ما إن كادت العلاقات الجزائرية السعودية تشهد بعض الانفراج بعد الأزمات التي كانت تعيش على وقعها نتيجة اختلاف الرؤى والمواقف بشأن قضايا مركزية مشتركة بين البلدين، على رأسها القضية السورية واليمنية، حتى توترت ثانية بعد اختيار الجزائر مبدأ الحياد في الأزمة الخليجية الراهنة ورفضها قطع العلاقات مع قطر، الأمر الذي أغضب المملكة العربية السعودية وأتباعها.
الحياد التام
خلال الأزمة الخليجية الراهنة والتسابق لقطع العلاقات مع دولة قطر لكسب ودّ السعودية والحصول على بعض دولاراتها، سارت الجزائر على موقفها التقليدي وهو الحياد التام والابتعاد عن المواقف التي لا تكون طرفًا فاعلًا في اعتمادها وإقرارها، خاصة أن القرار الخليجي الأخير ضد الدوحة هو في الأصل إملاء أمريكي لدول الخليج، وجاء بعد أيام من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، حسب العديد من التقارير.
ترى الجزائر من خلال هذا البيان حتى وإن لم تقل ذلك صراحة، أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها وبعض أتباعها لم يحترموا سيادة قطر، ولم يلتزموا بسياسة حسن الجوار
في هذه الأزمة دعت الخارجية الجزائرية في بيان لها إلى “ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف”، لافتة إلى أن مجمل الدول دعت البلدان المعنية بانتهاج الحوار كسبيل وحيد لتسوية خلافاتهم التي يمكنها بطبيعة الحال أن تؤثر على العلاقات بين الدول.
وأضاف البيان أن الجزائر تبقى واثقة بأن الصعوبات الحالية ظرفية وأن الحكمة والتحفظ سيسودان في النهاية خاصة أن التحديات الحقيقية التي تعترض سير الدول والشعوب العربية نحو تضامن فعال ووحدة حقيقية كثيرة على غرار الإرهاب، وأكد هذا البيان حرص الدبلوماسية الجزائرية، التي انخرطت خلال السنوات الأخيرة في مساعي وساطات ورعاية مفاوضات وتحكيم بين العديد من الدول المتنازعة عربيًا وإقليميًا ودوليًا، على الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
تعتمد السياسة الخارجية الجزائرية على مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية
وترى الجزائر من خلال هذا البيان حتى وإن لم تقل ذلك صراحة، أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها وبعض أتباعها من دول وجزر لا تأثير لها على الخارطة السياسية في المنطقة، لم يحترموا بقرارهم الأخير القاضي بقطع العلاقات مع الدوحة وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها بإغلاق كل المنافذ التي تربطها بالعالم الخارجي، سيادة قطر، ولم يلتزموا من خلال قرارهم هذا أيضًا بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، ورفضهم لانتهاج أسلوب الحوار والمفاوضات كسبيل عملي لتجاوز كل العقبات.
الاستثمارات تقرب العلاقات الجزائرية القطرية
موقف الجزائر الأخير من الأزمة الخليجية، إضافة إلى كونه نابعًا من سياسة الحياد التي انتهجتها الدبلوماسية الجزائرية في معالجة الأزمات، ومحاولتها الحفاظ على مستوى من الاعتدال بين الدول العربية، فإنه تتويج أيضًا للعلاقات المميزة بينها وبين الدوحة التي زادت في السنوات الأخيرة بعد ارتفاع حجم الاستثمارات القطرية في الجزائر.
وضعت الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار (حكومية) دولة قطر في المرتبة الأولى للمستثمرين الأجانب في الجزائر سنة 2014 بنسبة قدرها 74.31% من الاستثمارات الأجنبية
وشهدت خريطة الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر تغيرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، فبعد السيطرة الأوروبية على هذا المجال لعقود من الزمن، أتت الاستثمارات القطرية لتتربع على قمة الاستثمارات المباشرة هناك، حيث شملت الاستثمارات عدة قطاعات مهمة وحساسة أهمها قطاع الحديد والصلب، وبلغ حجمها في الجزائر نحو 5 مليارات دولار في السنوات الأخيرة.
ووضعت الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار (حكومية) دولة قطر في المرتبة الأولى للمستثمرين الأجانب في الجزائر سنة 2014 بنسبة قدرها 74.31% من الاستثمارات الأجنبية، وبقيمة مالية تقدر بـ1.69 مليار يورو، لتحل محل فرنسا التي كانت قد احتلت الصدارة في السنة التي قبلها، حيث حملت الزيارة التي قام بها الأمير السابق لدولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني إلى الجزائر مطلع سنة 2013 توقيع 7 اتفاقيات استثمارية بين البلدين وصلت قيمتها إلى 5 مليارات دولار في عدة مجالات.
مصنع الحديد والصلب ببلارة في محافظة جيجل
ويعتبر مصنع الحديد والصلب ببلارة في محافظة جيجل الذي تقدر تكلفة إنجازه بملياري دولار أهم المشاريع الاستثمارية المشتركة، بالإضافة إلى الشراكة مع سوناطراك في مشروع إنتاج مواد بتروكيماوية واستغلال الذهب مع شركة إينور، والفوسفات مع فيرفوس، وإقامة مركب للأسمدة الفوسفاتية بواد كبريت في ولاية سوق أهراس مع أسميدال ومدينة لوجستيكية ببومرداس.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت بوجود أزمة اقتصادية ومالية خانقة، بسبب انحدار أسعار النفط وتراجع عوائدها المالية التي تعتمد بشكل تام على صادرات النفط والغاز، عكستها إجراءات التقشف وإلغاء عدد من المشاريع وزيادة أسعار بعض المواد الاستهلاكية، وتعتبر الاستثمارات القطرية في الجزائر تنفيسًا لحالة الاختناق المالي الذي يهدد بانفجار الجبهة الاجتماعية الجزائرية.
خلافات سعودية جزائرية
مقابل هذه العلاقات الجيدة التي تربط الجزائر بدولة قطر، تشهد العلاقات الجزائرية السعودية فتورًا وبرودة وصلت درجة التوتر والتناقض في فترات عديدة، نتيجة اختلاف الرؤى والمواقف حول ملفات سياسية إقليمية عدّة كالملف السوري والملف اليمني ومسألة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، إضافة إلى ملف تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية.
رفض الجزائر الانخراط في التحالف العسكري العربي الذي قادته السعودية فيما سمي بـ”عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن، ساهم في تعميق الخلاف بين الجزائر والرياض
وتعود جذور الخلافات بين البلدين لسنوات خلت، بدأت باتهام الجزائر لشيوخ سعوديين بالوقوف وراء الفتاوى الجهادية التي برزت في بلادها خلال الأزمة الأمنية التي عصفت بها زمن العشرية السوداء، وعدم معارضة الجزائر بشكل علني للغزو العراقي للكويت، واستمرت مع التقارب الجزائري الإيراني الذي ظهر من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، والتقارب الجزائري الروسي وهو ما ترفضه السعودية.
كما أن رفض الجزائر الانخراط في التحالف العسكري العربي الذي قادته السعودية فيما سمي بـ”عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن، وغيابها عن المشاركة في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب المُشكل من 35 دولة، المعلن من طرف السعودية، ووقوفها ضد موقف السعودية الداعي إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، ساهم في تعميق الخلاف بين الجزائر والرياض.
إنتاج النفط أحد أوجه الخلاف الجزائري السعودي
إلى جانب الاختلاف في وجهات النظر بخصوص بعض القضايا الإقليمية التي تجمع البلدين، تتهم الجزائر المملكة العربية السعودية بعدم مجاراتها في سعيها الحثيث من أجل إعادة النظر في كميات النفط التي تنتجها السعودية بعدما عرف سعر النفط تهاويًا كبيرًا، وصل بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر آنذاك عمار سعداني، إلى توجيه انتقادات لاذعة ضدها، محملًا إياها مسؤولية هبوط أسعاره ورفضها مبادرة تقليص الإنتاج، وهو ما نفته السعودية على لسان وزير النفط علي النعيمي، الذي قال إن سياسة بلاده النفطية لا تستهدف أي بلد.
تتهم الجزائر السعودية بزيادة إنتاج النفط حتى تتراجع الأسعار
وتعتمد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنتها، كما أن المحروقات تمثل نسبة 96% من صادراتها، وانخفضت عائداتها من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، و60 مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة.