منذ 2011، ما فتئت الإمارات العربية المتحدة تلقي بكامل ثقلها في ليبيا من أجل إجهاض ثورة فبراير، مرّة بدعم الانفصاليين ومرّة بدعم قيادات عسكرية متمرّدة وأخرى بإغراق البلاد بالسلاح رغم الحظر الأممي، وهو ما ساهم في مزيد من الإرباك للوضع في هذه الدولة العربية التي يرنو شعبها إلى الاستقرار.
خرق الحظر الأممي
التدخل الإماراتي في ليبيا الذي بدأ يبرز للعيان، منذ ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في مايو 2014، وإعلانه الانقلاب العسكري على مؤسسات الدولة القائمة، ودورها المشبوه هناك، أكّدته عديد التقارير الرسمية وغير الرسمية، وأخرها التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا.
وكشف هذا التقرير الأممي عن خرق دولة الإمارات العربية المتحدة وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها منذ سنة 2011، وذلك عن طريق تقديم الدعم العسكري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة. ويدفع هذا التهور الإماراتي إلى هدم كل الجهود الدبلوماسية الدولية المبذولة، مما يفاقم الصراع الليبي ويعمق الأزمة فيه.
عرفت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تدخلها في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي
وقد أدى الدعم الإماراتي وفق تقرير اللجنة إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة لتضمن المساعدات الإماراتية مواد دخلت في تجديد الطائرات المعطلة سابقا. واعتبرت اللجنة أن المساعدات الإماراتية قد أدت ومن دون شك إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا، ومن شأن استمرار تدفق السلاح إلى ليبيا وخرق الحظر الأممي، حسب خبراء، إطالة أمد الحرب، وإبقاء ليبيا فريسة لحالة الفوضى والانقسام بين ثلاث حكومات منافسة. وأوضح التقرير أن الإمارات بمساعدة السعودية نقلت 195 آلية (يبك_آب) قتالية إلى طبرق لصالح حفتر، كما دعمته بطائرات عمودية هجومية من طراز (إم آي 24 بي) بيلاروسة التصنيع، بالإضافة إلى تطوير قاعدة الخادم “الخروبة” جنوب المرج بتزويدها بالطائرات وبناء حظائر لها.
تسعى الإمارات إلى اغراق ليبيا بالسلاح
هذا التقرير الذي كشف الخرق الإماراتي ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن كشف تقرير أممي في مارس 2015، عن عمليات تهريب سلاح إلى ليبيا لا تشمل نقل الذخائر والسلاح فقط، بل بتحويل طائرات مقاتلة، قامت بها الإمارات بمعية مصر. وعرفت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تدخلها في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حساب باقي الأطراف المكونة للمشهد الليبي، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي، في مسعى منها لإجهاض الثورة الليبية ودعم العسكر كما فعلت في مصر من خلال دعمها المشير عبد الفتاح السيسي في انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
حضور ميداني
لم تكتفي دولة الإمارات بتهريب السلاح لحفائها في ليبيا، وتجنيد مرتزقة لخدمة مصالحها على غرار محمود جبريل وزير التخطيط في عهد القذافي ورئيس الحكومة في أثناء الثورة، وعبد المجيد مليقطة أحد الرموز المهمة في تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه جبريل، وعلي النابض الذي يعمل سفيرًا لليبيا في الإمارات ويعد من المقربين لجبريل ومعروف بكرهه للإسلاميين، بل وضعت لها موطئ قدم هناك، وفقا لعديد التقارير الإعلامية والاستخباراتية، وقامت بعمليات عسكرية ميدانية كما يحدث في درنة الأن من قصف مستمر بالتعاون مع مصر.
القاعدة الإماراتية أنشئت في مطار الخادم على بعد نحو 100 كلم من مدينة بنغازي
وكانت مجلة التايم الأمريكية قد قالت في تحقيق لها نشر في التاسع من مايو الماضي، إن دولة الإمارات نشرت 6 طائرات توربينية في قاعدة جوية شرق ليبيا، في انتهاك لحظر إرسال الأسلحة إلى هناك، الذي فرضته الأمم المتحدة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالقذافي في العام 2011، لدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه على مناوئيه في بنغازي ودرنة. ونقلت المجلة الأمريكية،عن رون هاورد المدير التنفيذي لشركة أيو ماكس المصنعة للأسلحة، تأكيده نشر طائرات شركته في ليبيا قائلأ “إن صور الأقمار الاصطناعية تثبت ذلك.
صورة توضح القاعدة الجوية الحربية التابعة لدولة الإمارات بمنطقة الخروبة بالقرب من المرج
وفي أكتوبر 2016، نشرت مؤسسة البحوث العسكرية “جاينز”، ومقرها لندن تقريرا يؤكد أن الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية شرقي ليبيا خلال الفترة من مارس إلى يونيو 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز 802-AT وأخرى بدون طيار من طراز وينق-لوونق لدعم قوات ما يسمى بعملية الكرامة التي يقودها حفتر، ونشرت صورا ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للقاعدة في 23 يوليو من نفس السنة يظهر فيها تمركز طائرات حربية. ولفت التقرير، أنذاك، إلى أن القاعدة الإماراتية أنشئت في مطار الخادم على بعد نحو 100 كلم من مدينة بنغازي، مشيرا إلى أن هذا المطار كان قبل إنشاء القاعدة الإماراتية مطارا بسيطا ببنية تحتية متواضعة.
تواصل الدور الإماراتي “المشبوه”
هذا الدور الإماراتي المشبوه الذي يرمي إلى تدمير ليبيا وتحويلها إلى منطقة صراع دائم وتفكيك نسيجها الاجتماعي لم يعد خافيا على أحد، فدولة الإمارات أصبحت ملاذ لقيادات نظام القذافي وداعمي الثورة المضادة في هذا البلد العربي الذي يعيش على وقع الحرب وانتشار السلاح. فإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه داعمو الثورة المضادة في ليبيا من قبل الإمارات، استحدث أبناء زايد أساليب جديدة واستخدموا أسلحة غير مألوفة لدى العرب، على رأسها “شراء الذمم والضمائر” والتي باتت إحدى محددات السياسة الخارجية الإماراتية.
ها هي اليوم، أي الإمارات، تحوّل بوصلتها لزرع الخلافات في المجتمع الخليجي لتفتيته،
على رأس الذمم التي اشترتها الإمارات الوسيط الدولي الذي عمل في ليبيا برنارد ليون والذي عينته الإمارات رئيسًا للأكاديمية الإماراتية الدبلوماسية التي تهدف إلى تطوير علاقات الإمارات مع العالم، والترويج لسياساتها الخارجية، إضافة إلى تدريب الكادر العامل في السلك الدبلوماسي، مقابل 35 ألف جنيه إسترليني شهريا (53 ألف دولار)، لتنفيذ أجندتها داخل ليبيا، وهو ما حصل بالفعل، إذ أكدت تسريبات نشرتها وسائل إعلامية، تحالف ليون مع الإمارات، وجاء في أحد التسريبات للمبعوث الأممي، ” لا أعمل على خطة سياسية من شأنها أن تشمل الجميع وتعامل كل الأطراف بشكل متساوٍ، وأعمل وفق خطة استراتيجية لـنزع الشرعية تمامًا عن المؤتمر الوطني العام”، الأمر الذي يؤكد انحياز ليون لأحد أطراف الصراع وفقًا لما يتسق مع الرغبات الإماراتية.
التدخل الإماراتي في ليبيا زاد من تعقيد الوضع هناك
وسبق للحكومة الليبية في طرابلس أن أعلنت في العاشر من نوفمبر 2015 عن توقيف ضابط إماراتي بتهمة التجسس، مشيرة إلى العثور على دلائل بين وثائقه وعلى جهاز كمبيوتر كان بحوزته، وقال صادق السور، المدعي العام، إن الضابط الذي عرفه باسم يوسف صقر أحمد مبارك، اعتقل في طرابلس بعد أن كشفت معلومات مخابراتية عن أنشطته. الدور الإماراتي في ليبيا لا يقل “بشاعة” عن دورها في تونس وفي مصر واليمن، وها هي اليوم تحول بوصلتها لزرع الخلافات في المجتمع الخليجي لتفتيته، ولإنهاء التعاون الخليجي المتمثل بمجلس التعاون الخليجي.