ترجمة وتحرير: نون بوست
يجب عرقلة الصفقة بكل الوسائل ولكن أعفونا من التظاهر بالقدسية، هناك حملة مستمرة لمنع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، من شراء جزء كبير من وسائل الإعلام البريطانية، خاصة أن الأسماء المعنية، ديلي وصنداي تلغراف وسبيكتيتور، هي من أهم منشورات حزب المحافظين.
رغم كل التحولات في المشهد الإعلامي، لا تزال مجموعات الصحف والصحافة اليمينية بشكل خاص تحمل ثقلًا كبيرًا في تحديد الأجندة السياسية، لذلك ليس من الصعب أن نرى السبب وراء أهمية ملكيّة صحف حزب المحافظين – التي كانت في السابق منبرًا لكتابات بوريس جونسون.
يملك المحافظون الذين يطرحون قضيتهم بنبرة أخلاقية عالية حجة بسيطة مدمرة، وهي أن الشيخ منصور زعيم دولة أجنبية لا تؤمن بحرية الصحافة.
مع أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد حليفًا ومستثمرًا قيّمًا في المملكة المتحدة، إلا أنها ليست بيئة جيدة للصحفيين، فعلى حد تعبير منظمة مراسلون بلا حدود “بمجرد توجيه أدنى انتقاد، يجد الصحفيون والمدوّنون أنفسهم في مرمى السلطات الإماراتية، التي تتقن مراقبة الإنترنت”، ويمكن أن يواجهوا السجن بتهمة “إهانة الدولة أو نشر معلومات كاذبة”. وتحتل الإمارات العربية المتحدة المركز 145 من أصل 180 دولة في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة.
بينما تزدهر مجلة سبكتاتور، فإن صحيفة التلغراف (حيث عملت في التسعينيات) لم تعد المؤسسة التي كانت عليها من قبل، فبعد أن كانت معقلاً للصحافة الجادة والقاسية إلى حد ما، أصبحت تنحدر الآن في كثير من الأحيان إلى جنون العظمة الشعبوي الصاخب والخطاب الساخن المناهض للمهاجرين.
لا تحتاج إلى التدخل بشكل مباشر طالما قمت بتعيين محرر تتوافق آراؤه مع آرائك
المشترون المحتملون هم مشروع مشترك بين شركة “آي إم آي” التابعة للشيخ وشركة الأسهم الخاصة الأمريكية “ريدبيرد كابيتال”. يجادل مؤيدو الصفقة بأن “آي إم آي” ليست كيانًا حكوميًا في دولة الإمارات العربية المتحدة – على الرغم من أنها شبه ذلك – ويشيرون إلى ضمانات لحماية الاستقلال التحريري. ستدير “ريدبيرد” الصحف بمفردها تحت القيادة اليقظة لرئيس “سي إن إن” السابق جيف زوكر، فيما قيل لنا إن الشيخ منصور سيكون مستثمرًا غير فعال.
لكن تاريخ وسائل الإعلام يُظهر مدى ضآلة قيمة هذه الدفاعات، ومن السذاجة الاعتقاد أنه سيتم السماح للتغطية بأن تكون معادية لمصالح الإمارات العربية المتحدة. وكما أظهر مالكون آخرون فإنك لا تحتاج إلى التدخل بشكل مباشر طالما قمت بتعيين محرر تتوافق آراؤه مع آرائك، ويكون “حساسًا” تجاه اهتماماتك. إن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك العديد من الاستثمارات البريطانية المرحب بها، بما في ذلك فريق مانشستر سيتي، لكن ليس هناك نادٍ لكرة القدم يستطيع أن يساعد في تحديد زعيم حزب المحافظين المقبل.
لذا، نعم، أولئك الذين يطالبون المملكة المتحدة بعرقلة الصفقة بموجب صلاحيات المصلحة العامة على حق، من أجل كل أنواع الضمانات. هناك مبدأ هنا، ولا ينبغي لكيان مرتبط بالدولة من بلد لا يراعي حرية الصحافة في الداخل أن يمتلك، ولو بشكل غير فعال، أحد ركائز وسائل الإعلام البريطانية.
ولكن إذا أردنا إجراء هذه المحادثة، فلنوفر على أنفسنا هراء التظاهر بأن أباطرة الإعلام البريطاني الحاليين لا يتدخلون في شيء ويتمتّعون بالفضيلة بقدر رقة إحدى أميرات ديزني، فالأفراد يشترون الصحف من أجل المكانة أو السلطة ويستخدمونها دائمًا لتعزيز مصالحهم الشخصية أو المهنية، وليس من الصعب حصر قائمة أسماء أقطاب الصحافة في المملكة المتحدة.
في سنة 2015، استقال كبير المعلقين السياسيين في صحيفة التلغراف مدعيا أن عائلة باركلي، المُلاك الذين انتهت ولايتهم، كانوا يمنعون القصص المتعلقة ببنك “إتش إس بي سي” لأنه كان أحد المعلنين المهمين، كما ألقى باللوم أيضًا على الصمت النسبي الذي ساد الصحيفة فيما يتعلق بهونغ كونع بسبب الخوف من الإضرار بالمصالح الصينية. وقد سُجن سلف عائلة باركلي، كونراد بلاك، بتهمة الاحتيال في الولايات المتحدة، قبل أن يتم العفو عنه من قبل دونالد ترامب.
إذا تم حظر صفقة “آي إم آي” و”ريدبيرد”، فقد يكون المستفيد هو العرض الذي يقوده السير بول مارشال، المالك المشارك لشركة “جي بي نيوز”، التي تمنح وقتًا للبث لداعمي العنصرية ومنظري المؤامرة.
لقد سرق روبرت ماكسويل، المالك الراحل لصحيفة ميرور، مئات الملايين من صندوق التقاعد التابع للشركة، وكان يتدخل بشكل دائم في صحفه، حتى أنه قام بتزوير مسابقة “اكتشف الكرة” لتجنب دفع الجائزة البالغة مليون جنيه إسترليني.
يدين اللورد إيفجيني ليبيديف، المالك المشارك الحالي لصحيفة إيفنينغ ستاندرد، بإمبراطوريته الإعلامية للأموال التي جمعها والده، وهو ضابط سابق في المخابرات السوفيتية “كي جي بي” ورجل أعمال روسي مدرج حاليًا على قائمة العقوبات الكندية. ويمتلك ليبيديف، أحد مؤيدي بوريس جونسون في انتخابات عمدة لندن، والذي تم تكريمه من قبل رئيس الوزراء السابق، صحيفة الإندبندنت مع رجل أعمال سعودي يُعتقد أنه مقرب من النظام.
ثم هناك روبرت مردوخ، وقطب الصحافة هو صحفي حقيقي أنقذ الصحافة البريطانية من قبضة نقابات الطباعة، لكن نفوذه السياسي هائل ويرى الكثيرون أنه خبيث. وبغض النظر عن ذلك، فإن إدارته كانت مليئة بالفضائح، وأدت ملحمة التنصت على الهاتف في المملكة المتحدة، التي تمحورت حول صحفه، إلى إغلاق إحدى الصحف وسجن الصحفيين. وأحد المحررين آنذاك هو الآن مديره التنفيذي في “نيوز يو كي”. وفي الولايات المتحدة، دفعت شبكته فوكس نيوز 787 مليون دولار لشركة دومينيون لمعدات التصويت لاتهامها بأنها جزء من مؤامرة لسرقة الانتخابات الرئاسية لسنة 2020، وهو ادعاء عرفت الشبكة أنه غير صحيح.
هؤلاء إذن بعض المالكين الحاليين، ومن وجهة نظرهم، فإن الضرر الذي يمكن أن يحدثه الشيخ ربما يكون محدودًا، ومع ذلك ربما يكون الناشطون المحافظون على حق، فهناك مبدأ مطلق يستحق الدفاع عنه. وعلى هذا الأساس ربما ينبغي حظر الصفقة، ولكن دعونا لا نخدع أنفسنا بشأن من يعد مالكًا لائقًا ومناسبًا في المملكة المتحدة.
المصدر: فاينانشال تايمز