كان فرح التونسيين يوم تعيين حكومة رئيس الوزراء الحالي مهدي جمعة باينا للعيان، وقد يفهم ذلك على أنه فرح بأمل جديد بعث في تونس أو على أنه فرح بخروج حكومة رئيس الوزراء السابق، علي العريض، المشكّلة من ائتلاف حكومي تترأسه حركة النهضة.
توجهت بالسؤال إلى القيادي البارز في حركة النهضة، لطفي زيتون، عن ما إذا كان خروج النهضة من السلطة التنفيذية هو سبب فرح التونسيين، فكان جوابه: التونسيون كانوا سعداء لأن تونس تجنبت الكارثة، فالتونسيون كانوا يعيشون خوفا من امكانية انهيار الثورة كما حصل في مصر وفقدان مكاسبها والتي كانت الحرية أهمها”.
وعند سؤاله عن ما إذا كانت التجربة التي خاضتها الحركة قد أقنعتها بالابتعاد عن السلطة التنفيذية مستقبلا قال زيتون: “لا، التجربة علمتنا أنه لا يمكن تسيير البلاد من خلال النمط التقليدي للحكم الديمقراطي في هذه المرحلة”، مضيفا: “الشعب ينتظر من الطبقة السياسية أن تظهر درجة من النضج تجعلها تتوافق وتتخلى عن ثنائية الحكومة والمعارضة”.
وعن الحكومة الحالية والخيار الذي تبنته الطبقة السياسية في تونس يقول زيتون أنها “حكومة سياسية لا لون لها”، مضيفا أن تونس تحتاج خلال الخمس سنوات أو العشر سنوات القادمة نمطا سياسيا مشابها للحكومة الحالية، تكون فيه الحكومة واقفة على نفس المسافة من كل الأطراف السياسية في البلاد، مؤكدا أن الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني تبحث الآن عن الصيغة التوافقية المناسبة لتسيير الحكم في المراحل القادمة.
وحسب لطفي زيتون فإن التوافق السياسي حول الدستور وحول الحكومة ساهم في لم شمل المجتمع التونسي وجعله أكثر صلابة في وجه الانقسامات، ويقول: “الإرهاب لعب في السابق على تعميق الصراع بين الأطراف السياسية، ورد فعل الأطراف السياسية لم يخيب الإرهابيين وسايرهم في تعميق الصراعات والخلافات”، كما يعود لطفي زيتون للتأكيد مرة أخرى على أن الوضع المجتمعي الآن أكثر صلابة وأكثر قدرة على تحمل الصدمات المشابهة لتلك التي تلقاها إثر اغتيال السياسي شكري بلعيد والبرلماني محمد البراهمي.
وعند متابعة خطاب قيادات حركة النهضة فإنه من السهل ملاحظة امتناعها عن التهجم على خصومها السياسيين وحديثها الدائم عن التوافق الوطني وهو ما فعله رئيس حركة النهضة في أهم حضور إعلامي له في الفترة الأخيرة عندما تحدث عن “دماثة أخلاق” أهم خصومه السياسيين رئيس حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي.
غير أن التغير في خطاب النهضة يواجه بتشبث من المعارضة بنفس الخطاب القديم، فالباجي قائد السبسي ردد في كل تصريحاته التي استقالة حكومة علي العريض، أن المعارضة هي التي أطاحة بحركة النهضة وأن استقالة النهضة جاءت بسبب فشلها في إدارة شؤون البلاد، في حين تواصل القيادات اليسارية اتهامها لحركة النهضة بالمسؤولية عن “الإرهاب”.
تناقض علق عليه لطفي زيتون بالقول: “السلوك السياسي الناضج لا يقوم على رد الفعل، نحن غير مستعدون لمعاداة من يعادينا فالعداء هو قرار سياسي داخلي لا يمكن أن يكون في شكل رد فعل.. بعض الأطراف السياسية الصغرى تهاجم طرفا سياسيا كبيرا حتى يرد عليها.. ولسنا مجبرين على الرد، بإمكاننا تجاهلهم”.
ويضيف زيتون في نفس السياق: “برنامجنا الذي اقتنعنا به من خلال تجربتنا هو الوفاق والمصالحة والبحث عن أوسع ما يمكن من التفاهم حتى نتفرغ للمطالب الحقيقية للثورة، ولسنا معنيين بتعميق الخلافات والصراعات.. حتى إن كانت الأطراف الأخرى تريد ذلك”.
وعند الحديث عن الوفاق والمصالحة من جهة وتحقيق أهداف الثورة من جهة أخرى، فإن التساؤل الذي طرحته على زيتون هو عن إمكانية الحفاظ على الانسجام المجتمعي وتحقيق أهداف الثورة في نفس الوقت، فكان رده: “الثورة هي أعلى درجات الانسجام المجتمعي.. فالتونسيون قدموا سلوكا مثاليا في الانسجام المجتمعي في الفترة التي تلت الثورة”.
ويمضي زيتون قائلا: “الذين يظنون أن الثورة تتعارض مع الانسجام المجتمعي هم من يظنون أن الثورة جاءت معالجة الخلافات الآيديولوجية أو الخلافات السياسية، والثورة لم تأتي لهذا الغرض، وإنما جاءت للإطاحة بالدكتاتورية ولرفع مطالب تخص الشعب وليس لرفع مطالب تخص فئة سياسية مضطهدة”.
وأما بالنسبة للمنتمين إلى منظومة النظام السابق فيرى زيتون أن الديكتاتورية انتهت يوم 14 يناير وأن المنتمين إليها يجب أن يحاسبوا كأفراد أمام القضاء، وأنه لا يمكن استخدام القانون لمنع أي شخص من حمل فكر سياسي معين، ويقول: “يجب على الأطراف السياسية أن لا تدخل في صراعات تهدد البناء الجديد.. وأخطر أنواع هذه الصراعات هو صراع الهوية وقد أنهى الدستور الجديد هذا الصراع وقيده بحدود”.
وعن المخاطر والتحديات التي ستواجهها تونس في المرحلة القادمة، قال زيتون أن أخطرها هو التحدي الاقتصادي والذي يحتاج إلى “بلورة نموذج اقتصادي ناجح لإنقاذ البلاد من الإفلاس”، ويليه في ذلك خطر “العجز عن التوحد في مقاومة الإرهاب”، حيث أكد على خطورة “قيام جزء من الطبقة السياسية بتوظيف الإرهاب ضد جزء آخر” وهو ما حدث في الفترة الماضية إذ استخدمت الأعمال الإرهابية لاتهام الائتلاف الحكومي بالفشل.
وعن الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تقام خلال هذه السنة، قال زيتون أن الانتخابات الرئاسية تسبب دائما حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع، مشيرا إلى أن التجربة المصرية لا تشجع على الدخول في هذا الانقسام الذي قد يحوله “نقص النضج السياسي” إلى صراعات قد تؤدي إلى انهيار التجربة بالكامل.
وأما عن الغضب الذي يمكن ملاحظته لدى نسبة من قواعد حركة النهضة جراء ما يسمى ب”تنازلات الحركة” التي تواجهها المعارضة بمزيد من التهجم عليها، والخوف من انفجار هذا الغضب، قال زيتون: “قواعد الحركة عموما تقبلت سياساتها، ويستبعد حدوث أي انقسامات داخلية، وأما بالنسبة للغضب في وجه خصوم النهضة فحتى إن وقع فإنه سيكون غضبا شعوريا”، مشيرا إلى أن قواعد النهضة أثبتت سلميتها مرارا قبل الثورة وبعدها.