تعود درعا إلى الواجهة من جديد ولكن هذه المرة ليس للحديث عن انتصارات المعارضة وحدود سيطرتها ومعاركها مع النظام السوري بعدما حققت طول الأشهر الماضية إنجازًا كبيرًا بسيطرتها على 90% من حي المنشية أهم وأكبر معاقل النظام في درعا البلد، والأهم من هذا الانتصار انتزاع زمام المبادرة بعد جمود في جبهة درعا استمر لفترة طويلة، بروز درعا على الإعلام هذه المرة كان للحديث عن التحشيدات العسكرية التي تقوم بها المليشيات المقاتلة في سوريا ومعها الجيش السوري.
في أواخر شهر مايو/أيار الماضي قادت قوات النظام السوري حملة عسكرية هي الأعنف على مدينة درعا منذ اندلاع الثورة 2011 ليرسم النظام السوري ملامح المرحلة المقبلة بمواجهة عسكرية هي الأكبر في الجنوب السوري كما يشير المحللون، أرتال عسكرية ضخمة وتعزيزات براجمات صواريخ اعتاد عليها سكان درعا من نوع “فيل” (سميت بهذا لأن صوت صفيرها يشبه صوت الفيل) ومئات المقاتلين من المليشيات الحليفة مع النظام السوري بقيادة عناصر من حزب الله تتحضر لمعركة حاسمة وفاصلة في الجنوب على أبعد التقديرات.
قصف هستيري ومحاولات للتقدم
ما يؤكد هذه الحملة الشرسة هو التمهيد الناري غير المسبوق على أحياء درعا البلد لما يشبه سياسة “الأرض المحروقة” التي تسبق أي عملية اقتحام للنظام كما حصل سابقًا في مدينة حلب ومحيط العاصمة دمشق، ليطرح تساؤل مهم فيما إذا كانت فصائل المعارضة المسلحة مستعدة لهذه المعركة أم أن مصير المدينة سيكون مشابهًا لمصير المدن الأخرى التي سقطت بعد شن حملات مشابهة عليها؟
درعا لديها حالة خاصة تختلف بها عن سابقاتها من المدن التي سقطت بيد النظام، فهي غير محاصرة من كل الجوانب كما كان في داريا ومضايا والقابون وبرزة ولا تزال تمتلك خطوط إمداد مفتوحة ومتعددة
صارت سياسة النظام لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته مكررة ومعروفة وقد سبق ونجح بها مؤخرًا في برزة والقابون وتشرين في محيط دمشق، وتمكن من استعادة السيطرة على كل تلك الأحياء ومدن غيرها اتبع معها نفس الأسلوب، وقد أشارت مصادر عسكرية لاستقدام النظام السوري معه إلى درعا ما يقرب من 40 منصة إطلاق صواريخ لاعتماد سياسة التدمير والحرق الممنهج ما قبل المعركة والتضييق على الحاضنة الشعبية لفصائل المعارضة كإحدى أدوات الضغط على تلك الفصائل.
إلا أن درعا لديها حالة خاصة تختلف بها عن سابقاتها، فهي غير محاصرة من كل الجوانب كما كان في داريا ومضايا والقابون وبرزة ولا تزال تمتلك خطوط إمداد مفتوحة ومتعددة، ويسعى النظام لقطع تلك الطرق ومحاصرة المدينة، وسط قطع فصائل المعارضة لتلك المحاولات، فمحاولات النظام لقطع طرق الإمداد وفصل ريف درعا الشرقي عن الغربي، كانت السبب لإعلان معركة “الموت ولا المذلة” التي لا تزال مستمرة للشهر الخامس على التوالي.
وتعول فصائل المعارضة في صد هذه الهجمة على عدد مقاتليها الكبير في الجنوب والعتاد المتوفر لديها، وقد أعلن أكثر من فصيل في “الجيش الحر”، تجهيز قواته لصد أي هجوم محتمل، كما شكلت بعض الفصائل وعلى رأسها “جيش الثورة” و”فوج المدفعية”، غرفة عمليات مشتركة تحت اسم “رص الصفوف” لذات الغرض.
منذ أيام والمدينة تتعرض لأعنف قصف جوي وصاروخي ومدفعي من قبل الطيران الروسي ومحاولات حثيثة من جانب قوات النظام والمليشيات الموالية لها للتقدم من جهة المخيم، وقد تصدت قوات المعارضة لمحاولات النظام الثانية خلال أسبوع للتقدم من جهة مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين بعد فشله في إيجاد ثغرة من جهة طريق السد، ورافق هذا التقدم قصف مركز على أحياء درعا البلد منذ بأكثر من 25 صاروخ أرض – أرض من نوع “فيل” و40 برميلاً متفجرًا وأكثر من 20 غارة جوية من المقاتلات الحربية الروسية والسورية كما أكد ناشطون من درعا.
النظام السوري ينعي أحمد تاجو المشهور بأسد الفرقة الرابعة بعد مقتله على جبهات درعا
تصدى مقاتلو المعارضة لمحاولات التقدم وكبدوا قوات النظام خسائر كبيرة، وقد نعت صفحات مؤيدة للنظام مقتل المقدم بالفرقة الرابعة “أحمد تاجو” في معارك الأمس على جبهات درعا، والمقدم تاجو مشهور بأسد الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد ومعروف لثوار درايا والزبداني ومضايا والقابون، إذ كان قد أشرف على جبهات النظام في تلك المناطق وتم إرساله للجنوب لكسر جبهة درعا وإعادة السيطرة عليها.
الجدير بالذكر هنا أن درعا تعد من المناطق المشمولة باتفاق خفض التصعيد أو مناطق تخفيف التوتر التي تم التوقيع عليها قبل نحو شهر في محادثات أستانة السورية برعاية وضمانة من قبل روسيا وإيران وتركيا، وفي الوقت الذي تمطر فيه الطائرات الروسية حممها على درعا ومناطق أخرى مشمولة بمناطق خفض التصعيد، يخرج سيرغي رودسكوي رئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان الروسية بادعاءات أن الوضع في مناطق خفض التصعيد تغير جذريًا ويمكن اعتبار الحرب في سوريا وقفت عمليًا، ورأى رودسكوي أن السكان عادوا إلى المناطق المحررة من أيدي الإرهابيين وبدأت العمل بنشاط في إعادة إعمار المزارع وشبكات الكهرباء والعقد في شبكة المواصلات والطرق.
تغيير في الاستراتيجية
هدف القوات السورية أو بالأحرى إيران من خلال مليشياتها على الأرض، أن تسيطر على الحدود السورية الأردنية والوصول إلى معبر جمرك درعا القديم بالإضافة إلى السيطرة على الحدود العراقية السورية لفتح طرق برية تربط العراق والأردن بسوريا.
وصول المليشيات الشيعية إلى الحدود السورية الأردنية يعد خطًا أحمر بالنسبة للأردن في السنوات والشهور الماضية، كما أن استحواذ إيران على الجنوب من الخطوط الحمراء بالنسبة لواشنطن أيضًا، إلا أن الأجواء تبدو مختلفة الآن وملامح المعركة تظهر أن هناك أمر ما قد اختلف عن السابق، فالميليشات الإيرانية تحشدت في درعا وتتجهز لمعركة كبيرة وتعمل على حرق المنطقة قبل اقتحامها، مقابل صمت مدوٍ على الناحية الأخرى للحدود (الأردن) حسب ما أشار لذلك مراقبون، وكأن الخط الأحمر لم يعد موجودًا، أو أنه حصل تغيير في الخطط في الفترة الأخيرة ليسمح الأردن للنظام السوري بالوصول إلى الجمرك القديم وإعادة الحرمة التجارية بين البلدين.
علمًا أن المعركة على درجة كبيرة من الأهمية، فانتصار قوات الأسد فيها يعني تغيير خريطة الجنوب لصالح الأسد رويدًا رويدًا وهذا ما يضع المنطقة بأسرها أمام خطر محدق على جميع فصائل الجنوب أن تتخندق لصد هذه الهجمة.
انتصار قوات الأسد في معركة درعا يعني تغيير خريطة الجنوب لصالح الأسد
إلا أن المشهد لا يُظهر هذا حتى الآن على الأقل، فالفصائل في الريف لم تنضو في المعركة إلى جانب فصائل درعا حتى الآن، فيما يشير قادة الفصائل إلى ضرورة التحرك السريع وفتح جبهات ضد قوات الأسد للتخفيف عن مدينة درعا قدر الإمكان.
مراقبون أشاروا أن النظام السوري يستغل الأزمة الخليجية لإنهاء المعركة وفرض أمر واقع على الجنوب لا يمكن تغييره، وقد استفاد من الأزمة عمليًا بعد تأجيل مؤتمر أستانة الذي كان من المقرر أن ينعقد في 12 و13 الحاليّ ولكن تم تأجيله إلى تاريخ 20 من هذا الشهر على ما يبدو لكي لا يؤثر الخلاف الخليجي على مجريات المحادثات باعتبار أن قطر والسعودية من الدول الفاعلة في الملف السوري.
في حال صمود المعارضة قد ينقلب السحر على الساحر وتكون درعا بوابة لتغيير معادلة الصراع السوري وتسمح بتدخل لقوات التحالف بذريعة القضاء على الفصائل المبايعة “لداعش” في الجنوب
معركة درعا ستكون اختبارًا حقيقيًا للأردن ومدى رفضه بأن يجاوره أي من المليشيات الشيعية على حدوده، كما أنها اختبار لسياسة واشنطن الرافضة لأي دور فاعل لإيران في سوريا، وربما تم منح النظام السوري الفرصة الأخيرة لإعادة السيطرة على درعا ومعبرها، وفي حال صمود المعارضة قد ينقلب السحر على الساحر وتكون درعا بوابة لتغيير معادلة الصراع السوري وتسمح بتدخل لقوات التحالف بذريعة القضاء على الفصائل المبايعة “لداعش” في الجنوب ويتم تسليح فصائل المعارضة للتصدي بشكل أكبر لكسر النظام والمليشات الإيرانية في درعا.