحرف والكلمات لصورة المرأة في المجتمع الإسلامي، ولنا في سيرة العالمة والفقيهة أسماء القيروانية خير دليل على ذلك، حيث كانت مثالًا حيًا لما كانت عليه المرأة من كمال العقل وجلال الشخصية في العصور الأولى للإسلام”.
زينب محمد الغزالي
امرأة مصرية ذات قوة شخصية وعقلية، كان والدها واحدًا من علماء الأزهر الشريف فاستفادت من أحاديثه وحكمته وكان هو الدافع الرئيسي في دراستها لعلوم الدين والفقه، إذ كان يغرس فيها حب العلوم الدينية حتى أصبحت داعية إسلامية وذات صيت واسع في العالم العربي الإسلامي.
مؤلفاتها كانت عبارة عن تفاسير لسور قرآنية ومذكرات من رحلتها في نشر الدعوة الإسلامية.
كانت رسالة الغزالي واضحة، فكانت تطمح لنشر الدعوة الإسلامية وتتوجه إلى الدول العربية والإسلامية في رحلات دعوية وتلقي محاضرات دينية تعليمية وكما كان لها نشاطات اجتماعية في قضية تعليم النساء.
بجانب هذه الإسهامات كتبت عددًا من الكتب مثل “نحو بعث جديد” و”نظرات في كتاب الله” و”أيام من حياتي”، واحتوت مؤلفاتها على تفاسير لسور قرآنية ومذكرات من رحلتها في نشر الدعوة الإسلامية.
فاطمة البغدادية
لقبها علماء الدين بـ”سيدة نساء زمانها” فقد كانت شيخة وفقيهة وواعظة ومفتية، درست في دمشق وكانت كثيرة الأسئلة وسريعة الفهم، تتلمذت على يد شيوخ الإسلام ابن تيمية وشمس الدين المقدسي، رحل إليها التلامذة من كل مكان للتعلم على يدها، فتدرسهم وتحفظهم القرآن الكريم.
الفقيهات العالمات كثيرات جداً، لكن السير والتراجم لا تذكرهن إلا نادراً.
في كتاب “فقيهات عالمات” يذكر الكاتب محمد خير يوسف أن البغدادية لم تكن مثل باقي الفقيهات العالمات بل كانت مميزة عنهن بمعرفتها المتقنة لعلوم الفقه، فقد كانت تغوص في تفاصيل المسائل حتى تتوصل لجواب مقنع.
كما قال عنها الإمام ابن رجب الحنبلي: “كانت مجتهدة، صوامة، قوامة، قوالة بالحق، خشنة العيش، قانعة باليسير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، انتفع بِهَا خلق كثير، وعلا صيتها، وارتفع محلها”.
في النهاية، يقول الكاتب خير يوسف أن الفقيهات العالمات كثيرات جداً، لكن السير والتراجم لا تذكرهن إلا نادراً، وغالباً يكون الحديث عنهن مختصراً للغاية، بلا أي تفاصيل أو أحداث تؤكد على دورهن المشرف في هذا المجال.