ترجمة وتحرير نون بوست
يُمكن تلميع الحسابات السياسية في الشرق الأوسط وتبييضها بين ليلة وضحاها، لأن الجبهات تتغير كل يوم؛ فلا يوجد أعداء وأصدقاء دائمون وليس هناك حدود للغدر والخيانة. ولكن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو نظام الوصاية والعبودية، حيث تُجر الدول إلى الحروب وجبهات القتال بتعليمات وأوامر من النظام الذي يتعهد بالوصاية. لذلك، قد يكون الطرف الآخر دولة مجاورة أو في الكثير من الأحيان مواطني الدولة نفسها.
في الحقيقة، قد تلجأ هذه الأنظمة إلى خداعكم لقتل إخوانكم المسلمين تحت راية “القتال باسم الإسلام”، وهي تتوسل بهذه الذريعة مقابل الحفاظ على نظام الحكم، فتراهم يقدمون البترول، والغاز الطبيعي ويهبون جميع ممتلكات الدولة لتلك الجهة التي تملك الوصاية. وبهذه الطريقة، يضعون شرف السياسة ومكانة الدولة وهيبتها تحت الأرجل.
وفي هذا الإطار، يبدو جليا من خلال ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط أن الدول تخضع للسيطرة الأمريكية والبريطانية، حيث يمتلكون الصلاحية لإعطاء الأوامر والتعليمات السياسية. فضلا عن ذلك هم من يزكون من يشاؤون من الحكام في دول المنطقة، وبالتالي، فإن الدول التي تبدو ظاهريا مستقلة، هي في الواقع ترضخ تحت الاحتلال الأمريكي والبريطاني. والأمر سيان بالنسبة لجل دول منطقة الشرق الأوسط، حيث تتصارع الدول وتتمزق الأنظمة وتُولد أنظمة جديدة، لكن كل ذلك يتم تحت سلطة وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
بعد الانتهاء من السعودية ستكون هناك خطط مماثلة من أجل تركيا وإيران
ومما لا شك فيه أن واشنطن ولندن تستخدمان دول المنطقة لافتعال الصراع الذي تريدانه، وهذه هي اللعبة التي تمارس في المنطقة منذ انتهاء الحرب الباردة. وتحت مسمى الحماية، وقع احتلال بعض الدول، بينما ضُرب استقرار بعضها الآخر، لينتهي المطاف ببعض الدول في مستنقع الحروب الأهلية. وخير مثال على هذه الأقطار التي تفشت فيها المنظمات الإرهابية ودمرت بفعل الحروب والصراعات سوريا والعراق وليبيا واليمن.
أما فيما يخص مستجدات الوضع السياسي في الشرق الأوسط، يبدو أن أزمة القطرية تدق طبول الحرب بين السعودية وإيران، وستكون الدول الإسلامية الأخرى التالية وفقا للخطة التي وضعتها الولايات المتحدة وبريطانيا. سيحاولون ضرب تركيا، وإيران، والسعودية، وأندونيسيا، وباكستان، ودول شمال أفريقيا، حيث توجد خطة منفصلة لكل دولة من تلك الدول في مخططهم.
بالنسبة للطرفين، لا يهم إن كان أحدها حليف واشنطن أو عدو لها، لأن ذلك لن يغير من أجندة الولايات المتحدة الثابتة، فهي تخسر حليف لتكسب آخر. والجدير بالذكر أن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا تضع في حسبانها أن كل دولة من دول منطقة الشرق الأوسط ستتفكك وستتمزق وستبعثر وحدتها. وهي تطمح إلى أن تتحول كل دولة من دول المنطقة إلى مدن منفصلة.
بالنسبة لواشنطن، كان يجب أن تفتعل الأزمة القطرية، قبل الانتهاء من الأزمة السورية، فمن أولوية الرئيس ترامب اندلاع حرب بين السعودية وإيران. لذلك يعطي هذا فكرة واضحة عن كواليس زيارة ترامب للسعودية التي أعطى فيها التعليمات للسعودية لتعلن عن “خيانة” قطر بين ليلة وضحاها وتضعها بذلك تحت الحصار البري والجوي.
بعد تلك الخطوة السعودية، وبينما نحن نناقش خلفية تلك القرارات، هاجم تنظيم الدولة العاصمة الإيرانية طهران بإطلاق النار وتفجير في أكثر الأماكن رمزية للشعب الإيراني. وقد استهدفت تلك الهجمات المجلس الإيراني وضريح الخميني. ولكن هذه العملية الفجائية التي تبناها تنظيم الدولة تلفت الانتباه لاحتمالية أن تكون تلك العملية عملية مخابراتية بحته، علما وأنه لم يسبق له تنفيذ هجمات في إيران وإسرائيل رغم العداوة بينهما خاصة وأنه ركز طيلة سنوات على تنفيذ الهجمات في المنطقة السنية.
إنها عملية مخابراتية بحته بكل تأكيد، نظرا لأن هناك جهات تحركت ضد إيران بعد إقرار العقوبات على قطر مباشرة، وبدأت بتنفيذ عمليات تهدف إلى ردع إيران في المنطقة. وأوضحت لنا هجمات طهران الجهات التي تدير تنظيم الدولة وتقوم بعمليات استخباراتية في مختلف أنحاء العالم من خلال تنظيم الدولة.
وبالتالي، نعلم جيداً كيف حاولت الولايات المتحدة ضرب تركيا عن طريق المنظمات الإرهابية كتنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني. ونعلم ماهية خطتها التي تنسجها بمشاركة الوحدات الكردية في سوريا. وهذا ما يؤكد لنا بأنهم سيقومون بإنشاء عشرات المنظمات الإرهابية من أجل حرب إيرانية عربية.
واشنطن ولندن تستخدمان دول المنطقة لافتعال الصراع الذي تريدانه
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة القطرية والهجمات في طهران هي نتاج تخطيط من جهة واحدة. وتتمثل الخطوة التالية في القيام بحملات لإثارة الرأي العام السني في المنطقة العربية والشيعي في إيران. وسيجعلون الرأي العام جاهزا للقيام بأي عملية من خلال حملات التحفيز وتأجيج نار الفتنة بينهما.
وفي هذا الإطار، أطلقت الولايات المتحدة رصاصتها الأولى بأيدي سعودية تجاه إيران، كما أقنعت الائتلاف العربي بقيادة السعودية بتلك الخطة. وهذا يعطي فكرة واضحة عن أن قطر لم تقبل بتلك الحرب لذلك تم إخراجها من الإئتلاف. وبالعودة إلى التاريخ، من الجلي أن التصرفات الإيرانية الهادفة لنشر التشيع والإرهاب في دول المنطقة قد تسببت في توجيه انتقادات وردود فعل رافضة لها على مدى سنوات طويلة، وإن استمرت السعودية في انتهاج خطة الولايات المتحدة، ستتحول تلك الانتقادات نحو السعودية عوضاً عن إيران.
هذه المرة، بدأ التصعيد في الصراع من الطرف السعودي الذي يريد بكل ما أوتي من قوة شن حرب ضد إيران. ونحن لا ندري ما الذي وعدت به الولايات المتحدة السعودية، ولكن إن بدأت تلك الحرب، ستشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وسيتحقق الحلم الغربي ببدء الحرب الطائفية في المنطقة التي لا نهاية لها، ولن تستثني هذه الحرب أي دولة من دول المنطقة.
وبناء عليه، ستبدأ تلك الحرب بمجرد خضوع قطر للسياسة السعودية. وقد نشهد احتلال دول خليجية أخرى، حيث سيكون احتلال إيران والعراق للكويت أمرا لا مفر منه. ولكن هذا الوضع يحتم على تركيا بذل جهود حثيثة للضغط على إيران والسعودية لإغلاق الباب أمام حرب القيامة تلك.
إلى جانب ذلك، يجب على إيران العدول عن سياستها في سوريا وفتح أبوابها أمام المطالب التركية في الشمال السوري، حيث تحاول تركيا الحفاظ على أمنها القومي من جهة، وتقريب وجهات النظر بين البلدين من جهة أخرى.
الأزمة القطرية والهجمات في طهران هي نتاج تخطيط من جهة واحدة
قريباً، ستبدأ هجمات إرهابية تثير السعودية وإيران وجميع دول المنطقة، حيث يمكن أن تندلع عاصفة من الهجمات الإرهابية من أجل خلق العداوة المذهبية لدى شعوب المنطقة وتحفيزهم لبدء الحرب المذهبية. ومن جهة شخصية، أظن أن الخطة الأمريكية لردع إيران بأيدي سعودية هي في الحقيقة فخ للسعودية وليس لإيران. كما أظن أن الهدف الحقيقي من تلك الخطة يكمن في القضاء على النظام السعودي وتمزيق السعودية إلى عدة دول.
بالطبع، بعد الانتهاء من السعودية ستكون هناك خطط مماثلة من أجل تركيا وإيران. ومهما اختلفت المسميات وتعددت، ستبقى الحرب أهلية كانت أو عربية، أو حرب عربية-إيرانية، حربا بتخطيط غربي، والنتيجة قد تمتد إلى “حروب مكة”.
وفي هذا الشأن، كثيرا ما تناقشنا في هذه القضية وحذرنا من ذلك الخطر القادم وقلنا بأنه ستكون هناك حرب داخلية بين المسلمين، وبأن تلك الحرب ستتركز في قلب الإسلام “مكة”، وستكون حرباً لتصفية الحسابات. كنت قد ذكرت سابقا أن التصعيد سيصل إلى الدول الخليجية، ولم تمر سنتان على ذلك حتى بدأت الأزمة القطرية، التي يحاول ترامب من خلالها جر منطقة الشرق الأوسط إلى مستنقع خطر.
وعلى هذا الأساس، ولأن كل شيء واضح وضوح الشمس، شاركت الجميع من خلال مقالاتٍ سابقة لي القلق الذي يساورني إزاء الخطط التي تقوم بها الولايات المتحدة من أجل حرب تصفية الحسابات الكبرى وتهيئة الظروف من أجل إقحام منطقة الشرق الأوسط في نفق الحروب والقتال من جديد. وإن لم تكن هناك تدخلات لمنع ذلك الخطر، أظن أن السيناريو السوري سوف يتكرر في السعودية وفي كل الدول الخليجية، وستداس جميع مقدسات المسلمين. كما أن تركيا لن تسلم من ذلك، وستتلقى ضربات مؤلمة. كما أنه ما زال هناك متسع من الوقت لمنع ذلك قبل أن تدخل الدبابات للكعبة. لكن الأهم في هذه المرحلة إدراك الخطر الذي يداهمنا.
وعلى ضوء ما يحصل في الشرق الأوسط، من المحتمل أن تكون الدبابات التي ستدخل الكعبة دبابات إيرانية أو دبابات أمريكية، والصواريخ التي ستسقط على الكعبة صواريخ حوثية أو إيرانية أو أمريكية. لكن كونوا على يقين أن من خطط لاندلاع حرب بين السعودية وإيران، ومن أشعل فتيل الأزمة القطرية هي جهة واحدة خططت مسبقا لكل ذلك.
المصدر: يني شفق