بعد التصريحات الأمريكية التي صدرت من وزير الخارجية الأمريكي التي طالب فيها دول الخليج بتخفيف الحصار على قطر، وقال إن الولايات المتحدة تتوقع أن تتخذ دول الخليج خطوات فورية لتهدئة الوضع في المنطقة، رد الرئيس التركي أردوغان على التصريحات الأمريكية بقوله “وزير الخارجية الأميركي طالب بتخفيف الحصار على قطر وأنا أطالب برفعه تمامًا”.
وأكد أردوغان، الذي صادق في وقت سابق على نشر قوات تركية في قطر، أن أنقرة ستواصل دعمها لقطر بالرغم من استياء البعض، ذاكرًا “هناك أطراف منزعجة من دعمنا لأشقائنا القطريين وسنستمر في هذا الدعم”. ونفى أردوغان إلصاق تهمة الإرهاب بقطر وقيام كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر بتصنيف بعض المؤسسات الخيرية القطرية على لائحة الإرهاب وذكر أرودغان ” أنا أعرف هذه الجمعيات لم أشهد حتى اليوم قيام قطر بدعم أي تنظيم إرهابي”.
طوال الأسبوع الحالي، فرض السعوديون وحلفاؤهم ضغوطا على قطر من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية معها وفرض حصار اقتصادي عليها بري وبحري وجوي. وعلى الرغم من عدم إعلان أي أسباب واضحة لهذه الهجمة إلا أن الهدف الواضح منها هو إجبار قطر على “التوقف عن منافسة السعودية في المنطقة، وإيقاف تفاهمها مع إيران ومشاريعها المشتركة معها، بالإضافة إلى حضانة الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين وتمويل الجماعات تصنفها السعودية بأنها “إرهابية”. في حين، تقول قطر إنها تُعاقب على أشياء لم تفعلها.
تركيا تقرر التحرك في الأزمة الخليجية
لم تنتظر تركيا طويلا هذه المرة لتتدخل في النزاع الدائر في المنطقة، فمنذ اندلاع الأزمة أشارت تركيا إلى دول الخليج لاتباع سير المفاوضات لحل الأزمة بينها وبعدها بادر الرئيس التركي أردوغان وأجرى اتصالات هاتفية مع قادة قطر والسعودية وروسيا والكويت وتبادل معهم سبل حل الأزمة، وزار وزير الخارجية الإيراني ظريف أنقرة الأربعاء الماضي واتفق الطرفين على رفض العقوبات على قطر.
مواصلة العقوبات على قطر واحتدام الأزمة وفشل وساطة الكويت لدى كل من السعودية والإمارات، تبلور موقف سريع لدى تركيا من خطورة ما يجري في المنطقة، وأن الأزمة تشكل تهديد لأمنها القومي فانتقد أردوغان الإجراءات التي اتخذتها دول خليجية وعربية ضد قطر، وقال لوكالة فرانس برس “أريد أن أقول بوضوح إننا نرفض العقوبات المفروضة على قطر”.
أكد أردوغان، الذي صادق في وقت سابق على نشر قوات تركية في قطر، أن أنقرة ستواصل دعمها لقطر بالرغم من استياء البعض
وبعد ذلك سارع البرلمان التركي إلى إقرار قانون يسمح بنشر جنود أتراك في قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر ووافق الرئيس التركي على القانون لتبدأ تركيا خطوات فعلية في نشر قواتها هناك والتي تقدر بـ5 آلاف عنصر بحسب تقديرات. بالإضافة إلى فتح خط إمداد من تركيا إلى قطر بإرسال باخرة محملة بمنتجات تركية لتعويض النقص الحاصل في قطر بعد قطع الصادرات السعودية والإماراتية عنها.
دلالات دعم تركيا لقطر
انتقال تركيا من الحياد إلى التدخل وتقديم دعم قوي لقطر يندرج تحت اصطفاف قطر إلى جانب تركيا منذ فترة طويلة وعقد العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم بين البلدين، أبدت القيادة التركية تحفظات على مواقف كل من السعودية والإمارات من محاولة الانقلاب الفاشلة الصيف الماضي، حيث قال أردوغان في حديثه أمام عدد من القياديين في العدالة والتنمية أمس الجمعة “نعلم جيدًا للغاية من كان سعيدًا في الخليج عندما تعرضت تركيا لمحاولة الانقلاب، فإن كان لأي منها مخابرات، فنحن أيضًا لدينا مخابراتنا، ونعرف بشكل جيد كيف أمضى البعض تلك الليلة”.
في المقابل كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أول زعيم يتصل هاتفيًا بأردوغان إثر محاولة الانقلاب الفاشلة حيث قدم دعمه ودعم بلاده لتركيا في هذه المحنة التي تعيشها تركيا، وهو موقف يحتفظ به الرئيس التركي لقطر في الوقت الذي تباطأ فيها حلفاء تركيا الآخرون من تقديم الدعم للرئيس التركي.
تحسست تركيا في حال انتصار صف السعودية والإمارات على قطر فإن تركيا تواجه خطرًا إزاء إعادة تقييم علاقة الدوحة بأنقرة تبعًا لما يرضي كل من السعودية والإمارات، وهذا سينتج عنه تغيير مواقف الدوحة تجاه أنقرة وفقدان حليف بارز لها لصالح معسكر الإمارات والسعودية. وفقدان تركيا لقطر سيزيد من العزلة التي تعيشها تركيا في منطقة تعيش أزمات وصراعات من كافة الجوانب.
تحسست تركيا في حال انتصار صف السعودية والإمارات على قطر فإن تركيا تواجه خطرًا إزاء إعادة تقييم علاقة الودحة بأنقرة تبعًا لما يرضي كل من السعودية والإمارات
كما تتشاطر كل من تركيا وقطر نفس الرؤية إزاء قضايا الشرق الأوسط ودعمها للقضية الفلسطينية ومسار المقاومة على يد حركة حماس، ومن جانب آخر يرفض كلا البلدين كل الثورات المضادة التي قامت عقب حركة الربيع العربي، وتؤيد الرئيس الشرعي المخلوع محمد مرسي في مصر والذي انقلب عليه العسكر بعد العام 2013 بدعم من الإمارات والسعودية التي تقف ضد وصول حركات إسلامية إلى الحكم، إلى جانب توافق موقفي البلدين من سوريا ومصير بشار الأسد وطرق الحل الأزمة هناك. كما يستضيف كلا البلدين العديد من قيادات وكوادر جماعة “الإخوان المسلمين”، الفارين من مصر على خلفية القمع الأمني الذي طالهم بعد الانقلاب العسكري، وكذلك يدعم البلدين مسار المعارضة السورية سياسيًا وعسكريًا.
وبحسب “أوزغور أونلوهيسارسيكلي”، مدير مكتب “صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة” في أنقرة، فقد فسر وقوف تركيا إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية الراهنة، بأن قطر وتركيا تتشاطران نفس الرؤية في الشرق الأوسط. وقال: “الدول المتحالفة مع السعودية تريد أن ترى قطر تستسلم، لكن تركيا لا تريد أن ترى ذلك، أو ترى أن قطر تغير استراتيجيتها في الشرق الأوسط”. فمن شأن رضوخ قطر لجيرانها أن يعرض دور تركيا في المنطقة لمزيد من القيود والضغط.
وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، صرح أثناء مؤتمر صحفي عُقد في الدوحة، أن “واردات المواد الغذائية، التي تأتي عادة عبر الحدود السعودية، قد حصلنا عليها من مصادر أخرى” في إشارة إلى تركيا وأكد الوزير “يمكننا أن نعيش إلى الأبد على هذه الحال”. وأضاف “لسنا مستعدين لمناقشة أي تدخل في سيادتنا“ وهذا يعني صمود قطر حتى اللحظة في وجه الدول التي فرضت عليها العقوبات والحصار المفروض عليها برًا وبحرًا وجوًا.