ترجمة وتحرير نون بوست
هل سيعاد سيناريو سراييفو سنة 1914 مع الدوحة سنة 2017؟ هل نحن بصدد أن نكون شاهدين على لحظة تاريخية مشابهة لعملية اغتيال الوريث المفترض للإمبراطورية النمساوية المجرية، والتي انجر عنها نشوب الحرب التي تعرف باسم “الحرب العظمى”. هذه المرة، على الرغم من أن الصراع المحتمل سيكون بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، إلا أنه سيتعين على واشنطن أن تعمل بسرعة على وقف تحول هذا الصراع إلى حرب، بدلا من الانتظار إلى ساعة بدء المذبحة.
في الواقع، يتمثّل الهدف الرمزي للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في قطر، التي تخلّفت منذ فترة طويلة عن ركب التوافق في الخليج العربي المناهض لإيران. وعموما، قطعت قائمة من الدول العربية علاقتها مع الرياض اليوم الاثنين مع إمارة غنية بالنفط، كما أعلنت السعودية عن حظرها للسفر وإغلاق الحدود البرية وعدم السماح للسفن المتجهة نحو قطر بالعبور على مياهها. وبالتالي، لا يسعنا إلا أن نطلق على كلّ ما يحدث حاليا اسم “ذريعة حرب”. من الناحية النظرية، كانت حرب الأيام الستة، التي وقعت قبل 50 سنة، ناجمة عن إغلاق مصر لمضيق تيران، مما أدى إلى قطع وصول إسرائيل إلى البحر الأحمر.
وردا على ذلك، أعلنت إيران أنها ستسمح لقطر باستخدام ثلاثة من موانئها لجمع الواردات الغذائية التي تعتمد عليها البلاد، وهي بادرة من المرجح أن تعتبرها كل من الرياض وأبوظبي تأكيدا على علاقات الدوحة الغادرة بطهران.
في الواقع، توجد روايتان حول كيفية تأزم الأوضاع وبلوغنا هذه النقطة؛ حيث تعتقد حكومة قطر، أنه تم قرصنة وكالة الأنباء الرسمية التابعة لها في 24 أيار/مايو ونقل أخبارا مزيفة عن الأمير تميم بن حمد آل ثاني والإدعاء بأنه صرح “ليس هناك سبب وراء عداء العرب لإيران”. وبالتالي، تأكيد هذه التقارير المزعومة مجددا والتي تؤكد دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين وفصيلها الفلسطيني، حماس فضلا عن إدعائها بأن علاقات الدوحة مع إسرائيل كانت على ما يرام.
في المقابل، تبنت وسائل الإعلام التابعة للحكومة في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة “سردا” بديلا، حيث تعاملت مع القصة الإخبارية على أنها صحيحة وسارعت بالرد عليها. ولذلك، تم نشر تعليق الأمير مرارا وتكرارا. ولإثارة غضب الدوحة، عمدت السعودية إلى حجب بعض المعطيات فيما يتعلّق بهذه الأزمة عن السعوديين.
أما الراية الثانية فتتمثل في احتمال أن تكون عملية القرصنة الأولى مدبرة من قبل طهران، التي أزعجها الموقف المناهض لإيران في القمة التي عقدت يومي 20 و21 أيار/مايو في الرياض، عندما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وبممثلين عن عشرات الدول المسلمة.
في الثالث من حزيران/يونيو، تمت قرصنة حساب وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة لعدة ساعات وحملت الحكومة مسؤولية ذلك لناشطين في المعارضة الشيعية، بدلا من توجيه أصابع الاتهام إلى إيران. وكان الدافع الإيراني من كل ذلك هو إظهار الانقسام الخليجي، فضلا عن تسليط الضوء على تأييد ترامب لموقف مجلس التعاون الخليجي ضد طهران.
من جانبها، ترى قطر نفسها ضحية مؤامرة أحيكت من قبل الرياض وأبوظبي، التي كانت على عداء قديم مع الدوحة على الرغم من عضويتهما المشتركة في مجلس التعاون الخليجي. في المقابل، ترى الرياض أن قطر هي المسؤولة عن منح الإسلام الوهابي دورا محوريا ما أدى إلى خلق مشكلة إقليمية. أما الدوحة، التي تتيح للنساء القيادة وللأجانب شرب الكحول، قد ألقت بدورها اللوم على السعوديين لجعل الوهابية ذات سمعة سيئة. في الوقت ذاته، ازدرت أبوظبي دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الإمارات العربية المتحدة.
على الرغم من الفجوة الدبلوماسية بين البلدين التي امتدت لحوالي ثمانية أشهر سنة 2014، إلا أن جذور الأزمة الراهنة تعود إلى سنة 1995، عندما عزل والد الأمير تميم، حمد أبيه من الحكم بسبب ضعف مواقفه وغيابه المتكرر عن السلطة. واعتبرت المملكة العربية السعودية انقلاب أسرة تميم خطرا يحدق بالعائلات الخليجية المالكة وتآمرا ضد حمد.
في هذا الصدد، قال دبلوماسي مقيم في الدوحة في ذلك الوقت إن الجارتين عينتا مئات الرجال القبليين لقتل حمد واثنين من إخوته بالإضافة إلى كل من وزير الخارجية والطاقة وإعادة الأمير السابق إلى الحكم. علاوة على ذلك، وضعت الإمارات طائرات هليكوبتر هجومية وطائرات مقاتلة في حالة تأهب لدعم المحاولة التي لم تحدث نظرا لأن أحد رجال القبائل خان المؤامرة قبل ساعات من وقوعها.
مع مثل هذه الأحداث، أي ردة فعل غير مسؤولة من قبل الأمير تميم قد يكون لها ما يبررها. وعموما، ذكرت صحف الإمارات العربية المتحدة أمس الأحد أن أحد أعضاء المعارضة في عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر، الشيخ سعود بن ناصر، كان يعتزم زيارة الدوحة “للعمل كوسيط”.
ومع عدد سكان يبلغ حوالي 200 ألف مواطن فقط، سيكون من الصعب شرح أهمية قطر في المنطقة. في الحقيقة، لطالما ذهل الأجانب المقيمون هناك من التطور الذي تشهده البلاد، إذ يهيمن على الليل ناطحات السحاب الخالية من السكان في الأغلب على الرغم من أنها لطالما تبقى مضاءة. علاوة على ذلك، تتمتع قطر بأعلى دخل للفرد في العالم.
وبعد إيران، تفتخر الإمارة بكونها تمتلك أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وهي مصدر ضخم للأسواق الممتدة من بريطانيا إلى اليابان. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف “قاعدة العديد الجوية” العملاقة التي استخدمتها الطائرات الأمريكية في العمليات التي قامت بها خلال الحرب في أفغانستان والعراق، كما أنها مركز قيادة الحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة.
بالنسبة للأمير تميم البالغ من العمر 37 سنة، الذي يحكم في ظل والده، الذي تخلى عن الحكم لصالحه سنة 2013، فإن الأولوية تولى للإبقاء على التحالف مع الولايات المتحدة ولكن من دون الإقدام على فعل أي شيء يزعج إيران، خاصة وأن ثروة بلاده الغازية هي في معظمها في حقل ضخم تشترك فيه مع الجمهورية الإسلامية. وإلى حد الآن، انتفع الجانب القطري من هذه الثروة بشكل كبير مقارنة بالجانب الإيراني.
في الحقيقة، يمكن أن تلعب واشنطن دورا هاما في نزع فتيل هذا الوضع القابل للتأزم. وقد يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن قطر لم تستطع الموازنة بين الولايات المتحدة وإيران، بيد أن الصراع بين الرياض والدوحة، أو الصراع الذي سيدفع قطر إلى لتحالف مع طهران، لن يفيد أحدا.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون في وضع جيد. والجدير بالذكر أن شركة إكسون موبيل، الذي كان يشغل فيها تيلرسون منصب الرئيس التنفيذي قبل انضمامه إلى الحكومة الأمريكية، تعد أكبر لاعب أجنبي في قطاع الطاقة في دولة قطر، ولذلك من المفترض أنه على معرفة بصناع القرار الرئيسيين هناك.
يبدو أن الرياض وأبوظبي يسعيان للظهور أمام الولايات المتحدة كمواقع بديلة عن “قاعدة العديد”، بيد أن أوراق اعتمادهم ليست جيدة كما يظنون. في سنة 2003، دفعت السعودية القوات الأمريكية إلى الخروج من قاعدة الأمير سلطان الجوية، حيث حاولت الرياض التعامل مع التطرف الإسلامي الخاص بها في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. أما أبوظبي، فهي تستضيف بالفعل طائرات استطلاع أمريكية، ولكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإنشاء مركز قيادة مجهز بالكامل ليحل محل المنشأة “في العديد”.
وفي حال اندلاع حرب، فإنها ستكون بمثابة اختبار لإدارة ترامب الفتية. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يمض سوى عدة أسابيع منذ أن تجاوز ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، في الصورة التي تم التقاطها في الرياض، الأمير تميم، حتى يتمكن من الوقوف على الجانب الأيمن للرئيس الأمريكي. وفي الوقت الراهن، تحاول السعودية والإمارات العربية المتحدة تجاوز قطر وفرض سيطرتهما على الساحة الدولية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المفارقات أنه على الرغم من تحدث مستشاري ترامب في العديد من المناسبات عن جميع أزمات الشرق الأوسط المحتملة، إلا أنهم لم يذكروا مطلقا هذه الأزمة.
المصدر: فورين بوليسي