ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: غلين كاري ومارك تشامبيون الصحفيان ببلومبورغ
تحاول السعودية التقليل من شأن قطر من خلال الإجراءات التي اتخذتها مؤخرا. ولعدة أسباب، يمكن أن يؤدي هذا التوتر الذي يدور بين جيران الخليج العربي إلى الإضرار بأكبر مُصدر للنفط في العالم، حتى لو فاز في هذا الصراع.
طوال الأسبوع الحالي، فرض السعوديون وحلفاؤهم ضغوطا على قطر من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية معها وفرض حصار اقتصادي عليها بري وبحري وجوي. في الحقيقة، إن الهدف المعلن هو إجبار قطر على “التوقف عن دعم منافسة المملكة في المنطقة، إيران، وتمويل الجماعات الإرهابية الناشطة في جميع أنحاء المنطقة”، بحسب الاداعاءات السعودية. في حين، تقول قطر إنها تُعاقب على أشياء لم تفعلها.
وتجدر الإشارة إلى أن جذور هذا الخلاف تعود إلى فترة طويلة، إلا أنه مؤخرا قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة. في الواقع، إن هذا الصراع الخليجي القطري قد اندلع في منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالحروب والمعارك وبؤر التوتر، مع العلم أن المملكة العربية السعودية سعت لفرض سيطرتها في كل من سوريا واليمن.
والجدير بالذكر أن هذا الخلاف القائم بين الدوائر الداخلية للملوك الخليجية قد نشب في الوقت الذي كان يبحث فيه السعوديون والأمير محمد بن سلمان عن استثمار أجنبي لتحديث نظام البلاد الاقتصادي الذي يعتمد بالأساس على عائدات النفط.
في هذا السياق، قال يزيد صايغ، الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن “ما يثير القلق أكثر هو أن تُكرّر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات نفس الأخطاء التي ارتكبتها في السابق، عندما قررت القيادة السعودية شن حرب على اليمن.
وأضاف يزيد صايغ أنه “لم يكن لديهم إستراتيجية سياسية واضحة، واستندوا إلى افتراضات خاطئة، مما جعلهم يتكبدون تكاليف مالية باهظة، فضلا عن أنهم تسببوا في خسائر بشرية فادحة. علاوة على ذلك، ربما تكون هذه الحرب قد أثّرت سلبا على أمنها الداخلي”.
وكما هو الحال في جميع الاشتباكات الإقليمية الأخرى، انجذبت الكثير من القوى الخارجية إلى الخلاف الخليجي، إذ لم تكن جميعها في صف السعوديين. فقد قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي زار المملكة الشهر الماضي، بنشر تغريدة على موقع “تويتر” دعما للحملة التي تقودها السعودية ضد قطر. في المقابل، اتخذ البنتاغون الأمريكي، الذي يملك إحدى أكبر القواعد العسكرية الخارجية في قطر، ووزارة الخارجية الأمريكية موقفا أكثر حيادا من الإدارة الأمريكية.
إن “تركيا تملك جيشًا قويًا” وإيران ترسل المياه والغذاء، لذلك نستنتج أن قطر تحظى في الوقت الراهن بدعم اثنين من القوى المهمة في المنطقة”
علاوة على ذلك، عجّلت تركيا بخطط سابقة من خلال نشر بعض القوات في قطر، بينما عرضت إيران طرق نقل بديلة وإمدادات من السلع الأساسية التي لم يعد من الممكن لقطر استيرادها من المملكة العربية السعودية. في الحقيقة، إن هذا الدعم الذي تلقته قطر من شأنه أن يقلل من فرصة تحقيق المملكة العربية السعودية لانتصار سريع على جارتها.
في الإطار ذاته، قال بول سوليفان، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون في واشنطن، إن “تركيا تملك جيشًا قويًا” وإيران ترسل المياه والغذاء، لذلك نستنتج أن قطر تحظى في الوقت الراهن بدعم اثنين من القوى المهمة في المنطقة”.
انقلاب
من وجهة النظر السعودية، تثير قطر الكثير من المتاعب في المنطقة، نظرا لأنها تدعم جماعة الإخوان المسلمين، التي لا يميل لها بعض الملوك الخليجيين ويرفضون وصولها إلى السلطة. فضلا عن ذلك، تمتلك قطر علاقات ودية مع إيران، التي تتشارك معها في تطوير حقل غاز عملاق. كما ترعى قطر شبكة الجزيرة الفضائية التي تنتقد باستمرار حلفاء السعودية. ومن بين التهم المنسوبة لقطر نجد دعمها لتنظيميْ القاعدة والدولة، وهو أمر اتهمت أيضا به السعودية وأنكرته، والأمر سيان بالنسبة لقطر.
وتعليقا على الخطوات التي اتخذتها القيادة السعودية، صرّح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، يوم الأربعاء أن “قطر اتخذت، منذ سنوات، عدة خطوات لدعم بعض المنظمات، فضلا عن أنها تدخلت في الكثير من القضايا”. وأضاف الجبير، “إننا نعتبر قطر دولة شقيقة، لكن هذا لا ينفي أنه عليك أن تكون قادرا على إخبار صديقك أو أخيك ما هو الخطأ والصواب”.
قطر تملك صناديق سيادية موزعة في شركات عالمية، على غرار فولكس فاجن وباركليز، تبلغ قيمتها 335 مليار دولار
من جهة أخرى، لمّحت كل من السعودية والإمارات إلى أنهما سوف تتخذان المزيد من الخطوات للوصول إلى مبتغاهما، بما في ذلك فرض المزيد من القيود على الإقراض المصرفي لقطر، وعلى المعاملات بالريال. لكن مما لا شك فيه أن قطر، تلك الدولة التي تزخر بثروات هائلة من الغاز الطبيعي، تمتلك موارد مالية خاصة بها ستُمكنها من تحمّل الحصار الاقتصادي المفروض عليها. والجدير بالذكر أن قطر تملك صناديق سيادية موزعة في شركات عالمية، على غرار فولكس فاجن وباركليز، تبلغ قيمتها 335 مليار دولار.
في هذا الصدد، أفادت الزميلة سانام فاكيل، المشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس في لندن، بأن قطر ستكون متحمسة لمقاومة الحصار السعودي لأنه سوف يمكنها من تغيير نظامها. وأكدت فاكيل أن “استسلام قطر لمطالب السعودية سوف يشكل تحديا لسيادتها، وبالتالي لشرعية الأسرة الحاكمة”.
العيش للأبد
لم ترضخ قطر للسعودية حتى اللحظة الراهنة وانتهى الأسبوع الأول من المواجهة بتحدي قطر لهذا الحصار. وفي هذا الشأن، صرّح وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أثناء مؤتمر صحفي عُقد في الدوحة، أن “واردات المواد الغذائية، التي تأتي عادة عبر الحدود السعودية، قد حصلنا عليها من مصادر أخرى”. وأكد الوزير “يمكننا أن نعيش إلى الأبد على هذه الحال”. وأضاف “لسنا مستعدين لمناقشة أي تدخل في سيادتنا”.
وفقا لما ذكره جيمس ريف، وهو كبير الاقتصاديين في لندن في مجموعة سامبا المالية، فإن هذا لا يعني أن الضغط لن يؤثر في نهاية المطاف على قطر. ونظرا لأن الاقتصاد السعودي يعتبر أكبر بأربع مرات من الاقتصاد القطري، وسكانها أكثر بعشرة أضعاف، فسوف تساعد السوق الداخلية للسعودية في منع تكبّد البلاد أي خسائر مادية.
أتت هذه الأزمة في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى جمع مليارات الدولارات من المستثمرين الأجانب من خلال بيع أسهم شركة أرامكو النفطية
في الوقت الراهن، تتجادل أسواق الأسهم حول من سيكون عرضة أكثر للخطر. ففي حين لم تشهد الأسهم السعودية إلا انخفاضا طفيفا خلال هذا الأسبوع، انخفضت الأسهم القطرية بنسبة أكثر من 7 في المائة. وفي الإطار نفسه، أضاف جيمس ريف أن “أي نزاع من هذا النوع من المحتمل أن يفسد مناخ الاستثمار في كافة الدول”. وأكد الخبير الاقتصادي أنه “سيتم تذكير المستثمرين دائما بأن هذه منطقة يمكن أن تشهد أزمات سياسية غير متوقعة”.
في الواقع، لا تستطيع المملكة العربية السعودية تحمل تداعيات الأزمات التي تؤدي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي تساهم في اندلاعها. وقد أتت هذه الأزمة في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى جمع مليارات الدولارات من المستثمرين الأجانب من خلال بيع أسهم شركة أرامكو النفطية.
وزير الخارجية الإماراتي: “سمعة الخليج كوجهة مستقطبة لرؤوس الأموال يمكن أن تتضرر، لذلك لا أستطيع أن أنكر أن هذا الخلاف سيكلفنا الكثير من الخسائر”
بالإضافة إلى ذلك، صرّح وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في مقابلة صحفية أجراها يوم الأربعاء أن “سمعة الخليج كوجهة مستقطبة لرؤوس الأموال يمكن أن تتضرر، لذلك لا أستطيع أن أنكر أن هذا الخلاف سيكلفنا الكثير من الخسائر”. إلا أنه لا يوجد بديل لمواجهة قطر لأن دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى لا تستطيع أن تثق في شريك “يحدث ازدواجية في سياسات المجلس”.
الشعور بالقلق
في هذا الصدد، أفاد كبير المستشارين في شركة “غولف ستات أناليتيكش”، “ثيودور كاراسيك بأن “قطر إذا أرادت أن تقاتل في هذه الحرب، فإنها قد تهدد بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، ما من شأنه أن يضرب جهود السعودية التي تسعى لمزيد توثيق العلاقات مع دول المجلس”.
وفي الإطار ذاته تابع كاراسيك، “يمكن أن تبدأ قطر عملية الخروج من المجلس وسيكون ذلك بمثابة رسالة قوية لجميع الأطراف المعنية بهذه المسألة، ومن المرجح أن هذا الحصار سوف يساعد قطر في الحصول على دعم تركيا وإيران وحتى روسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن دولة الكويت، التي تعتبر من أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي، تبذل جهودا كبيرة لكي لا تتصاعد وتيرة الخلاف بين البلدان المتنازعة. فقد سافر أمير دولة الكويت إلى السعودية وقطر هذا الأسبوع لإجراء مناقشات لم يتم الإعلان عن نتائجها بعد. فضلا عن ذلك، اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس أن يكون وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، وسيطا في هذه الأزمة.
وجهت قوات الحرس الثوري الإيراني اللوم إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ووعدت بالانتقام
والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي هو من شجّع المعسكر السعودي على اتخاذ مثل هذه الخطوات، نظرا لأن ترامب تعهّد باتخاذ توجّهٍ أكثر صرامة تجاه إيران، فضلا عن أنه أعلن أن الملك سلمان سيكون شريكه الرئيسي في المرحلة المقبلة.
وفي شأن ذي صلة، تعد هذه الأحداث أحد الأسباب التي دفعت تنظيم الدولة إلى ضرب مركز مدينة طهران للمرة الأولى، خلال هذا الأسبوع. وعلى إثر ذلك، وجهت قوات الحرس الثوري الإيراني اللوم إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ووعدت بالانتقام.
في الحقيقة، تمثل هذه التطورات مثال آخر على كيفية تصلّب خطوط القتال في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، أعرب “سوليفان” عن قلقه نظرا لأن “الدول الخليجية المتورطة في هذا الخلاف تعتبر من آخر الأماكن في المنطقة التي تعيش في سلام”.
المصدر: بلومبورغ