هجوم كاسح غير مسبوق شنّه مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الجنرال ياسر العطا، على دولة الإمارات العربية المتحدة، واصفًا إياها بـ”دولة مافيا”، وبأنها “دولة تحب الخراب وتمشي خطى الشر”، وقال العطا إن الإمارات في عهد مؤسِّسها الشيخ زايد كانت “دولة الخير والعطاء”، قبل أن يستدرك بقوله: “لكن الخلف خلف شر”.
وكشف الجنرال ياسر الذي يشغل في الوقت نفسه منصب “عضو مجلس السيادة الانتقالي”، أن تقارير الاستخبارات العسكرية السودانية والمخابرات العامة ووزارة الخارجية، أكّدت تورُّط دولة الإمارات في دعم “الجنجويد” بالسلاح عبر مطار عنتيبي في أوغندا ومنها إلى أفريقيا الوسطى، إبّان سيطرة قوات فاغنر على بانغي، وأردف أن الدعم الإماراتي يتم حاليًّا عبر مطارَي أم جرس وإنجمينا التشاديَّين، بتسهيل من نافذين “مرتشين” في الحكومة التشادية.
وفي حديثه لضباط وجنود المخابرات العامة في أمدرمان، كال الجنرال ياسر العطا الاتهامات أيضًا لحكومة بنغازي الليبية بالتورُّط في دعم حميدتي، وحذّرها من تبعات ما وصفه بـ”العبث”، مهددًا أي دولة تشارك في دعم “التمرد” بقوله: “نخشى أن تدور على هذه الدول الدوائر، ونذكرهم بخبرة الأجهزة المخابراتية السودانية في رد الدَّين والصاع صاعَين”، غير أنه أشاد بموقف حكومة طرابلس (الوفاق الوطني) المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وأثنى كذلك على جهود مصر لاستقبالها مئات الآلاف من المواطنين السودانيين، بالإضافة إلى تشاد وجنوب السودان لاستضافتهما أعدادًا مقدرة من السودانيين، كما أشاد بالسعودية وقطر والكويت وعُمان والجزائر والأردن وتركيا.
وأضاف: “نحن لا ننسى فضل الأصدقاء. حتى الولايات المتحدة الأمريكية رغم التحفظات الكثيرة نشكرها على اهتمامها بأمر إيقاف الحرب. وكل المنظمات الأممية التي أدانت جرائم “الجنجويد المتوحشين””، وفقًا لتعبيره.
للمرة الثانية يتحدث العطا عن دعم الإمارات لقوات حميدتي
لتسليط الضوء على تصريحات الجنرال ياسر العطا، تحدث “نون بوست” إلى المحلل والمدون المهتم بالشؤون العسكرية ياسر مصطفى، الذي كشف أن مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية وجّه قبل عدة أشهر اتهامات لدولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، خلال تنوير مع ضباط وجنود المخابرات العامة، لكنّ حديثه آنذاك لم يتم نشره.
وقال مصطفى إن اتهامات ياسر العطا للإمارات تكررت للمرة الثانية خلال حديث لعناصر المخابرات العامة بشكل حصري، موضّحًا أنه قصدَ بذلك لفت نظر قادة أبوظبي إلى أنه بإمكان المخابرات السودانية زعزعة استقرار دول جوار السودان، ما يعني ضرب مصالح الإمارات في تلك الدول.
وأضاف أن العطا شدّد على خبرة أجهزة الأمن السودانية في تغيير رؤساء وحكومات الدول المجاورة، لذلك رسالته تصبّ في اتجاهَين: الأول قيادة دولة الإمارات، والثاني قيادات دول الجوار المتورّطين في إدخال السلاح للدعم السريع، بحسب محدثنا.
الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي قال لـ”نون بوست” إن خطاب الجنرال ياسر العطا موجّه إلى بريد عدة دول مثل روسيا والإمارات، بالإضافة إلى دول الجوار مثل تشاد وأوغندا وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى رسائل الشكر للدول التي دعمت السودان مثل السعودية وقطر وسلطنة عُمان وغيرها.
وأضاف أن خطاب العطا حمل رسائل تحذير إلى دول الجوار والإمارات، كما اتفق زمراوي مع محدثنا الآخر ياسر مصطفى إلى أهمية النظر إلى رمزية المكان الذي تحدث منه الجنرال (مقر جهاز المخابرات)، موضّحًا أن قوة العمليات التابعة للجهاز كانت تمثل قوة موازية للدعم السريع في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وهي تشارك بفعالية في العمليات الحالية ضد الدعم السريع.
ولفت زمراوي إلى تحذيرات الجنرال ياسر العطا لدول الجوار ودولة الإمارات، من قدرة جهاز المخابرات على تغيير الأوضاع في دول الجوار مثلما حدث في ليبيا عام 2011.
فيما يتعلق بإمكانية اتخاذ الجيش السوداني إجراءات تصعيدية لاحقة ضد الإمارات، مثل طرد سفيرها المقيم حاليًّا في مدينة بورتسودان، لا يتوقع المحلل ياسر مصطفى أن يتخذ الجيش تلك الخطوة، ولا يتوقع أيضًا أن تردَّ أبوظبي على هجوم الجنرال العطا رغم حدّته، مشيرًا لـ”نون بوست” أن الأخير هاجم من قبل الرئيس الكيني وليام روتو، ورغم ذلك قام قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان بزيارته والاجتماع معه في نيروبي في وقت لاحق.
يتفق الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي، مع محلل الشؤون العسكرية ياسر مصطفى في توقعاته بعدم تسرُّع دولة الإمارات في الرد على تصريحات الجنرال ياسر العطا “على المدى القريب”، لكنه لم يستبعد تمامًا في حديثه لـ”نون بوست” فرضية ردّ أبوظبي، باعتبار أن تصريحات العطا مسّت رأس الدولة وكانت واضحة وصريحة وقوية جدًّا، مضيفًا: “سنرى ما ستسفر عنه الأيام القادمة”.
تقارير غربية تؤكد دعم الإمارات لحميدتي
في أغسطس/ آب الماضي، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير لها، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم دعمًا عسكريًّا لقوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني.
وقالت الصحيفة إن طائرة شحن إماراتية هبطت في مطار أوغندي بداية يونيو/ حزيران الماضي تأكد أنها كانت تحمل أسلحة وذخيرة، في الوقت الذي كانت تُظهر فيه وثائق رسمية أن الطائرة تحمل مساعدات إنسانية إماراتية إلى اللاجئين السودانيين.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أوغنديين قولهم إن الطائرة الإماراتية سُمح لها بعد ذلك بمواصلة رحلتها إلى مطار أم جرس شرق تشاد، وأكّدوا أنهم تلقّوا بعد ذلك أوامر من رؤسائهم بالتوقُّف عن تفتيش الرحلات القادمة من الإمارات العربية المتحدة، وجرى تحذيرهم من التقاط أي صورة لتلك الطائرات.
في سبتمبر/ أيلول الماضي، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن دولة الإمارات تدير عملية سرية معقّدة لدعم قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، في حربها ضد قوات الجيش السوداني.
وتابعت الصحيفة أن الطيران الإماراتي الذي يهبط في السودان بشكل شبه يومي، بذريعة تنفيذ عمليات إغاثة للاجئين، ينقل الأسلحة، ويعمل على علاج مصابي قوات الدعم، ونقل الإصابات الخطيرة منهم إلى مستشفيات الإمارات.
ولفتت الصحيفة عن مصادر خاصة لم تسمّها، أن العمليات تجري يوميًّا في مطار ومستشفى في بلدة نائية على الحدود مع تشاد، وأكدت أن مقاتلي الدعم السريع استخدموا في الأسابيع الأخيرة صواريخ من نوع “كورنيت”، زودتهم بها الإمارات لمهاجمة فيلق مدرّع للجيش السوداني في العاصمة الخرطوم.
من جهتها، دعت مجلة “ذا ناشيونال إنترست” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الإمارات إلى قطع علاقاتها ودعمها للميليشيات السودانية، وقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
ووفقًا لتحليل المجلة، فإن تورُّط الإمارات في الصراع بات واضحًا للعيان، مشيرة إلى أنه وبينما كان الدبلوماسيون يغادرون السودان، تحدث مراسلون محليون عن غياب السفير الإماراتي حمد الجنيبي في الخرطوم عندما اندلعت الحرب.
وأعقبت ذلك، بحسب تحليل المجلة، عودته المفاجئة إلى بورتسودان عن طريق البحر في الأيام الأولى للصراع، في وقت تم فيه إغلاق المجال الجوي في عموم البلاد عقب اندلاع أعمال العنف.
ويقول التحليل إن العلاقة بين الإمارات وقوات الدعم السريع “موثقة جيدًا”، وقد تم نشر قوة سودانية تتألف في المقام الأول من مقاتلي قوات الدعم السريع في اليمن للقتال كجزء من التحالف السعودي الإماراتي لاستعادة حكومة عبد ربه منصور هادي التي أُطيح بها.
قاعدة أبو عمامة البحرية.. رسالة في بريد الإمارات
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، افتتح اللواء ركن بحري محجوب بشرى رحمة، قائد القوات البحرية السودانية، قاعدة أبو عمامة البحرية العسكرية على ساحل البحر الأحمر، بالقرب من منطقة جرى تخصيصها سابقًا لاستثمارات إماراتية تضم مشروع ميناء أبو عمامة ومنطقة أبو عمامة الاقتصادية.
اعتبر مراقبون ومحللون حينها افتتاح القاعدة بأنه يشكّل تجميدًا للمشروع الذي سبق الاتفاق عليه مع الإمارات في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقد تعقّد الإبقاء عليه وتنفيذه في ظل الدعم العسكري والسياسي والإعلامي الإماراتي لقوات الدعم السريع.
صفقة تطوير وتشغيل ميناء أبو عمامة كانت تشمل حزمة استثمارية بقيمة 6 مليارات دولار، تتضمن منطقة اقتصادية ومطارًا ومنطقة زراعية بمساحة 400 ألف فدان، مع ترتيبات لإنشاء طريق بطول 450 كيلومترًا لربط الميناء بمنطقة أبو حمد الزراعية في ولاية نهر النيل.
افتتاح قاعدة أبو عمامة البحرية التي تعدّ بمثابة إنهاء ضمني للمشروع الاستثماري الإماراتي الضخم، دلَّ على بداية التحرك الفعلي للجيش السوداني ضد الإمارات، نتيجة لموقفها الداعم بشدة لقوات حميدتي.
لذلك من الصعب القول إن اتهامات الفريق ياسر العطا كانت في لحظة انفعال لحظي، بل من الأرجح أنها تمثل موقف الجيش السوداني، بدليل تكرار نشرها على الصفحات الرسمية للقوات المسلحة السودانية في مواقع التواصل الاجتماعي عدة مرات.
حتى وقت قريب، كانت قيادة الجيش السوداني توجّه الاتهامات لداعمي الميليشيا بشكل ضمني فقط دون ذكرهم، لكن كشف الغطاء عن أسمائهم لا يمكن أن يكون صدر من الجنرال العطا دون تنسيق مع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، خاصة أن الأول أشار إلى المعلومات التي قدمتها 3 جهات، هي جهاز المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية، كلها تقول إن دولة الإمارات نقلت عبر الطائرات أسلحة متقدمة للدعم السريع عبر مطارات في أوغندا وأفريقيا الوسطى وتشاد.