قرار التقديم للدراسات العليا في الولايات المتحدة أمر بحاجة لدراسة وتخطيط، إذ تتطلب النقلة إلى هذا البلد استثمارًا ماديًا من جهة، واستعدادًا للتأقلم في بيئة تختلف تمامًا عن البلاد العربية من جهة أخرى، قبل الوصول لمرحلة التفكير في التقديم لفيزا الطالب، هناك خطوات عليك البحث عنها للقبول في الدراسة بالجامعات الأمريكية، للدراسات العليا، أي لدراسة الماجستير والدكتوراة.
هنا أقدم نقاطًا عن التقديم للجامعات الأمريكية بناءً على تجربتي، وأشدد أن هذه تجربة شخصية وفردية، إلا أنني أشاركها ليتم معرفة بعض النقاط بخصوص نظام القبول في الجامعات الأمريكية للدكتوراة.
تقديم الطلبات والبحث عن برنامج يناسب طموحك المهني والأكاديمي، أمر بحاجة لدراسة وبحث وهذا بحد ذاته يحتاج وقتًا، لذلك التخطيط للدراسة في الولايات المتحدة عليه أن يكون غير عبثي، إنما اجتهاد ذاتي منك وليس عبر وكلاء، وهناك فرص كثيرة للحصول على منح، والأهم من الشغف قدرتك على التكيف مع البيئة الجديدة في الولايات المتحدة سواء كان ذلك اجتماعيًا أو أكاديميًا.
لكل من طلبات الدراسة لدرجة الماجستير والدكتوراة متطلباتها، تتشابه وتختلف، وقد كتبت سابقًا نقاطًا ملخصة عن امتحانات القبول للدراسة في الجامعات الأمريكية، وهي بشكل عام مشتركة بين التقديم للماجستير والدكتوراة، وتختلف من جامعة إلى أخرى ومن برنامج ولآخر، هنا سأركز على التقديم لدرجة الدكتوراة، كونها تحتاج وقتًا أطول من التخطيط والمراسلات:
أولاً: توفر جامعات أمريكية عديدة إمكانية القبول بشكل مباشر للدراسة للدكتوراة دون الحصول على درجة الماجستير، أي أن هناك برامج مخصصة للبحث الأكاديمي، وفيها مسار من درجة الماجستير للدكتوراة، والقبول بها ليس مشروطًا بأن يكون للمتقدم درجة ماجستير، إنما درجة بكالوريوس فقط، مثل هذه البرامج وعند تقديم الطلب إليها يجب التركيز على تجربتك الأكاديمية في مجالك من أبحاث ومنشورات في مؤتمرات أكاديمية أو مجلات أكاديمية، وانخراطك في تجارب بحث خلال دراستك للقب البكالوريوس.
ثانيًا: القبول للدكتوراة في الولايات المتحدة بشكل أساسي يعتمد على التمويل، فلا يكفي أن يكون لديك مرشدًا خلال دراستك، وأن يكون لديك الشغف، ولا يكفي كذلك أن يتم قبولك.
عليك إثبات أن لديك تمويلاً لدراستك من الجامعة، أو من خلال منح إما من بلدك أو من الجامعة نفسها أو مصادر تمويل أخرى، والبديل عن التمويلات المباشرة العمل بالتدريس على حساب البحث في الجامعات، الأمر ليس سلبيًا بالضرورة، إلا أن التدريس لتمويل الدراسة يأتي على حساب البحث الأكاديمي وإنهاء رسالتك.
لذلك من المهم التأكد أن الجامعات والبرامج التي تنوي التقديم إليها، بالإضافة للمرشد الذي ترغب في التعاون معه، لديهم تمويل لدعم مسيرتك الدراسية للدكتوراة، هذا الأمر أساسي لتنظيم دراستك اقتصاديًا.
ثالثًا: عند اختيار الجامعات، من المهم جدًا أن يتناسب طموحك مع علاماتك أيضًا، أي بكلمات أخرى كن استراتيجيًا في اختياراتك، راجع متطلبات الجامعات من حيث امتحانات التوفل والـGRE وكذلك الـGMATT.
بعض الجامعات من الممكن جدًا أن تتساهل معك في حال أثبت من خلال منشوراتك الأكاديمية تميزك الأكاديمي وتفوقك، عندها لا تكون هذه الامتحانات عائقًا.
اختيارك للجامعات يجب أن يكون متناسبًا مع اهتمامات بحثك، فمثلاً، إذا كنت ترغب في دراسة الدكتوراة في التربية وهو موضوع واسع جدًا، عليك تحديد أهداف بحثك بشكل أدق أكثر، لنقل مثلاً موضوعًا محددًا مثل “التربية للطلاب الموهوبين والمتفوقين”، وبالتالي البحث عن برامج وباحثين، تغطي هذا الموضوع والتقديم لها، بدلاً من التقديم لكل برنامج يحمل “دكتوراة في التربية” بشكل عشوائي بناءً على اسم الجامعة وعراقتها.
رابعًا: بعد تجربة في البحث عن البرامج المناسبة لاهتمامات بحثي، والتواصل ومراسلة الباحثين، وجدت أنه من المهم، عند تقديم الطلب للجامعات، مراعاة الاختلاف بين الجامعات، فطلبك عليه أن يكون مصاغًا بلغة أهدافها قريبة من مشاريع البحث وأهداف البحث المتوفرة في البرنامج الذي ترغب الانضمام له.
هذا الأمر يحتم عليك إجراء مسح للباحثين الذين تتناسب أبحاثهم مع أهداف أبحاثك، فلذلك عليك مراجعة سيرتهم الذاتية، كتاباتهم الأكاديمية، اقتباساتهم، طلابهم، خريجيهم.
خامسًا: التواصل مع الباحثين الذين ترغب في التعاون معهم هو أمر بغاية الأهمية، عليك أن تكون لبقًا عند المراسلة ومحددًا، تذكر أن عشرات الآلاف من الطلاب يتراسلون مع هؤلاء الباحثين لنفس سبب طلبك، ألا وهو البحث عن مرشد يرافقهم خلال مسيرتهم الدراسية.
عند مراسلتك للباحثين ابحث عن الأمور التي تجدها مميزة فيهم وبأعمالهم، اعرض وباختصار اهتمامات بحثك وخلفيتك الأكاديمية، المهنية والعلمية.
هذه المراسلات لا تؤكد قبولك من عدمه، إلا أنها من الممكن أن تكشف لك إذا ما كان الباحث فعليًا يبحث أمورًا تهتم بها، أم أنه غير مهتم وليس لديه تمويلاً مستقبليًا لطلاب جدد.
لا تخجل من توجيه أسئلة للباحثين فيما يتعلق ببحثهم، وامتنع عن سؤالهم أسئلة إدارية تجد إجابتها لدى أقسام التسجيل في الجامعات، اطلب أيضًا معلومات عن طلابهم، وحاول التواصل معهم، عادة ستجد أشخاصًا رائعين ومستعدين للتواصل معك والحديث معك عن تجربتهم.
سادسًا: هناك مواقع عديدة توفر الدعم الكامل من إجابات على أسئلة تتعلق بالقبول وسيرورة القبول، وتحوي نماذجًا لطرق كتابة سيرة مهنية أكاديمية، ونماذجًا لكتابة أهداف البحث والسيرة الذاتية (Statement of Purpose and Personal Statementt)، وأسئلة عن عملية التسجيل وكيفية مراسلة الباحثين في الجامعات، مثل موقع مشاركة المعرفة موقع Quora وكذلك منتدى TheGradCafe الذي يمكنك من الاطلاع على بروفايلات المتقدمين للدكتوراة والماسترز ويشارك فيه المستخدمون قبولهم أو عدمه، وأخيرُا تعرف على الصفحة الساخرة لكوميكس الدكتوراة على الفيسبوك PhD Comics، لتعرف الحقيقة المرة ولربما تغير رأيك وتتراجع عن التقدم للدكتوراة.
سابعًا: عند التقدم للدكتوراة، أهم النقاط التي عليك إثباتها، هي مهارات البحث لديك والكتابة الأكاديمية والتحليل، لذلك اختيارك لرسائل التوصية أمر في غاية الأهمية.
من المهم أن تكون هذه الرسائل من محاضرين وباحثين على دراية بمهاراتك الأكاديمية ومهارات البحث لديك، لا تتفاجأ أيضًا إذا طلب منك أن تكتب الرسالة بنفسك، وترسلها إليهم، ولا تخجل من تكرار طلبك بأن يرسلوا رسائل التوصية، هذا واجبهم تجاهك.
ثامنًا: من المهم أن يكون اختيارك لمرشدك خلال دراسة الدكتورة مبنيًا أيضًا بشكل استراتيجي، بحيث إنك في نهاية الأمر لا ترغب بالعمل مع شخص يجعل من تجربة دراستك تجربة صعبة ومملة.
ابحث أيضًا عن الجوانب الاجتماعية عند اختيارك للمرشد، مثل تواصله واستعداده للتعوان معك وإرشادك بعطاء، وكن مستعدًا أن تكون مرنًا في اختياراتك وأهداف بحثك، فمن المهم أن تكون محاطًا بجو دراسي داعم.
هذه الأمور من الممكن أن تجد إجابات عنها من خلال التواصل مع الطلاب في الجامعات والأقسام التي تجد نفسك مهتمًا بالعمل بها.
هذه بعض النقاط التي وجدت من المهم مشاركتها مع من يخطط للتسجيل للدراسة في الولايات المتحدة، إنها بالطبع ليست دعوة للهجرة، إلا أنها توضيح أن الطريق للدكتوراة في الولايات المتحدة يتطلب مجهودًا للبحث عن البرامج المناسبة، والباحثين الملائمين لك كمرشدين، كن على استعداد تام أن تكون القهوة صديقك الدائم وفي سلم أولوياتك.