منذ توليه سدّة الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2019، شدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أهمية الاستقرار السياسي في بلاده، وتحدثت حاشيته على أن “الاستقرار أضحى علامة مسجّلة في كل المستويات والمجالات” تحت قيادة تبون.
الاستقرار الذي يتحدث عنه نظام تبون يقتضي مثلًا استقرارًا حكوميًّا، لكن هذا لم يحصل في الجزائر، فخلال عامَين فقط عرفت الحكومة الجزائرية 7 تعديلات، منها الجزئي ومنها الجذري، وقبلها بعام فقط عرفت البلاد 4 حكومات.
في ظلّ هذه التغيرات المتتالية في صلب الحكومة الجزائرية، لنا أن نتساءل عن السبب، هل هو رغبة في الإصلاح أم تواصل في التخبُّط وغياب رؤية واضحة للرئيس تبون، رغم اقتراب ولايته الرئاسية الأولى على الانتهاء؟
تعديلات حكومية متتالية
آخر التعديلات الحكومية عرفتها الجزائر أمس، إذ أقال الرئيس تبون وزير الزراعة والتنمية الريفية محمد عبد الحفيظ هني، وعيّن محله يوسف شرفة الذي كان يشغل منصب وزير النقل، ليصبح رابع وزير زراعة منذ اعتلاء تبون سدة الحكم قبل 4 سنوات.
كما عيّن الرئيس الجزائري، بعد التشاور مع رئيس حكومته، محمد لحبيب زهانة وزيرًا للنقل، وشغل هذا الأخير منصب الأمين العام لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، وتقلد المنصب ذاته في وزارة السكن والعمران والمدينة ووزارة النقل أيضًا.
وتعود إقالة وزير الزراعة والتنمية الريفية من منصبه إلى الانتقادات الأخيرة التي تعرّض لها بسبب مشكلات توريد اللحوم، وإدارة ملف إحصاء الثروة الحيوانية في البلاد، وتوزيع المساعدات والدعم على المزارعين.
يمكن أن نفهم من هذه التغيرات الحكومية المتواترة وجود اضطراب داخل أروقة قصر المرادية.
يأتي هذا التعديل الوزاري الجزئي بعد نحو 20 يومًا من إقالة تبون لرئيس الحكومة السابق أيمن بن عبد الرحمن، وتعيين رئيس الديوان الرئاسي نذير العرباوي رئيسًا للحكومة، ومن المرتقب أن تشهد الحكومة الجزائرية في قادم الأسابيع تعديلات جديدة.
ويعدّ هذا التعديل المعلن أمس، السابع من نوعه على تشكيلة الحكومة الحالية، منذ تشكيلها عقب الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/ أيار 2021، وشملت التعديلات أغلب الوزارات بما فيها الخارجية والداخلية والمالية والصحة والتجارة والأشغال العمومية والريّ والمنشآت القاعدية والسياحة والصناعة والرياضة والرقمنة والعمل والضمان الاجتماعي والبيئة، ودوائر وزارية أخرى.
ومنذ تقلّده الحكم نهاية عام 2019، عيّن تبون 3 رؤساء حكومة، تم تعيين الأول وهو عبد العزيز جراد في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2019 وبقي في منصبه إلى غاية 30 يونيو/ حزيران 2021، وجاء محلّه أيمن بن عبد الرحمان الذي شكّل الحكومة الـ 49 للجمهورية الجزائرية، وخلفه في هذا المنصب نذير العرباوي يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
رغبة في الإصلاح؟
يُفهم من هذه التغيرات المتواصلة داخل قصر الدكتور سعدان، وجود رغبة كبيرة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون في التغيير والإصلاح، ذلك أنه غير راضٍ عن العمل الحكومي ككلّ، خاصة بعض الوزارات ذات صلة بالخدمات اليومية.
وفي أكثر من مرة، تكشف الرئاسة الجزائرية عن “غضب” تبون من عمل عدد من الوزراء، وعدم رضاه على وتيرة معالجة الحكومة للعديد من الملفات “التي تسبّب الاختلال والارتباك في يوميات المواطنين الجزائريين”، وتم وصف بعض الوزراء والمسؤولين الحكوميين بـ”المتقاعسين”.
في الأثناء، كشفت بعض التقارير القادمة من قصر المرادية وجود سوء فهم واضح بين الرئيس والحكومة، بسبب ترجمة الوزراء لقرارات وخطابات الرئيس على نحو غير صحيح، وفق ما ورد عن “وكالة الأنباء الجزائرية”.
#هام
الرئيس الجزائري عبد المجيد #تبون ينهي مهام وزير الفلاحة والتنمية الريفية محمد عبد الحفيظ هني pic.twitter.com/9y6p0IjPKF— AL24news – قناة الجزائر الدولية (@AL24newschannel) November 28, 2023
في مارس/ آذار الماضي، حذّر تبون الوزراء من مغبّة “إطلاق وعود للمواطنين غير مؤسسة وضمن آجال غير معقولة وآليات غير مفهومة”، مشددًا على “الاحترام الصارم للمواطنين والشعور العام، كون رضا الشعب هو المقياس الأوحد لحسن الأداء لبناء جزائر مهابة وقوية”.=
استياء تبون لم يكن مرتبطًا بالوضع الداخلي فقط، إنما على مستوى الدبلوماسية أيضًا، وهو ما يفسّر تغيير وزير الخارجية رمطان العمامرة، إذ ترى الرئاسة أن هذا الأخير فشل في تنشيط الدبلوماسية الجزائرية التي فقدت لسنوات تأثيرها.
اضطراب وغياب الرؤية الواضحة
في مقابل ذلك، يمكن أن تكشف هذه التغييرات الحكومية المتواترة عن اضطراب داخل أروقة قصر المرادية، فالاستقرار الذي يتحدث عنه تبون وحاشيته لم يتحقق بعد، لغياب الرؤية الواضحة في العديد من المجالات سواء الداخلية أو الخارجية.
بعد نحو 4 سنوات من تقلُّد سدة الحكم، يبدو أن تبون لم يفهم بعد ماذا يريد بالتحديد، وكيف يصل إلى هدفه، إذ اتسمت فترة حكمه باتخاذ القرارات المتسرّعة، على المستوى الداخلي والخارجي، ما نتج عنه فشل كبير لمؤسسات الدولة.
يبدو أن تبون يعتمد سياسة تدوير الأسماء، علّه يصل إلى التركيبة الحكومية التي يبتغيها، ويعود ذلك إلى غياب الرؤية وضعف البرنامج الرئاسي أو غيابه، ففي كل مرة تبرز أهداف جديدة رغم أن القديمة لم تتحقق بعد.
محدودية الإنجاز رغم مرور 4 سنوات على الحكم ورغم الرخاء المالي، حتّمت على تبون القيام بسلسلة من التغييرات المتواترة على الحكومة.
فضلًا عن غياب الرؤية الواضحة، يُفهم من هذه التغييرات الحكومية وجود صراع أجنحة داخل أروقة الحكم، ومعروف عن الجزائر أن جنرالات الجيش هم من يمسكون بزمام الأمور في البلاد، لكن هؤلاء الجنرالات منقسمون وليسوا فريقًا واحدًا.
وفي كلّ مرة يتم إبعاد بعض الوجوه السياسية من الصفّ الأول، وتصعيد وجوه جديدة تعمل ضمن جهات ضغط معروفة في الجزائر، هدفها تحقيق مصالح اللوبيات التي جاءت بها إلى مؤسسات الدولة السيادية.
من الواضح أن تبون يسعى إلى “تنظيف” البيت الداخلي استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة، والمبرمَجة عام 2024، إذ يُرتقب أن يُعلن تبون عن ترشحه لولاية رئاسية ثانية، رغم فشله في تحقيق أغلب وعوده خلال هذه العهدة.
التخلُّص من المسؤولية
يمكن اعتبار التغييرات الحكومية المتتالية دليلًا على فشل نظام تبون في تطبيق برنامج الحكم على أرض الواقع، وهي أيضًا طريقة للتخلُّص من المسؤولية وتحميل الوزراء وزر هذا الفشل الذي يتحمل تبون مسؤولية الجزء الأكبر منه واقعيًّا.
فنظام الحكم في الجزائر هو رئاسي، والرئيس هو الرجل الأول في السلطة التنفيذية، وهو أيضًا “المتحكم” في السلطة التشريعية، وله دور كبير في السلطة القضائية أيضًا، أي أن الرئيس هو محور الحكم في البلاد، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في معظم الملفات، وهو من يعيّن الوزراء ويحدد سياسات الدولة الداخلية والخارجية، وأي فشل من المفروض أن يتحمله هو، إذ لا يوجد أي وزير يتحرك بمحض إرادته، فأغلب التعليمات قادمة حصرًا من قصر المرادية، ولا مجال للاجتهاد فيها، مع ذلك يحاول الرئيس التملُّص من مسؤولية الفشل.
#عبد_المجيد_تبون طالعتنا وكالة الأنباء البارحة بأن الرئيس عبد_المجيد_تبون رعاه الله غاضب غضب شديد وأبان عن امتعاضه اللامحدود لبطء وتيرة تجاوب الحكومة مع قراراته وتماطلها في حل متطلبات المواطن اليومية .. غضبك هو غضبنا الله يحفظك سيدي ويسدد خطاك ونحن مع كل قراراتك المخلصة الدؤوبة pic.twitter.com/UoZtPqxlvL
— أ. الحسن لروي صقر القوافي (@Lahcensakr) February 22, 2023
محدودية الإنجاز رغم مرور 4 سنوات على الحكم ورغم الرخاء المالي، حتّمت على الرئيس عبد المجيد تبون القيام بسلسلة من التغييرات المتواترة على الحكومة، حتى يُظهر عدم رضاه على عملها، ويُبرز سعيه “الافتراضي” لتحقيق مطالب الجزائريين.
يتطلع الشعب الجزائري الذي أطاح بالرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة إثر حراك شعبي كبير، إلى التغيير الجذري، لكن نظام الحكم الذي خلفَ نظام بوتفليقة لم يتمكن من إعطاء صورة مختلفة عن الأداء السابق في كل المجالات دون استثناء.
قبل سنة من الانتخابات الرئاسية المرتقبة، يخشى عبد المجيد تبون والشق التابع له في الجيش إشعال الشارع من جديد، لذلك يسارع بين الفينة والأخرى إلى اتخاذ جملة من إجراءات التهدئة، حتى يحكم سيطرته على الشارع والطبقة السياسية.