ركز المؤرخون على حياة المرأة في العصر العثماني وخصوصاً على نشاطها الاجتماعي ودورها في الحياة السياسية. لم يكن اهتمام التاريخ بالحديث عن حياة المرأة في ذاك العصر اهتماماً عادياً وهذا لأنه وثق تفاصيلاً وأحداثاً وشخصيات نسائية كثيرة جذبت أعين التاريخ نحوهن.
هذا الاعتناء الواضح جاء من الدور اللافت الذي أدته نساء الإمبراطورية العثمانية على الرغم من أنه لم يكن لهن الحق بالمشاركة بالمجالات السياسية بشكل قانوني ومباشر وبالرغم من هذا التقييد إلا أن المرأة العثمانية امتلكت السلطة والصيت الواسع بسبب نشاطاتها السياسية داخل القصور وأعمالها الاجتماعية الخيرية بشكل خاص.
مع تتبع تاريخ الخلافة العثمانية الذي امتد لقرون طويلة حتى عام 1923، نجد أن هذه الامبراطورية كانت معروفة باسم “سلطنة النساء” وأن هناك سلطانات اشتهرن أكثر من الملوك أنفسهم، وهذا مؤشراً واضحاً على قوة ونفوذ النساء العثمانيات من وراء ستار الحرم.
المرأة العثمانية السلطانة
اشتهرت نساء ذاك العصر بأعمالهم المجتمعية في الحياة العامة والتي تمثلت ببناء أوقاف خيرية كثيرة مثل المستشفيات والمدارس والجوامع والمكتبات حتى يستفيد منها عامة الشعب، وكانت المرأة هي المسؤولة عن تعيين العاملين فيها وعن رواتبهم المالية وصيانة هذه الأماكن بشكل دوري حتى تدوم فائدتها على السكان.
السلطانة عائشة حفصة
زوجة السلطان سليم الأول ووالدة السلطان سليمان القانوني. أول امرأة تلقب بـ “الوالدة السلطانة” فقد كانت سيدة ذات شأن عظيم وكانت المسؤولة عن إدارة حرم جناح الحرم العثماني وكانت العقل المدبر في القصر وهذا لأنها كانت تسعى بشكل دائم على حل المشاكل التي تحدث داخل الحرملك. كما كان لها ممتلكات ضخمة فقد كانت تستغل الأراضي الخاصة بها لمشاريع أوقاف خيرية، على سبيل المثال أمرت ببناء مسجد في مدينة ازمير.
السلطانة حُرم أو روكسلانة
زوجة السلطان سليمان القانوني ووالدة سليم الثاني. تعتبر من أشهر السلطانات صيتاً فقد كان لها علاقات سياسية مع زعماء العالم بالخارج ويقول المؤرخون أنها كانت راعية للكثير من الأوقاف والمنشآت الخيرية في العاصمة العثمانية وبما أنها زوجة خليفة المسلمين فقد وصلت أعمالها الخيرية إلى مكة المكرمة والقدس عام 1552. أمرت ببناء مسجد وإنشاء مدارس دينية لتعليم القرآن الكريم، إضافة إلى مستشفى طبي خاص بالنساء وحمام لخدمة المصلين في آيا صوفيا والكثير من المنشآت التي تعتبر الآن أحد أهم الأوقاف العثمانية.
نوربانو السلطانة
زوجة السلطان سليم الثاني ووالدة السلطان مراد الثالث. لقبت بـ “السلطانة العفيفة”. شهدت الدولة على نفوذها الكبير داخل حرم القصر والسبب يعود إلى ضعف في شخصية زوجها. كانت المحرك الأساسي في العديد من الاحداث التي اثرت على الدولة العثمانية. كما اهتمت بشكل كبير بالمنشآت المعمارية في إسطنبول، فأنشأت مجمعاً دينياً وتعليمياً وأمرت ببناء حمام تشمبارلي تاش عام 1584.
اهتمت نساء الإمبراطورية بشكل عمومي بإنشاء عدد كبير من المؤسسات الدينية والتعليمية على حد سواء، يذكر أن هذه المنشآت لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.
المرأة العثمانية الأديبة
فاطمة علياء هانم
تقديراً لإنجازاتها الأدبية والوطنية، طُبعت صورة علياء هانم على أوراق العملة التركية.
ابنة المؤرخ والقانوني أحمد جودت باشا وتعتبر من أشهر وأوائل الأدبيات والروائيات والناشطات في حقوق المرأة. لم تقتصر شهرتها على الدولة العثمانية، بل ذكرتها الصحافة الأمريكية والفرنسية أيضاً وذلك لأنها قامت بترجمة عدة روايات من لغتها الأم إلى اللغات الأجنبية. كما أنها كتبت رواية باسم “الخيال والحقيقة” مع أحمد مدحت أفندي. جدير بالذكر أن علياء هانم لم تتلق تعليماً خاص بها، بل كانت تكتفي بسماع الدروس المخصصة لأخيها وبقراءة الكثير من الكتب.
بجانب إنجازاتها الأدبية ألفت علياء هانم أعمال تتعلق بقضايا المرأة، فكانت تكتب مقالات تنشر في الصحف الخاصة بالنساء ووضحت دور المرأة في الإسلام مقارنة مع النساء الأوروبيات في كتاب “نساء الإسلام” عام 1892.
لم تكن أعمالها كتابية فقط، فلقد أسست علياء أول الجمعيات الرسمية في الدولة باسم “جمعية معاونة المرأة العثمانية” لمساعدة ودعن عائلات الجنود الذين أصيبوا في الحرب العثمانية اليونانية، كما أنها تولت منصب أول امرأة عضو في جمعية رسمية “الهلال الأحمر”.
علاوة على ذلك وتقديراً لإنجازاتها الأدبية والوطنية، طُبعت صورة علياء هانم على أوراق العملة التركية.
المرأة العثمانية المسلمة والاقتصاد
اعتمد العثمانيون على الشريعة الإسلامية في صياغة قوانينهم للحياة العامة والخاصة والأنشطة جميعها، مما مكنت المرأة العثمانية من وجودها في الحياة الأسرية والعلمية والتعليمية وحتى القضائية.
النساء العثمانيات كونت من 20 إلى 30% من المؤسسات والأوقاف الخيرية، وكانت الممول الأساسي للعديد منها.
توضيحاً كافياً ومفصلاً لحال المرأة العثمانية قال المؤرخ داكين فريمان عام 1911،”وصِفت الزوجة التركية بأنها جارية أو متاع مملوك للزوج بينما لم تكن أي من ذلك. بل إن وضعها القانوني أفضل من الزوجات في أوروبا، وحتى تطبيق تشريعات حديثة نسبيا، فان الزوجة الانجليزية عوملت كمتاع أكثر من الزوجة التركية حيث كان للمرأة العثمانية سيطرة مطلقة على ملكيتها. أعطاها القانون حرية التصرف في أي شئ في ملكيتها وقت الزواج، أو ما ترثه بعد ذلك. يمكنها توزيع ملكيتها أو منحه لمن تختار. في عين القانون نُظر اليها كانسان حر. يمكنها التصرف باستقلال عن زوجها، يمكنها المقاضاة والخضوع للتقاضي بدون اعتبار الزوج. في هذه النواحي فأنها تتمتع بحرية أكبر مما لدى قريناتها”.
من الواضح أن نشوء المرأة العثمانية على الديانة الإسلامية جعل لها حقوق لتدير ثروتها الخاصة بنفسها وتكون هي المسؤولة عن إدارة هذه الممتلكات. هذه الحقوق جعلت المرأة تلعب دورا ملفتاً في الاقتصاد العثماني، وذلك لتملكها الكثير من الأراضي والأوقاف والاقطاعيات وبساتين وحدائق وما تعمل على تمويله وتحصيه من المحلات التجارية والثروة الحيوانية. ساعد هذا كله في دوام الحركة الاقتصادية آنذاك.
كما يذكر، أن النساء العثمانيات كونت من 20 إلى 30% من المؤسسات والأوقاف الخيرية، وكانت الممول الأساسي لعديد من المدارس ونوافير المياه والمساجد والموائد والحمامات لتجعلها في خدمة العامة.
المرأة العثمانية والتعليم
لم تكن تتلقى المرأة تعليماً خاصاً بها، بل كانت تتناقله من أحد أفراد العائلة أو تذهب للجوامع لتتلقي تعليماً دينياً أساسياً. لكن في عهد السلطان عبد العزيز الأول تم افتتاح مدرسة ابتدائية باسم “نساء المعلمات” لتتلقى فيها الفتيات أساسيات الخط والكتابة والحساب وبعض علوم الدين كالحفظ والتجويد.
المرأة العثمانية مثال للمرأة الحرة التي جعلت من نفسها محور اجتماعي وسياسي وثقافي من قبل أن يُسمح لها بذلك.
وفي عام 1858 قام السلطان عبد المجيد الأول بتأسيس أول مدرسة ثانوية للبنات في إسطنبول لتدعم تطور المرأة علمياً وكانت تتكون من محاضرات تاريخ وجغرافيا وخطابة وكتابة وقراءة وعلوم اجتماعية وعلوم نحوية ومهارات يدوية.
بعد أن حصلت المرأة على فرصة كافية من العلم والثقافة، أصبحت أكثر قدرة على دعم قضاياها بنفسها والمطالبة بالمزيد من الحقوق التي تساعدها على تحقيق طموحها في جميع المجالات المتاحة، حتى أصبحت المرأة العثمانية مثال للمرأة الحرة التي جعلت من نفسها محور اجتماعي وسياسي وثقافي من قبل أن يُسمح لها بذلك.