أفرزت الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والإمارات والسعودية ودول أخرى من جهة أخرى نتائج عكسية على الملف السوري السياسي، فكل من قطر والسعودية لديهما حضور بممثليهما في اجتماعات المحادثات السورية في أستانة وجنيف، حيث تشاركان بفعالية مثل إيران وتركيا، ولهما ثقل في الملف السوري من خلال دعمهما للفصائل المقاتلة والهيئات السياسية المعارضة.
وبسبب الأزمة الخليجية تأجلت جولة مفاوضات أستانة الخامسة السورية حتى لا تكون أجواؤها عرضة للتأثر المباشر بتطورات الأزمة، إذ أعلنت الخارجية الكازخستانية أول أمس الخميس عن تأجيل مفاوضات أستانة التي كانت مقررة في يومي 12 و13 من يونيو/حزيران الحالي بين وفدي المعارضة والنظام وبحضور ممثلين عن الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وتم تحديد يوم 20 من الشهر الحالي ليكون موعدًا للمفاوضات، وفي الوقت الذي لم يُعلن فيه الأسباب الذي تم تأجيل الاجتماع لأجلها، يرى مراقبون أن الاجتماع تأجل لحين حل الأزمة الخليجية أو تلمس معالم الحل على الأقل.
بينما أبلغ كل من روسيا وإيران وتركيا في أستانة أن خبراء هذه الدول سيواصلون العمل من عواصمهم في الأيام المقبلة للتنسيق في مسائل تطبيق الاتفاقات الخاصة بإنشاء أربع مناطق لتخفيف التوتر في سوريا كما تم الاتفاق عليه في مفاوضات أستانة الأخيرة، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه بحث تسوية الوضع السوري وتأثره بالوضع في قطر مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وقال لافروف إن موسكو وطهران تدعوان إلى تسوية هذه الأزمة على طاولة المفاوضات.
لدى كل من قطر والسعودية حضور بممثليهما في اجتماعات المحادثات السورية في أستانة وجنيف حيث تشاركان بفعالية مثل إيران وتركيا
من جانب آخر يُعتقد أن الأزمة الخليجية أثرت بشكل أو بآخر على مسار مكافحة الإرهاب في المنطقة الذي تتبناه واشنطن في التحالف الدولي الذي تقوده ضد داعش في مدينة الرقة السورية والموصل العراقية، وتعتبر كل من السعودية وقطر من الداعمين لجهود محاربة الإرهاب بالتعاون والتنسيق مع واشنطن، إذ دعا الرئيس الأمريكي ترامب في مؤتمر صحفي له أمس الجمعة، قطر للقيام بمزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب واتهم قطر بأنها قامت تاريخيًا بتمويل الإرهاب.
وقال وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون إن الأزمة الخليجية ستؤثر على المعركة التي يقودها الجيش الأمريكي ضد “داعش” ويضر بالعمليات العسكرية ضد الإرهابيين، وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع أدلى بتصريحات مناقضة لتصريحات تيلرسون إذ قال إن الحصار المفروض على قطر لا يؤثر بتاتًا على العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية ضد داعش في كل من الرقة السورية والموصل العراقية، وقال المتحدث جيف ديفيس: “في هذه المرحلة ليس هناك أي تأثير للحصار المفروض على قطر على عملياتنا”.
معركة الرقة في يومها الخامس
ميدانيًا لا تزال الساحة السورية ملتهبة جدًا على عدة جبهات في الرقة وجنوب سوريا بدرعا وفي البادية السورية، ودخلت معركة الرقة يومها الخامس على التوالي في ظل وجود آلاف المدنيين محاصرين في المدينة التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش الذي عمد إلى زرع ألغام في المناطق التي تخرج عن سيطرته، ويتسبب انفجارها وقوع عدد كبير من المدنيين بين قتيل وجريح.
وقد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية التي تشن الحملة على الرقة بدعم من واشنطن، من السيطرة على حي المشلب شرق مدينة الرقة بعد معارك استمرت لثلاثة أيام في الحي، كما تمكنت أيضًا من السيطرة على الفرقة 17 ومعمل السكر التي تعد خطوط الدفاع الأولى للتنظيم عن المدينة، وتركز المليشيات الكردية بدعم من طيران التحالف الدولي ضد الإرهاب على محاولات التقدم من الجهتين الشرقية والغربية بمحاذاة الضفة الشمالية من نهر الفرات، وذلك لفرض طوق يجبر عناصر التنظيم على الانسحاب من المدينة.
تركز المليشيات الكردية على محاولات التقدم من الجهتين الشرقية والغربية لمدينة الرقة بمحاذاة الضفة الشمالية من نهر الفرات، وذلك لفرض طوق يجبر عناصر تنظيم داعش على الانسحاب من المدينة
وليست الألغام المزروعة وحدها من تقتل المدنيين في الرقة، بل أيضًا طائرات التحالف الدولي التي تمطر أحياء الرقة ضد داعش، حيث ذكرت حملة “الرقة تذبح بصمت” أن طائرات التحالف الدولي قصفت أحياء مدينة الرقة الغربية بقنابل تحوي مادة الفوسفور الأبيض وأدت لمقتل نحو 14 مدنيًا وجرح آخرين.
من سيحظى بالبادية السورية
دخلت المواجهة في البادية السورية مرحلة جديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي من جهة وإيران وحلفائها من النظام السوري والمليشيات العراقية من جهة أخرى، فإيران لا تزال مصرة على إيجاد طريق لها عبر البادية السورية يصل العراق بسوريا إلى لبنان حتى البحر المتوسط، في ظل محاولات حثيثة من التحالف الدولي لمنعها من ذلك.
وقد عملت قوات التحالف في سبيل هذا إلى توسيع مناطق سيطرتها وأسقطت طائرة إيرانية دون طيار قصفت موقعًا تابعًا لقوات التحالف الدولي تابعًا لفصيل سوري هو مغاوير الثورة، علمًا أن الطائرة تم إسقاطها على بعد 60 كيلومترًا من المنطقة المحددة سلفًا من قبل قوات التحالف الدولي على أنها منطقة منع تصادم، وتقع في محيط منطقة التنف الحدودية مع العراق والأردن، وأخبرت الجميع أن هذه المنطقة منطقة منع تصادم وطلبت من قوات النظام السوري وحلفائه مغادرتها فورًا.
وتعد هذه الغارة الثالثة في أقل من شهر للغارات التي تنفذها الولايات المتحدة ضد قوات النظام السوري وحلفائه، بعدما استهدفت طائرات التحالف الدولي عربتين لقوات موالية للنظام السوري شكلت خطرًا على قوات التحالف قرب قاعدة التنف الحدودية.
عملت قوات التحالف في سبيل منع إيران من إيجاد طريق بري يصل العراق بسوريا إلى توسيع منطقة منع التصادم المحددة بالقرب من منطقة التنف وأسقطت طائرة إيرانية دون طيار قصفت موقعًا تابعًا لقوات التحالف الدولي
ويرى مراقبون أن لتوسيع منطقة منع التصادم غرض واحد هو تأمين خطوط وصول باتجاه الشمال الشرقي إلى دير الزور، وتشكل هذه المنطقة المحاذية للحدود العراقية نقطة عمق في البادية السورية يمكن استخدامها للوصول إلى ريف دير الزور، الذي من المتوقع أن تكون هناك معاركًا حاسمة بعد معركة الرقة وطرد داعش من هناك، وهذا بحد ذاته تهديد استراتيجي لإيران يقضي بمنع وصلها للحدود العراقية السورية.
في غضون هذا تعمل طهران على حشد المليشيات التابعة لها في العراق على الحدود مع سوريا، من بين تلك المليشات الخراساني والنجباء وبدء والبدلاء والإمام علي والعصائب، وهذه المليشيات تعد الأكثر تبعية لإيران في العراق، إذ لا تزال تحتشد من جهة محافظة نينوى في المحور الشمالي للعراق، وقد بلغ عدد عناصر الحشد حتى الآن أكثر من 30 ألف عنصر ويرافقهم وحدات من الحرس الثوري الإيراني ومستشارين يتبعون لحزب الله.
تتركز الميليشيات على مساحة 27 كيلومترًا على الحدود العراقية السورية وعلى طول 12 كيلومترًا بين قرى جبل سنجار وطريق خويبرة السوري الذي يعتبر طريق ربط العراق بسوريا من جهة الحسكة.
تعمل طهران على حشد المليشيات التابعة لها في العراق على الحدود مع سوريا بهدف تعزيز وجودها والتدخل في معارك داخل سوريا في حال اقتضت الحاجة لذلك
وعلى الرغم من طلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انسحاب المليشات من الشريط الحدودي مع سوريا وإبلاغهم رفضه انتقال تلك المليشيات إلى داخل المناطق السورية، فإنها لم تعر أي اهتمام لتلك الطلبات واستمرت بالحشد بأوامر مباشرة من إيران، وكان العبادي قد قال سابقًا: “لا نريد لقواتنا وأبنائنا أن يشاركوا بالقتال خارج الحدود ولا نريد زعزعة أمن الدول فدستورنا لا يسمح لنا بذلك”.
في حين أشار القيادي هادي العامري وهو مدعوم من قبل إيران أنه سيتم مواصلة التحرك على طويل الحدود لحين تأمينها، ملمحًا إلى إمكانية عبورهم الحدود إلى سوريا وبدء القتال هناك، بالنهاية فإن هذا يأتي ضمن مسار إيران لتأمين ممر بري بين العراق وسوريا.
يبقى أن التركيز تحول من مدينة الرقة وإخراج داعش منها إلى محاولة التحالف الدولي لفرض مزيد من السيطرة على الشريط الحدودي لدير الزور في البادية السورية في إطار خطة ترامب لمحاربة إيران وطردها من المنطقة، لتتحول المعركة مع حشد إيران المزيد من قواتها من جهة العراق وإصرارها للحصول على الطريق البري، فإن معركة “كسر عظم” ستبدأ بين واشنطن وحلفائها وإيران وحلفائها في البادية السورية.