إلى ماذا يطمح تنظيم الدولة من خلال تنفيذ عملية إرهابية في إيران؟

ترجمة وتحرير نون بوست
من خلال شن هذا الهجوم المفاجئ والدموي في قلب طهران، يسعى تنظيم الدولة إلى إشعال لهيب الحرب الطائفية في العالم الإسلامي. بعد سنوات من الانتظار والاستماتة لتوجيه ضربة قوية لإيران، يدّعي تنظيم الدولة أنه استطاع، في نهاية المطاف، الوصول إلى مبتغاه. وذكرت تقارير إخبارية أن أربعة مسلحين قاموا بإطلاق النار في قلب البرلمان الإيراني. وفي الوقت ذاته، فجّر آخرون قنبلة داخل ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله العظمى، روح الله الخميني، مما أسفر عن مصرع 12 شخصا.
في حال كان تنظيم الدولة الجهة المسؤولة فعلا عن هذا الهجوم، فقد تمكن من خلال هذه الهجمات الأخيرة استهداف أماكن ذات دلالات رمزية كبيرة بالنسبة للجمهورية الثورية الإيرانية. منذ سنة 2007، كان تنظيم الدولة يخطط إلى شن هجوم على إيران، حيث لم يتوان على توجيه جملة من التهديدات لطهران علنا، على خلفية الدعم الذي تقدمه إلى الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في العراق.
يحمل توقيت هذا الهجوم العديد من الدلالات. وفي الوقت الذي يسعى فيه التنظيم لإثبات قوته لجذب مجندين جدد، عمد إلى توجيه ضربات في مختلف أنحاء العالم
في الواقع، يعتبر تنظيم الدولة أن الشيعة الفرس هم “خونة مرتدين” باعوا العرب السنة إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ومن المثير للاهتمام أن نظرة تنظيم القاعدة لإيران تختلف تماما عن تنظيم الدولة. فقد أحجم تنظيم القاعدة عن مهاجمة هذه الجمهورية الإسلامية وذلك بهدف استخدامها كقاعدة عسكرية في الخفاء، ومركزا يدر عليه الأموال.
خلال سنة 2007، كتب أسامة بن لادن رسالة خاصة إلى قادة تنظيم الدولة يحثهم فيها على الكف عن مهاجمة إيران. وقد ورد في الرسالة التالي: “أنتم لم ترجعوا لنا بالمشورة بشأن هذه القضية الخطيرة التي تؤثر على رفاهيتنا جميعا”. وأوضح بن لادن أن “إيران تمثل بالنسبة لنا الشريان الرئيسي للأموال والموظفين والاتصالات، فضلا عن أنها تلعب دورا مهما في مسألة الرهائن. لذلك ليس هناك حاجة للقتال معها، إلا إذا كنتم مجبرين على ذلك”.
في حقيقة الأمر، استفاد بن لادن كثيرا من إيران خاصة بعد هجمات 11 من أيلول / سبتمبر. فقد فرّت مجموعة من عناصر القاعدة وأفراد أسرة بن لادن إلى إيران، حيث ظلت قيد الإقامة الجبرية أو المراقبة المستمرة. ومن بين هؤلاء ابنه حمزة بن لادن، الذي تصفه القاعدة حاليا بأنه ولي عهد التنظيم. وقد خففت الحكومة الإيرانية من مراقبتها لنشطاء وعائلات عناصر التنظيم خدمة لمصالحها. في المقابل، امتنع تنظيم القاعدة عن مهاجمة الحكومة لحماية مناصريه، وبغية الوصول إلى الممر الذي يربط أفغانستان والعراق.
من جهة أخرى، لم يكن تنظيم الدولة يحبذ تلقي التوجيهات من قبل تنظيم القاعدة، ولكنه كان مجبرا على ذلك، نظرا للاحترام الذي يكنه لأسامة بن لادن. وإبان انشقاق تنظيم الدولة عن القاعدة في سنة 2014، وظف متحدث باسم تنظيم الدولة هذا الخلاف، معتبرا منظمته الجماعة الجهادية الأكثر التزاما. كما كشف المصدر ذاته أن تنظيم الدولة كان يخطط، منذ فترة طويلة لتنفيذ هجوم ضد إيران إلا أن تنظيم القاعدة منعه من أجل حماية مصالحهِ وخطوط إمداداتهِ.
لنفترض أن تنظيم الدولة هو المسؤول الحقيقي عن الهجوم الذي استهدف العاصمة الإيرانية طهران، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا انتظر ثلاث سنوات لشن هجمات ضدها، في حين كان له حرية القيام بذلك منذ سنة 2014؟ ونظرا لغياب دلائل تثبت ادعاء تنظيم الدولة، لا بد من دراسة توقيت تنفيذ هذه العملية.
في الحقيقة، من المحتمل أن تنظيم الدولة لا يملك، حتى اللحظة الراهنة، نشطاء قادرين على تنفيذ هجمات مماثلة. في المقابل، وخلال السنوات القليلة الماضية، قام التنظيم باستقطاب وتدريب وحدات من الكوماندوز الإيرانيين. ونتيجة لذلك، لن أتفاجأ مطلقا إذا اكتشفنا في الأيام المقبلة أن بعضهم استطاعوا العودة إلى ديارهم للقيام بمثل هذا الهجوم الخطير، على غرار ما قام به الجهاديون الفرنسيون والبلجيكيون على مدى السنتين الماضيتين.
من المرجح أن هناك دوافع إستراتيجية أخرى وراء هذا الهجوم الذي طال إيران. وتتجلى هذه الأهداف بوضوح من خلال المرجعيات المفضلة لتنظيم الدولة: “إدارة التوحش أخطر مرحلة ستمر بها الأمة”. في واقع الأمر، يبتغي التنظيم من وراء هذا الهجوم معاقبة الخصم على مهاجمة أراضيه، فضلا عن أنه يريد إثارة حرب طائفية شاملة من شأنها أن تجبر السنة العراقيين على الوقوف في صفه. علاوة على ذلك، يسعى التنظيم إلى دفع الحكومة الإيرانية إلى شن حملة محلية ضد السنة مما سيؤدي إلى لجوء المواطنين الإيرانيين السنة للتنظيم طلبا للحماية.
أخيرا، يهدف تنظيم الدولة إلى كسب الحرب ضد القاعدة من أجل استمالة قلوب وعقول المزيد من الجهاديين في العالم. ويعزى ذلك إلى حاجته الملحة لاستقطاب المزيد من العناصر من أجل دعم صفوفه العسكرية التي تهاوت تحت وطأة الحرب المستمرة التي يخوضها في سوريا والعراق. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم الجريء على العاصمة الإيرانية قد وضع تنظيم القاعدة في موقف حرج.
من المحتمل أن تنظيم الدولة لا يملك، حتى اللحظة الراهنة، نشطاء قادرين على تنفيذ هجمات مماثلة
من ناحية أخرى، يحمل توقيت هذا الهجوم العديد من الدلالات. وفي الوقت الذي يسعى فيه التنظيم لإثبات قوته لجذب مجندين جدد، عمد إلى توجيه ضربات في مختلف أنحاء العالم أو حث عناصر أخرى للقيام بذلك في ظرف زمني خاص ألا وهو شهر رمضان، وهو شهر الصيام بالنسبة للمسلمين. والجدير بالذكر أنه وخلال شهر رمضان الماضي، شهد العالم أحداثا دموية مأساوية للغاية، ويبدو أن السيناريو ذاته سيتكرر خلال شهر رمضان الحالي وقد ترتفع وتيرة الهجمات مقارنة بالسنة السنة الماضية.
عموما، إذا ثبتت صحة ادعاءات تنظيم الدولة، فإن ذلك يؤكد أنه نجح في خرق وتقويض الأمن الإيراني، في حين فشلت العديد من الجماعات الإرهابية السنية الأخرى في القيام بذلك. في واقع الأمر، استهدف هذا الهجوم مركز الثيوقراطية الصفوية، أي إيران حسب وصف تنظيم الدولة. وفي حين تتعثر خطى خلافة تنظيم الدولة فضلا عن تداعي روحه المعنوية، لن يتمكن من خلال هذا الهجوم من استرجاع كل الخسائر التي تكبدها. في المقابل، قد يدفع هذا الهجوم إيران لتكثيف جهودها للقضاء على التنظيم نهائيا ومحوه.
المصدر: فورين بوليسي