ترجمة وتحرير نون بوست
يتجذر النزاع السعودي مع قطر في المنطقة التي تشهد بروز أكبر قوتين إقليميتين متنافستين. في الحقيقة، يمكن القول أن قرار الرياض بالدخول في عداء علني مع إحدى دول الخليج الصغيرة، في أعقاب استضافتها للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب فضلا عن 40 زعيما من القادة العرب، يعزى بالأساس إلى الاستنتاج الضمني الذي خلص إليه آل سعود، والذي يفيد بضرورة عملهم على تعزيز مكانة المملكة.
في الواقع، كانت زيارة ترامب إلى السعودية بمثابة دليل على عودة العلاقات الثنائية، التي شهدت تأزما خلال فترة ولاية باراك أوباما الثانية. في الحقيقة، منذ ما يقرب 70 سنة، ما فتئت الولايات المتحدة تؤكد عن رضاها على طبيعة النظام الإقليمي في المنطقة، معتبرة أن الدور القيادي للمملكة العربية السعودية، هو سبب الرئيسي وراء الاستقرار الإقليمي للمنطقة. في المقابل، تغير مجرى الأمور بشكل جذري إبان إسناد المحور الإيراني الشرعية مقابل الموافقة على الحد من برنامجها النووي.
على مدى ثلاث سنوات، شعرت الرياض التي كانت تعيش حالة من الاضطراب، أنها مكبلة الأيدي، حيث عجزت على ضمان دعم القوى العظمى لها، في الوقت الذي حققت فيه إيران تقدما ملحوظا في كل من سوريا والعراق ولبنان. كما تمكنت طهران، في الآن ذاته، من استقطاب حلفاء آخرين على غرار مصر وقطر.
عموما، كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تدرك تماما الخطوات المتبعة في إطار محاولاتها الحثيثة لاستقطاب السعوديين ومعظم دول الخليج، بيد أن الأمر اختلف تماما مع قطر. ففي الواقع، نأت هذه المحمية البريطانية السابقة، التي تعد، في الوقت الراهن، أغنى دولة في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام، بنفسها عن اتباع نفس القواعد التي تسير وفقها بقية دول الخليج، وخاصة فيما يتعلق بعلاقتها بإيران والإخوان المسلمين.
وفي الأثناء، اعتبرت كل من الرياض وأبوظبي أن سياسة قطر تشكل تهديدا واضحا للمنطقة، في حين قوبلت كل الشكاوى بشأن علاقات قطر بالعديد من الجهات بالصد من قبل الدوحة. من جهتها، عمدت الدوحة إلى التعامل مع إسرائيل وحماس وتنظيم القاعدة وحركة طالبان بشكل سطحي حتى لا تجذب الانتباه، في حين أقدمت على اقحام نفسها في العديد من التجاذبات التي تشهدها المنطقة، في محاولة منها لإثبات نفوذها.
وفي الوقت الراهن، وإثر استعادة النظام الصحيح للأمور في المنطقة، حسب ما تراه المملكة العربية السعودية، طالبت الرياض شركاءها بمواءمة جداول أعمالها، وخاصة فيما يتعلق بإيران والإخوان المسلمين، فضلا عن مصر وليبيا حيث تصادم دور قطر في الكثير من الأحيان مع موقف جيرانها الأقوياء.
في الحقيقة، تمثل معارضة الإخوان المسلمين، على وجه الخصوص، هاجسا بالنسبة للمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين، حيث تعتبر هذه الأطراف أن الإسلام السياسي المنظم يشكل تهديدا لنظام الحكم في بلدانهم، في ظل عجزهم عن التصدي له. والجدير بالذكر أن السعودية وحلفائها الخليجيين قد أقدموا على قطع العلاقات مع أمير قطر في سنة 2014 على أمل أن تندمج توجهات الدوحة ضمن مخططاتهم، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل. ومنذ ذلك الحين، شرع القادة السعوديون في التخطيط في الخفاء لهذه المؤامرة في انتظار الوقت المناسب لتنفيذها، نظرا لأن الرياض كانت تضطلع بدور ثانوي خلال فترة رئاسة أوباما.
من ناحية أخرى، وفي خضم هذه الأزمة توجب على الولايات المتحدة غض الطرف عن إستراتيجيتها التقليدية، القديمة، أي إدانة إيران بشدة وتأكيد استعدادها للتطرق بشكل جدي للقضايا المتعلقة بالشؤون الإنسانية وطبيعة الحكم في المملكة، في حين كان من الضروري تناسي العلاقة الوطيدة التي تجمع رجال الدين الوهابيين في المملكة والقادة السعوديين. وبالتالي، حظيت المملكة بالشرعية اللازمة التي من شأنها أن تسمح لها بالتدخل بحرية تامة في سياسات بقية دول الخليج.
في واقع الأمر، قد يكون هذا التحرك أسرع مما كان متوقعا. ففي أعقاب نشر وكالة الأنباء الرسمية القطرية لتصريحات الأمير القطري الذي انتقد من خلالها سياسات المملكة العربية السعودية والتي فندها المسؤولون القطريون بحجة أنها مفبركة ومن صنع القراصنة، انبثقت آلة دعائية في غضون ساعة. وتجدر الإشارة إلى أن مختلف الأطراف الناشطة على الساحة السياسية قد انتقدوا بشدة إقدام القيادة القطرية على ربط علاقات مع إيران والإخوان. و في هذا السياق، أثار أحد المسؤولين السعوديين قضية الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي يعتبر من زعماء الإخوان، مشيرا إلى أن المسؤولين القطريين قد يلاقون المصير ذاته.
في الحقيقة، يحيل الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية على قطر إلى أن الأزمة أكثر تعقيدا من الخلاف الذي نشب بين الدولتين في سنة 2014. ولكن، وفي كلتا الحالتين، هدف المملكة العربية السعودية واحد، حيث تسعى إلى إجبار قطر على تبني المواقف ذاتها تماما مثل بقية دول الخليج من خلال الاعتراف بالتهديد الذي تشكله بعض الجهات والتخلي عن الأطراف الذين تعتبرهم المملكة أعداء لها.
على العموم، تشهد الرياض، التي تدعمها الولايات المتحدة في حين تنتابها المخاوف بشأن المكاسب التي تحققها إيران في المنطقة، في الوقت الحالي، أوج قوتها السياسية. في المقابل، تدرك الدوحة أنها تملك مجالا ضئيلا للقيام بأي خطوة مضادة. ففي الحقيقة، لا تستطيع قطر الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي الذي يوفر الأمن التعاوني والدعم التجاري. فضلا عن ذلك، من غير الممكن أن تتمكن قطر من التعامل مع حالة العزلة التي فرضت عليها، في حين تأبى الاستسلام بسرعة أمام خصومها. وإثر عقود قضتها في بناء صورة تعكس دولة قوية تحظى بشراكات دولية متعددة، فإن رضوخ قطر إلى سَيدٍ يقوم بتحديد الخطوط العريضة لسياستها الخارجية، سيجسد مدى محدودية نفوذها وقوتها.
المصدر: الغارديان