بحلول شهر رمضان تتجهز العائلات المسلمة في أنحاء العالم لإحياء طقوس رمضان الذي يتميز بأجواء احتفالية خاصة تختلف عن باقي أشهر السنة، إذ يتميز بموائد الطعام المتنوعة والصلوات في المساجد وتبادل الزيارات بين الأهالي وأجواء السحور والإفطار وأمور أخرى تضفي جميعها أجواء من الحميمية والدفء لدى العائلة وفي البلد بشكل عام.
إلا أن رمضان في ظل الأزمات اختلف عمّا سبق وصارت الصورة مقلوبة وخلى من البهجة وصار متوحشًا وزاد العبء على العائلة حتى أثقل كاهلها، بسبب الفرقة والتشرد والفقر في بلدان ومخيمات اللجوء، وبقي رمضان وما فيه من عادات وطقوس حبيس الذكريات لدى العائلات، فصورة رمضان لديهم محتلفة تمامًا عن رمضان في المخيم، فشتان من يعيش تحت سقف بيته وعلى أرض وطنه وبين من يعيش تحت سقف خيمة لا تقسه برد الشتاء ولا حر الصيف وليس في بلده. رمضان هذا العام يمر على بعض العائلات السورية للمرة السادسة على التوالي في مخيمات اللجوء في لبنان والأردن وتركيا واليونان وبلدان أخرى حول العالم.
كانت الابتسامة ترتسم على وجوه الأطفال مع حلول شهر رمضان بينما اليوم وجوههم شاحبة وأهاليهم مثقلين بسبب التعب الجسدي والمعنوي جراء ظروف الحرب المستعرة وسوء ظروف المخيمات، ولا يمكن أن يشبه رمضان بالنسبة لعائلة كانت تعيش في بيتها تعيش بزهو ورخاء بسقف خيمة تنتظر فيها العائلة المساعدات التموينية والمالية من قبل المانحين، في ظل ظروف صعبة تعيشها العائلات في المخيمات من عوز وأمراض ورداءة ظروف الإقامة. وليس اللاجئين السوريين وحدهم في هذا المصاب بل هناك اللاجئين العراقيين الهاربين من الحرب على داعش في الموصل.
رمضان في بلدان اللجوء السوري
ينتشر اللاجئون السوريون من الأردن إلى لبنان وتركيا وصولا إلى أوروبا في مخيمات لجوء مكتظة بأعداد كبيرة منهم، وهناك نازحين يعيشون في مخيمات داخل سوريا بعد خروجهم من قراهم وبلداتهم بسبب التهجير القسري أو هربًا من ويلات الحرب والظروف القاهرة، تكاد أجواء رمضان والعادات الرمضانية تغيب أو تندثر في تلك المخيمات.
وحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فلبنان يستضيف نحو مليون و49 ألف لاجئ سوري مسجل لديها من أصل 4 ملايين و844 ألف لاجئ مسجل فروا من أتون الحرب ويتواجد في تركيا نحو 3 مليون لاجئ معظمهم يعيشون خارج المخيمات ونحو نصف مليون لاجئ بعضهم يعيش في مخيمي الزعتري والأزرق في الأردن وأعداد أخرى تعيش خارج المخيمات.
عدد اللاجئين السوريين وصل إلى 4 ملايين و 844 ألف لاجئ في بلدان جوار سوريا
غابت الأجواء الرمضانية التي كانت تزين رمضان أثناء حلوله في سوريا، فصوت المسحراتي في مخيمات اللاجئين لم يعود موجودًا؛ ذلك الشخص الذي يقوم بإيقاظ الناس لتناول طعام السحور في رمضان، وهو من الطقوس الرمضانية المهمة في سوريا، حيث كان الناس يبقون متيقظين في رمضان إلى وقت السحور لسماع صوته.
إلى جانب ذكريات اجتماع العائلات والموائد العامرة قبل حياة اللجوء، وهو أحد المظاهر التي غابت لدى عوائل اللاجئين السوريين بعد أن تفرقت العائلات ما بين لاجئين لدول متفرقة وبين ضحايا ومعتقلين غابوا عن بيوتهم بسبب الحرب. فبالنسبة لمئات الآلاف من اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا الفارين من الحرب والصراع والفقر في سوريا وأفغانستان والعراق وغيرها، ذهب البعض عبر البر أو البحر لتقديم طلب لجوء في أوروبا بينما تنتظر بقية أفراد العائلة طلب لم شمل العائلة. إذ لا يزال الكثير يعيش في مخيمات لاجئين في ألمانيا ينتظرون استكمال حق اللجوء وطلبات لم الشمل لعوائهم.
ومع إقبال شهر رمضان يشتكي اللاجئين من مواعيد تسليم الطعام الذي لا يتناسب مع شهر الصوم، أو حتى جودة الطعام، في حين كانوا يحتفون بموائد مما لذ وطاب على موائد الإفطار في بلداتهم.
رمضان في مخيمات الأردن ولبنان
بالنسبة للأوضاع الاقتصادية في أكبر مخيمات اللاجئين في الأردن وهو مخيم الزعتري فالمواد الغذائية متوفرة بالإضافة إلى الكوبونات المخصصة لشراء مستلزمات رمضان، ولا يوجد فرق كبير بين الأسعار خارج المخيم وداخل المخيم الذي وفر فيه اللاجئون سوقًا كبيرة يحوي مئات المتاجر والمحال التجارية المتنوعة تعود بالفائدة على اللاجئين داخل المخيم.
حلول شهر رمضان على مخيمات اللجوء في لبنان أثقل كاهل العوائل بسبب التعب الجسدي والمعنوي جراء ظروف الحرب المستعرة وسوء ظروف اللجوء في المخيمات
أما في لبنان فوضع اللاجئين في المخيمات سيء جدًا بسبب سوء الظروف المعيشية كما في مخيمات عرسال والتي تحوي قرابة 100 ألف لاجئ سوري في مخيمات عشوائية، وبات شهر رمضان بالنسبة للعائلات هناك يحمل مزيدًا من الأعباء بسبب عدم توفر الحد الأدنى من المعيشة من غذاء وطبابة وتدريس وغيرها، ووفق لإحصائيات المفوضية العليا للاجئين فإن لبنان يحوي على 173 ألف لاجئ يعيشون في 1259 مخيم غير منظم في أنحاء لبنان يعانون من نقص في الطعام والشراب وسط نقص في الدعم المقدم لهم يومًا بعد آخر. حتى بات سكان تلك المخيمات يتمنون العودة إلى قراهم على الرغم من ظروف الحرب القاهرة.
لاجئين سوريين في ألمانيا
اللاجئين السوريين في تركيا
يعد الوضع في تركيا أفضل حالًا فالمخيمات المقامة داخل الحدود التركية مخدمة ومجهزة بكافة التجهيزات اللازمة وتقوم الهيئات الإغاقة التركية بتقديم المساعدات للاجئين عبر توزيع السلل الغذائية وإقامة حملات إفطار جماعية، بهدف مشاركة السوريين الذين يعانون من ظروف إنسانية صعبة بفرحة شهر رمضان، كما سعت إدارات المخيمات إلى توفير المدارس والمراكز الصحية وخدمات مخلتفة داخل المخيم. وبالرغم من شعور السوريين في تركيا بأن شعورهم في تركيا بأنها بلدهم الثاني وهي أقرب إلى بلدهم من أي مكان آخر، فالطقوس الرمضانية مشابهة هنا للموجودة في سوريا إلا رغبتهم الكبرى هي انتهاء الأزمة والعودة إلى بلادهم.
تشتت العوائل بين من هاجر ومن ينتظر لم الشمل أسهم في تشتتهم وعدم تجمعهم على مائدة واحدة في رمضان
ويذكر أن أعداد الساكنين خارج المخيمات تفوق من هم داخل المخيمات بشكل كبير، وقد سعى اللاجئين خارج المخيمات للانخراط في المجتمع التركي من خلال تعلم اللغة والعمل وتأسيس حياة جديدة. يحاول من هم خارج المخيم التمسك بالعادات الرمضانية الخاصة بهم وعمل الطقوس التي اعتادوا عليها في سوريا، ولكن يبقى هناك العديد من المنغصات منها بسبب تشتت العائلة بسبب هجرة بعض أفراد العائلة إلى أوروبا فيما ينتظر الباقي معاملة لم الشمل، كما أن القوانين التركية بشأن حصول السوري على فيزا حالت دون سفر السوريين من وإلى تركيا وبالتالي ساهمت في عدم لم شمل العائلة والالتقاء على مائدة الإفطار في رمضان.
رمضان لدى النازحين العراقيين
بعد بدء القوات العراقية المدعومة من قبل قوات التحالف الدولي حملة عسكرية لاستعادة الموصل من “داعش”، تسببت بتهجير نحو 600 ألف على أقل تقدير نزحت من مدينة الموصل وحدها، فبحسب تصريحات لوزير الهجرة العراقي المهجرين العراقي جاسم محمد الجاف الذي قال بأن أعداد النازحين من محافظة نينوى وصل إلى 819 ألفا منذ انطلاق العملية العسكرية لتحريرها، بينهم 642 ألفا من الجانب الغربي لمدينة الموصل وحده، وقد عملت الأمم المتحدة مخيمات في مناطق عدة في العراق بغرض استيعاب الأعداد الكبيرة إلا أن تلك المخيمات لا تلقى بكثير اهتمام من قبل الحكومة والجهات المعنية وتعاني من اكتظاظ كبير بالنازحين وسوء الظروف المعيشية.
ويعد رمضان هذا العام بالنسبة للموصللين النازحين الثالث لهم خارج مدينتهم ومنازلهم، فبعد خسارة الأهالي لأرزاقهم وما تعرضوا له من تنكيل بسبب ممارسات “داعش” واشتداد الحرب لم يعد لرمضان طعم أو لون وفقد طقوسه لدى الأهالي في معيشتهم الجديدة تحت سقف المخيمات المكتظة والتي لا تلقى اهتمام كبير من قبل المؤسسات الدولية والمحلية.
في النهاية فإن رمضان هذا العام يمر على اللاجئين السوريين في مختلف البلدان والمخيمات والأوضاع في سوريا لا تنبئ باستقرار على المستوى السياسي والميداني وهو ما يسهم في إطالة أمد الأزمة ومعاناة اللاجئين في المخيمات، فيما ينتظر اللاجئين العراقيين العودة إلى الموصل بعد انتهاء تحرير كامل المدينة من “داعش” بيد القوات العراقية والتحالف الدولي.