لم تعد طهران تلك التي زرتها في أواخر نوفمبر 2013 كما هو الحال الأن، تلك الزيارة التي تضمنت منزل الخميني في طهران والذي تم وضعه ضمن المزارات الدينية الإسلامية، فضلا عن زيارة مشهد وقم وجامعة المصطفى .
طهران مع بساطة معمارها، خاصة مع حالة الضغط الاقتصادي والحظر المستمرة عليها منذ الثورة الإيرانية ، إلا أنها تتمتع برتابة منقطعة النظير، وهدوء كامل فضلا عن نظافة واضحة وتشديد أمني لا يخطئه أحد بالإضافة إلى بصمات المخابرات الإيرانية الواضحة، التي يلحظها الأجنبي بسهولة. إذا ماذا حدث؟
استطاع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” دخول طهران وإسقاط عددَا من القتلى وعشرات الجرحى جراء تفجير في ضريح الخميني فضلا عن اقتحام مجلس الشورى الإيراني ، وهي أماكن ذات حساسية كبيرة للشارع الإيراني فضلا عن التشديدات الأمنية الضخمة في هذه الأماكن، ووفقا لوکالة تسنیم الإيرانية، الانتحارى أقدم على تفجير نفسه داخل ضريح آية الله الخمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية فى إيران، وأن قوات الأمن قتلت آخر واعتقلت امرأة فضلا عن استهداف مجلس الشورى الإيراني.
هوية الجماعات المسلحة التي تحمل السلاح داخل ايران
وقبل التطرق إلى تأثير ذلك على الواقع الإيراني يجب الإشارة إلى أنه معروف في الواقع الإيراني أن الجماعات التي تحمل السلاح ضد الحكومة الإيرانية وتقوم بعمليات في الداخل حاليا، هي في معظمها جماعات كردية تنشط في المناطق ذات الأغلبية الكردية الواقعة على الحدود مع العراق وتركيا وتشن هجمات على أهداف عسكرية وحكومية وتخوض مواجهات مع قوات الأمن الإيرانية من وقت إلى آخر.
إلا أنه وبعد ظهور تنظيم داعش رسميا في 2014 ووفقا للتقارير التي تناولت التواجد الإيراني في التنظيم الذي يتخذ من سوريا والعراق قاعدة له، فإن عددًا من الايرانيين انضموا بالفعل إلى صفوف التنظيم منهم على سبيل المثال أبو عائشة الكردي الذي قتل قرب مدينة مخمور في كردستان العراق أوساط 2016
تفجيرات سابقة في طهران
وقد شهدت طهران عدة تفجيرات كان منها ما حدث في العام 1994 من استهداف ضريح الإمام رضا في مدينة مشهد الذي أودى بحياة 25 شخصًا، واتهمت الحكومة الإيرانية حينها منظمة مجاهدي خلق المعارضة بالمسؤولية عنه، فضلًا عن انفجار في مسجد “الحسين سيد الشهداء” بمدينة شيراز أثناء الصلاة، والذي أدى إلى مقتل 14 شخصًا وإصابة أكثر من 200، وتبنت الهجوم منظمة شبه مجهولة تطلق على نفسها “جنود الجمعية الملكية الإيرانية” وذلك في أبريل 2008، بالإضافة إلى اغتيال 4 علماء ومختصين عاملين في البرنامج النووي الإيراني، واتهمت إيران حينها دولة الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراء هذه العمليات وذلك فيما بين 2010 إلى 2012.
تسجيل داعش باللغة الفارسية
استهداف داعش لإيران، كانت شرارته الأولى حينما وجه التنظيم أول تهديد بمهاجمة إيران عبر شريط فيديو بثه باللغة الفارسية، معلنًا تشكيل قوة عسكرية مكلفة باستهداف المؤسسات الإيرانية.
وتناقلت وسائل الإعلام الفيديو الذي تم نشره على مواقع داعش المعروفة، وقد كان للمرة الأولى التي يبث بها داعش رسالة باللغة الفارسية، وصلت مدتها إلى 36 دقيقة بعنوان “بلاد فارس بين الماضي والحاضر”، بالتزامن مع تهديدات بمهاجمة إيران، متهمين نظامها بمطاردة واضطهاد المسلمين السنة. كما عرض “داعش” مشاهد لأفراد تلك القوة العسكرية التي تحدث عن تشكيلها وأسماها “كتائب سلمان الفارسي” أثناء تدريبهم على الرماية، في محافظة ديالى شرق العراق. وأعلن التنظيم أن حربه على إيران قد بدأت، وأنها ستعتمد في المقام الأول على “عمليات انتحارية”.
وعرض الشريط إقدام 4 عناصر زعموا أنهم إيرانيون وأعضاء في تنظيم”داعش”، على نحر 4 عراقيين، أحدهم قائد عسكري في منظمة بدر، واعتبروا ذلك رسالة تهديد لطهران. كما تحدث في الإصدار 3 عناصر إيرانية هم “أبو الفاروق الفارسي، أبو مجاهد البلوشي، أبو سعد الأهوازي”، وبعد استعراض لتاريخ بلاد فارس، دعا التنظيم الإيرانيين في طهران وأصفهان وقم وغيرها إلى “مهاجمة الحوزات”، حسب ما ورد في شريط الإصدار.
يجب الإشارة إلى أنه معروف في الواقع الإيراني أن الجماعات التي تحمل السلاح ضد الحكومة الإيرانية وتقوم بعمليات في الداخل حاليا، هي في معظمها جماعات كردية تنشط في المناطق ذات الأغلبية الكردية الواقعة على الحدود مع العراق وتركيا
دلالة التوقيت
دلالة التوقيت لا تخفى على أحد، ففي ظل الأزمة القائمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية وقطر من ناحية أخرى، كانت إيران الدولة الأولى في بداية هذه الأزمة التي أعلنت عن وقوفها بشكل واضح بجوار قطر في مواجهة الدول الخليجية، ودعت إلى ترجيح دائرة الحوار على حساب التصعيد، وهو ما يربط ببساطة بين التفجير وتوقيته وموقف إيران من الأزمة بحسب مراقبين.
اعتراف باختراق أمني
الدكتور حسين رويوران الأستاذ في كلية الدراسات العالمية في جامعة طهران رأى أن التفجيرات لم تستطع أن تفت في عضد التلاحم الداخلي بين الشعب والحكومة والرئيس روحاني فضلًا عن القيادة الدينية المتمثلة في المرشد الأعلى خامئني، مدللًا على ذلك بالآلاف التي قدرها بما يقارب المليون إيراني الذين شاركوا في تشييع جنازات القتلى الذين سقطوا ضحايا التفجيرات التي قام بها تنظيم داعش.
تقريرًا استراتيجيًا أمنيًا تحدث عن 100 محاولة لتنقيذ عمليات إرهابية في إيران خلال أقل من عامين
هذا واعترف الأكاديمي الإيراني في تصريحات خاصة لنون بوست أن ما حدث يُعد اختراقًا أمنيًا من جانب تنظيم داعش، بعدما نجاحه في الوصول إلى أهداف غاية في الحساسية والتأمين، إلا أنه استدرك قائلًا أن الأجهزة الأمنية نجحت في كشف المعنيين بالأمر، والذين قاموا بالتفجير ودعموا العمليات الأخيرة.
اتهام السعودية بالمسئولية سياسي وليس جنائي
الدكتور حسين رويوران يرى أن اتهام الحرس الثوري في إيران للسعودية بالوقوف خلف التفجيرات، هو من باب الاتهام السياسي وليس الجنائي بطبيعة الحال للأسباب التالية في وجهة نظره:
أولًا ـن السعودية تحتضن الأفكار التي ينظر إليها بأنها “تكفيرية” فضلًا عن انضمام عشرات السعوديين إلى تنظيم داعش، ثانيًا أن الأمير تركي الفيصل زار منظمة مجاهدي خلق في باريس وطالبها بعمليات في إيران بحسب ما ورد على لسان رويوران، وكذلك تصريحانت ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي تحدث فيها عن إمكانية نقل المعركة إلى الداخل الإيراني.
رسالة إلى إيران للتوقف عن سياساتها الخارجية
فيما أقر رويوران بأن التفجيرات غايتها توقف إيران عن السياسة الخارجية التي تنتهجها في الوقت الحالي ، مشددًا في الوقت نفسه على أن إيران ماضية فيما أسماه محاربة الإرهاب في كافة الدول المحيطة بها دون توقف.
اما الدكتور علي ميرزائي رئيس مركز المصطفى الإيراني للفكر فيرى أن الهجمات الأخيرة هذه أتت في السياق الطبيعي لما يجري في المنطقة. وهذا الأمر مرده إلى الدور الحيوي الذي تلعبه إيران في المنطقة برمتها في جبهات كثيرة في وجه الحركات المسلحة الإرهابية، وبخاصة في كل من العراق و سوريا على حد قوله.
ويرى ميرزائي أنه من الطبيعي أن تكون إيران هدفاًا استراتيجيًا للإرهاب المنظم والدولي سعيًا لوضع حد أمام تحركاتها الخارجية، لأن هذه المجموعات الإرهابية تم هندستها وإنشائها لمقاصد استراتيجية وجيوسياسية معروفة في الشرق الأوسط لها ارتباط مباشرة بمعادلات المنطقة و والاحتلال الإسرائيلي بالأساس.
التفجيرات غايتها توقف إيران عن السياسة الخارجية التي تنتهجها في الوقت الحالي
ويتعجب ميرزائي قائلا: “فأنا شخصيًا كنت مذهولاً لقدرة الأجهزة الأمنية الإيرانية على التحكم الأمني بالداخل و منع تفجير أي سيارة أو حزام ناسف أو انتحاري في تنفيذ أي عملية، علمًا بأن الأجهزة الأمنية الإيرانية بحسب تصريحات ميرزائي كانت قد أحبطت أكثر من 57 محاولة لمجموعات إرهابية تتبع أطرافًا متعددة قبل أن يتم اختراق طهران.
ويرى أيضًا أن هناك أجهزة مخابراتية إقليمية تعمل على اختراق الأمن و قتل المدنيين في عمليات داخل إيران منذ وقت طويل غير أنها أبقت على خلايا نائمو في بعض المناطق ليتم تحريكها وفقا لأجندات أمنية و سياسية معينة، وجدت هذه الأجهزة لحظة البلبلة الأمنية في المنطقة لحظة ملائمة لتنشيطها فحصل ما حصل.
و ربما أنها مجرد صدفة أن تأتي هذه العمليات متزامنة مع ما يجري بين إيران والسعودية من تصعيد خطير على جميع المستويات.
استهداف مجلس الشورى الايراني لا علاقة له بالأزمة السعودية القطرية
ميرزائي له رأي أخر في توقيت التفجير فيما يتصل بمدى إمكانية ربط ما جرى مع التصعيد السعودي القطري فهو لا يربط بعلاقة مباشرة بين الأمرين، لأن اختراق العاصمة وبالتحديد محيط المجلس النيابي ليس أمرًا سهلًا يتمكن منه المنفذون خلال هذه الأيام القليلة التي مرت على أحداث قطر والسعودية. إنها عملية دقيقة قد أخذت منهم أسابيع من العمل الدؤوب والتخطيط الدقيق. فيستبعد ميرزائي أن تأتي العملية في سياق التوتر الاستراتيجي بين قطر وبعض البلدان الخليجية.
100 عملية خلال عامين
وفيما يتعلق بمحاولات التفجير مرة اخرى من جانب داعش يقول ميرزائي: “لا شك أن المحاولات لم تتوقف يومًا. قرأت اليوم تقريرًا استراتيجيًا أمنيًا تحدث عن 100 محاولة خلال أقل من عامين. وعليه يعني هذا أن المحاولات مستمرة، ولكني أجزم في سياق التصعيد الإقليمي من جهة السعوديين والأميركيين فإن إحباطهما وخيبة أملهما في تحقيق شئ هام على الأرض سيؤدي إلى تكثيف العمل على المزيد من المحاولات و تغيير الوسائل لأجل إنجاح بعضها”
عناصر داعش الايرانيين
ويختتم ميرزائي حديثه إلى نون بوست أن الرسالة من التفجيرات هي اختيار المنفذين من الجنسية الإيرانية ليعلنوا أنهم نجحوا في اختراق المجتمع السني الإيراني، ولكن بالأساس ليست رسائل مثل هذه العمليات إلى الداخل بقدر ما هي السعي لإرسال إشارات قوية على أنها لا تزال حركة مسلحة حية تملك القدرة على التحرك العمليات في قلب إيران، إذ أن إيران في نظر داعش الآن رأس المواجهة ضدها.