ترجمة وتحرير: نون بوست
في إحدى الأمسيات مؤخرًا، قام باشا بوير، وهو أب يبلغ من العمر 32 سنة ومراهن رياضي محترف يعيش في ميسولا، مونتانا، بتسجيل الدخول إلى منصة “تيك توك” لمواصلة ما أصبح وظيفة غير مدفوعة الأجر بدوام كامل، والتي تتمثل في مناقشة القضية الفلسطينية الإسرائيلية في بث مباشر على تيك توك. وكالعادة، كانت شاشته أشبه بمكالمة كابوسية عبر تطبيق “زوم”، حيث كان المحاورون السبعة الآخرون عالقين في حالة دائمة من الخلاف، وأخبرني قائلًا “لقد قالوا حرفيًّا إن كل ما كنت أقوله كان خطأ”.
ولم تردعه حدة النقاش، فلقد بقي ساعة بعد ساعة، حيث كان يأتي ويذهب 1400 مشاهد، واستقر في النهاية في نقاش مع زميل يهودي اختلف مع موقف بوير المؤيد لإسرائيل. وبحلول الوقت الذي سجل فيه بوير خروجه، كانت الساعة الثالثة بعد الظهر، وفي اليوم التالي، انقضت 18 ساعة، وتساءل قائلًا: “هل تعرف ما هو الجزء المجنون؟ لقد ظل الرجل الآخر موجودًا حتى الساعة الثالثة بعد الظهر أيضًا”.
وفي ظل رسوخ التأثير الثقافي لتيك توك، يستكشف العديد من مستخدميه حاليًا ما إذا كانت المنصة قادرة على استضافة مناقشات بناءة، ويعتبر بوير هو واحدٌ من بين عشرات الأشخاص الذين شددوا على هذا السؤال، حيث تناولوا واحدة من أكثر المشاكل إثارة للجدل والمستعصية في العالم في بث مباشر على تيك توك، وهي الميزة الأكثر حرية في التطبيق.
ومن غير الواضح ما إذا كان بوير وزملاؤه المناقشون قادرين على تغيير الآراء. ولكن؛ نظرًا لفرصة التفاعل مع أناس حقيقيين أمام عدد كبير من المتابعين، قرر المستخدمون المؤيدون لإسرائيل والمؤيدون لفلسطين بشدة الانضمام إلى البث المباشر الذي يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم – والجدال مع الآخرين – إلى الأبد على ما يبدو.
أخبرني آدم فينتورا، وهو مدير مطعم يبلغ من العمر 32 سنة ويقيم في دنفر بولاية كولورادو، والذي يدير واحدة من أكثر البرامج شعبية، أنه يريد توفير منصة لأي شخص يشعر بأنه مستبعد من المحادثة العامة، وقال إن “الجميع يستمر في القول: “الناس ليس لديهم صوت، أنتم يا رفاق لا تسمحون للناس بالتحدث، تآمروا على هذا، تآمروا على ذلك”.
في البداية، في الأيام التي تلت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ناضل آدم من أجل جذب خمسة مشاهدين متزامنين وهو يناقش آماله في إمكانية التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن عندما بدأ عدد قليل من الأشخاص في ترك التعليقات، دعا فنتورا البعض للتحدث مباشرة، ومع زيادة عدد المشاهدين الذين طلبوا الانضمام إلى المناقشة، قرر فينتورا التنسيق كالتالي: ثمانية ضيوف في الجلسة الواحدة، أربعة مؤيدون لإسرائيل، وأربعة مؤيدون لفلسطين. وفي غضون أيام، كان البث يجذب عدة آلاف من المشاهدين المتزامنين، حيث اجتذبت مناقشة واحدة استمرت لعدة ساعات أكثر من 100 ألف مشاهد. وبعد مرور شهر، لا تزال التدفقات مستمرة، وقد ارتفع عدد متابعيه من 20 ألفًا إلى 30 ألفًا، واكتسب مجموعة كبيرة من المعلقين المخلصين.
ولمنع المحادثات من التحول إلى فوضى كاملة، حاول فينتورا فرض بعض القواعد، إذ من المفترض أن تنتقد أفكار الآخرين، وليس الناس أنفسهم، ولا يجوز لك أن تلوم أحدًا على دينه، ويجب عليك احترام آراء الآخرين حتى لو كنت لا تتوافق معها.
ومع ذلك، كما هو متوقع، إذا أشرت إلى صورة القدس وطرحت السؤال “هل هذه إسرائيل أم فلسطين؟”، ثم فتحت الباب أمام مجموعة مختارة ذاتيًا من الأشخاص ذوي الرأي المتطرف، كانت النتيجة غير متناغمة بشكل عام. قم بالتمرير عبر مجموعة من عمليات البث المباشر للمناظرات على “تيك توك” في أي لحظة، ومن المحتمل أن تجد نفسك في خضم مباراة صراخ، فيما يغمر المعلقون المحادثة بالأعلام الإسرائيلية والفلسطينية، ويحثون المتحدثين ويطالبون بطرد المعارضين.
ويرسل البعض “هدايا” مالية إلى مشرف البث المباشر على “تيك توك” على أمل أن تتم ترقيتهم إلى دور المتحدث. (يقول فنتورا، الذي يعطي أولوية أعلى “للمانحين” في قائمة الانتظار، إن إجمالي المبلغ المالي الذي يتلقاه لا يكاد يذكر. وقالت مضيفة أخرى إنها تتلقى بضعة دولارات عن كل جلسة مدتها ساعات). إذا بدا أن المتناظرين لا يستمعون لبعضهم البعض، فقد يكون هذا صحيحًا حرفيًا، فقد أخبرتني إحدى المشاركات واسمها نورا بأن “هناك أوقات يتعين عليها فيها فقط خفض مستوى صوت هاتفها والتحدث فقط”، وأخبرتني امرأة مؤيدة لإسرائيل من أصل مصري، طلبت عدم ذكر اسم عائلتها لأسباب تتعلق بالسلامة، تشعر أن وجهة نظرها فريدة من نوعها، قائلة “إذا كان صوتي يتفوق على صوت أي شخص آخر، فسأستمر في الحديث”.
على الرغم من أنه لا يقوم الجميع بإسكات شركائهم في الحوار في منتصف المناقشة، إلا أن معظمهم يتفقون على أن إقناع الجانب الآخر بأي شيء أمر مستحيل في الأساس. وبدلاً من ذلك، فهم يستهدفون المشاهدين الذين ليس لديهم بعد وجهات نظر قوية حول الموضوع.
وقد أخبرتني جين، وهي صاحبة شركة مجوهرات في فلوريدا والتي تستضيف وتشارك بشكل متكرر في المناقشات الإسرائيلية الفلسطينية (وطلبت أيضًا عدم الكشف عن لقب عائلتها)، أنها عندما استضافت بثًا مباشرًا حول نفس الموضوع في السنة الماضية، قبل الحدث الأخير في غزة، انضم إليها عدد قليل من الناس. ونوّهت قائلة “كنت أقول: “فلسطين حرة”، فيقولون: “أين فلسطين؟ فلسطين، تكساس؟”.
ومع تدفق اللقطات المروعة من المنطقة على صفحات منصات التواصل الاجتماعي، فقد تم حل هذا الارتباك إلى حد كبير؛ حيث إن تسجيل الدخول إلى أي منصة من منصات التواصل الاجتماعي يضع المستخدمين مباشرة أمام النقاد والمحرضين والأقران الصريحين الذين يحثونهم على إجراء أبحاثهم الخاصة. ودون بذل جهد كبير، يمكن لأي شخص قراءة التأملات المعادية للسامية من إيلون ماسك، المالك الحالي لشركة إكس”، ومشاهدة الحديث عن صحة “رسالة أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة”، وملاحظة تصاعد خطاب الكراهية المعادي للسامية والمسلمين.
وفي الوقت الراهن تنظر جين إلى دورها على أنه التصدي لما تعتبره مشاعر مؤيدة لإسرائيل والتي قد يلتقطها الأمريكيون من وسائل الإعلام الرئيسية. وأخبرتني جين: “آمل فقط أن أزرع البذرة، حتى لو كان هناك القليل من الشك. لذلك يمكن أن يكون الناس أقل تلقينًا”. بالطبع، هذا التلقين هو ما يقول المتحاورون المؤيدون لإسرائيل إنهم يحاربونه أيضًا. وأخبرتني نورا أن الأشخاص المؤيدين لفلسطين الذين تتجادل معهم “اتخذوا قرارهم”، وتابعت قائلة “ليس ذلك فحسب، بل إن لديهم مجتمعًا ضخمًا يدعمهم، ويخبرهم أنهم على حق، والآن أنا منبوذة، أحاول أن أخبرهم بشيء آخر”.
على الرغم من أنه من الصعب على المشاركين قياس تأثيرهم، إلا أن جين تعرف من تجربتها الخاصة أن المناقشات عبر الإنترنت يمكن أن تغير المعتقدات. في سنة 2018؛ عندما كانت تناقش على موقع “كلوب هاوس” – وهو موقع للتواصل الاجتماعي يقدم بثًا مباشرًا صوتيًا فقط – قالت إن اليهود “كانوا دائمًا في إسرائيل، وأن الأرض مُنحت لهم، وأنهم لم يسرقوا أي شئ”.
وفي الأشهر اللاحقة؛ حاولت أن تتعلم قدر استطاعتها من كلا الجانبين، قائلة “لأن هناك أشياء لم أفهمها”، وقد قرأت الكتب التي أوصى بها المتناظرون الآخرون – “التطهير العرقي في فلسطين” بقلم إيلان بابي، و”الضحايا الصالحون” بقلم بيني موريس – واستمعت إلى عدد لا يحصى من الحكايات. وبعد ستة أشهر؛ بدأت تجادل بأن دولة إسرائيل هي بمثابة احتلال غير قانوني للأراضي التي يملكها الفلسطينيون بحق. وقالت “باعتباري من بورتوريكو، كان لهذا الأمر صدى أكبر بالنسبة لي”.
لقد تحولتْ إلى “تيك توك” بناءً على توصية من صديق أخبرها عن شعبية البث المباشر على “تيك توك”، وقفزت مباشرة إلى بعض القضايا الأكثر إثارة للجدل التي تمت مناقشتها على الموقع: الامتياز الأبيض، والإجهاض، ونظرية العرق الحرجة. (تحولت صديقتها منذ ذلك الحين من المناظرات العادية إلى ميزة “المعركة” الأكثر ربحًا في البث المباشر على “تيك توك” حيث يتواجه اثنان من المتنافسين لمعرفة من يمكنه كسب أكبر عدد من التبرعات، ووصفت جين التنسيق بأنها “ميتة دماغيًا”).
لقد فكرت في البداية أن المناقشات ستكون بحسن نية لكنها أدركت بعد ذلك أنها كانت “مخطئة تمامًا”، وأخبرتني جين أنها عادة ما تجتذب “المجانين” وتنتهي بمناظرات تشبه تلفزيون الواقع، ولا تزال تجد أن الأمر يستحق القيام به، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تجربتها في التحول وجزئيًا بسبب طبيعتها. وأوضحت قائلة “أعتقد أنني أحب القتال مع الناس”.
ويدرك فينتورا أن العديد من أحداث البث المباشر الخاصة به تتحول إلى معارك حول نفس القضايا القليلة، لكن هذا يعكس، كما يعتقد، “الواقع السيئ لما يحدث”، بين الصراخ والأحاديث المتبادلة المتواصلة والاتهامات المتكررة بالكذب، يتشارك الناس قصصًا عن خسارة شخصية عميقة: رجل إسرائيلي قُتل جيرانه، ورجل فلسطيني فقد ابن أخيه، وقال فينتورا “إنك تظهر أرضية مشتركة، أن كلا الشخصين يخسران شيئًا ما، وكلاهما يتأثر بما يحدث هناك”.
وحتى مع استمرار شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل “ميتا” و”إكس” و”تيك توك” في التقليل من أهمية الأخبار، فإنها تظل المصدر الرئيسي للمعلومات للعديد من الأشخاص، ونافذتهم إلى العالم. ويمكن للمستخدمين مشاهدة عشرات التقارير من إسرائيل وغزة والضفة الغربية، أو التعرف على تاريخ القتال الحالي. ويشعر باشا بوير أن “يوتيوب” والبودكاست هما مصدران للمعلومات أكثر فائدة وتوازنًا من “تيك توك”، ولكن في الوقت الحالي، تعد المشاهدات على “تيك توك” أعلى، لذلك سيبقى هذا هو المكان الذي سيبقى فيه، لساعات عديدة كما يستغرق الفوز ببعض المتحولين، وقال “أنا لست مستسلمًا، لن أستسلم أبدًا”.