ترجمة حفصة جودة
عندما ينتحر شخص ما فإن عائلته وأصدقائه يشعرون بانكسار قلوبهم ويتساءلون بلا جواب ما الذي كان من الممكن أن نفعله بشكل مختلف؟ يأمل كولين والش – عالم بيانات في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت – أن عمله في توقع خطر الانتحار قد يمنح الناس فرصة للتساؤل ما الذي يمكن أن نفعله بينما ما زال لديهم الفرصة للتدخل.
صنع والش وزملاؤه خوارزميات آلة التعلم والتي تستطيع بدقة عالية التنبؤ بمحاولة مريض ما الإقدام على الانتحار، في أثناء التجارب كانت النتائج دقيقة بنسبة 80-90% عند التنبؤ بمحاولة شخص ما الانتحار خلال عامين قادمين، وبنسبة 92% في التنبؤ بمحاولة شخص ما الانتحار خلال أسبوع.
يستند التنبؤ إلى البيانات الموجودة على نطاق واسع في أوراق القبول بالمستشفيات ومن ضمنها العمر والنوع والرقم البريدي والأدوية والتشخيصات السابقة، جمع والش وفريقه بيانات 5167 مريضًا من المركز الطبي بجامعة فاندربيلت ممن ثبت قيامهم بإيذاء النفس أو محاولة الانتحار، قرأ الفريق جميع الحالات لتحديد 3250 حالة حاولت الانتحار.
تلعب اضطرابات النوم دورًا مهمًا في التعرض لخطر الانتحار
استُخدمت هذه المجموعة المكونة من 5000 حالة لتدريب الآلة على التعرف على الأشخاص الذين يحاولون الانتحار مقارنة بهؤلاء الذين قاموا بإيذاء أنفسهم دون وجود أي دليل على محاولتهم الانتحار، بنى الباحثون أيضًا خوارزمية للتنبوء بمحاولات الانتحار بين مجموعة مكونة من 12.695 مريضًا تم اختيارهم بشكل عشوائي دون أي توثيق لتاريخهم في محاولة الانتحار، أثبتت الآلة دقتها في التنبؤ بمحاولات الانتحار بين مجموعة كبيرة من المرضى الموجودين في المستشفيات.
هذا البحث الذي نشره والش في مجلة “Clinical Psychological Science” في شهر أبريل مجرد خطوة أولى في هذا العمل، فهو يعمل الآن على تحديد إذا ما كانت هذه الخوارزمية فعالة مع بيانات مختلفة تمامًا من مستشفى آخر، وبمجرد تأكده من نجاح النموذج يأمل والش أن يعمل مع فريق أكبر لوضع طريقة مناسبة للتدخل، يتوقع والش أن يمتلك برنامجًا للتدخل وسيجري اختباره خلال العامين القادمين، ويضيف والش: “أعتقد أنه سيكون سريعًا إلى حد ما، لكن كلمة سريع فيما يتعلق بالرعاية الصحية تعني خلال عدة أشهر”.
من المنظور الإنساني فالانتحار تصرف شخصي تمامًا والذي يبدو أنه من المستحيل التنبؤ بحدوثه بدقة عالية تعتمد على مجموعة من البيانات، يقول والش “من الطبيعي أن يتساءل الأطباء عن كيفية وضع تلك التنبؤات، لكن الخوارزمية معقدة جدًا لدرجة أنه من المستحيل سحب أحد العوامل، إنها مجموعة مختلفة من العوامل التي تمنحنا هذه الإجابات”.
تفاجأ والش وفريق بملاحظة أن تناول عقار “ميلاتونين” له دور مهم في حسابات خطر الانتحار، يعتقد والش أن الميلاتونين لا يسبب التفكير في الانتحار فلا يوجد دليل مادي على ذلك، لكن أحد الأشياء المهمة المؤثرة في التعرض لخطر الانتحار هي اضطرابات النوم، ومن المحتمل أن الوصفات الطبية التي تحتوي على ميلاتونين تقلل من مخاطر اضطرابات النوم، رغم أنها فرضية لم يتم إثباتها بعد.
لا يخجل الطبيب والش من الاعتراف بفعالية الآلة وأنه قد يتبع تعليماتها بفاعلية
يثير البحث العديد من الأسئلة الأخلاقية عن دور الحواسيب في الرعاية الصحية وكيفية استخدام المعلومات الشخصية، يقول والش: “هناك دائمًا نسبة من النتائج غير المقصودة، ونحن نهدف للخير وإنشاء نظام لمساعدة الناس، لكن في بعض الأحيان تظهر بعض المشكلات خارج الخط المرسوم”.
يتعين على الباحثين أن يقرروا أيضًا إلى أي مدى ستعتمد قراراتهم على الحاسوب فيما يتعلق برعاية المريض، وكطبيب رعاية أولى يقول والش إنه لا يخجل من الاعتراف أنه قد يتبع تعليمات الآلة بفاعلية، ويضيف والش: “هل هناك أي مشكلة من حقيقة أننا قد نحصل على تنبوء ما بعيدًا عن الفحص السريري؟ هل سيتطلب الأمر تغييرًا في طريقة تقديم الرعاية لأن الحاسب هو من أخبرني بما يجب أن أفعله”؟
في الوقت الحالي تعتمد خوارزميات آلة التعلم على البيانات الموجودة بالمستشفيات، لكن والش يعترف أن هناك أشخاص معرضون لخطر الانتحار ولم يدخولوا المستشفى من قبل، لذا هناك العديد من الأرواح غير الخاضعة للرعاية الصحية، وإذا اعتمدنا على البيانات الموجودة في إعدادات الرعاية الصحية فقط فلن نحقق سوى جزء من الطريق الذي رسمناه.
تصل وفيات الانتحار على مستوى العالم سنويًا إلى 800 ألف حالة
من أي مكان آخر يستطيع الباحثون الحصول على البيانات؟ يعتبر الإنترنت أحد الخيارات الواعدة، فنحن نقضي وقتًا كبيرًا على فيسبوك وتويتر، لذا يمكننا استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بخطر الانتحار، لكننا بحاجة للقيام بالعمل أولًا لنبين صحته وفاعليته.
في وقت مبكر من هذا العام أعلن فيسبوك أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي لمراجعة المنشورات التي تدل على إيذاء النفس، وكانت النتائج أكثر دقة من البلاغات التي يحصل عليها فيسبوك من الأشخاص الذين يقولون إن أصدقاءهم معرضون للخطر.
تدريب الآلة على التعرف على العلامات التحذيرية للانتحار أمرًا ليس سهلًا، ومن أجل التنبؤ والتدخل بنجاح يعتقد والش أنه من الضروري أن نبعد وصمة العار عن الانتحار فلن نتمكن أبدًا من مساعدة الناس بينما لا نستطيع التحدث عن الأمر بارتياح.
لكن ولأن وفيات الانتحار تصل إلى 800 ألف حالة سنويًا على مستوى العالم فهذه قضية صحية عامة لا يمكن تجاهلها، ونظرًا لأن معظم البشر بما في ذلك الأطباء لا يستطيعون التنبؤ بحالات الانتحار بشكل جيد، فربما تقدم لنا الآلة حلًا مهمًا.
المصدر: كوارتز