يأتي المؤتمر الـ 28 للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب-28) في ختام العام الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث تتعالى الأصوات المطالبة بنهاية عصر الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه تستمر الأموال في التدفق إلى هذا المجال، ففي هذا العام وحده استثمر أكثر من تريليون دولار من التمويل العالمي للطاقة، ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، أصبح هذا الإنفاق اليوم أكثر من ضعف المستويات المطلوبة في سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
ويتوقع أن تكون قمة هذا العام في دبي مؤتمرًا حاسمًا، حيث ستحدد ما إذا كانت حكومات العالم يمكنها السير على المسار الصحيح لمعالجة أزمة المناخ، وسيكون أحد أدوار الدولة التي تترأّس قمة المناخ هو محاسبة مثل هذه الحكومات، لكن العديد من خبراء المناخ والناشطين يخشون من أن الإمارات -باعتبارها منتجًا رئيسيًّا للنفط، ولها علاقات وثيقة مع منتجين آخرين مثل السعودية التي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات نفطية في العالم- سوف تكون مترددة في مواجهة هذه الحكومات.
مزيد من الفوضى المناخية
منذ بدايتها في التسعينيات، شاركت صناعة الوقود الأحفوري بشكل كبير في مؤتمرات المناخ، حيث أرسلت المئات من جماعات الضغط كل عام، ففي مؤتمر “كوب 26” في غلاسكو، حضر أكثر من 500 من أعضاء جماعات ضغط الوقود الأحفوري، وشهد مؤتمر “كوب 27” في مصر زيادة بنسبة 25% في حضورهم، أي أكثر من 630 من أعضاء لوبيات الوقود الأحفوري، منهم 70 جماعة ضغط مرتبطة بشركات النفط والغاز الإماراتية.
وكان للإمارات جناح كبير في القمة الأخيرة في القاهرة، ووفد يضمّ حوالي 1000 عضو، وهو ضعف عدد أفراد الوفد الأكبر التالي، وهو وفد البرازيل، لكن هذا العام أصبحت الصناعة أقرب من أي وقت مضى إلى أحد أهم المنتديات المناخية الدولية، وقد أثار هذا تساؤلات حول ما سيحدث على أرض دولة من بين أكبر مصدّري النفط والغاز في العالم.
كذلك لعبت السعودية -التي عملت تاريخيًّا على حماية اقتصاد الوقود الأحفوري في مفاوضات المناخ- دورًا رئيسيًّا في منع الالتزام القوي بالتعهُّدات المناخية، وقيل إنها ودول الخليج الأخرى التي لها مصالح قوية في مجال النفط والغاز، ولديها وجهة نظر متشابهة بشأن الوقود الأحفوري، إلى جانب البرازيل والصين؛ من بين المعترضين الذين أحبطوا المحاولات الرامية إلى إدراج قرار بالتخفيض التدريجي للوقود الأحفوري في النتيجة النهائية.
قياسًا على ما سبق، لا يتوقع خبراء المناخ أن تتراجع جماعات الضغط المرتبطة بالوقود الأحفوري في مؤتمر تستضيفه دولة نفطية بالأساس، ويبدو اليوم أن هذه المناسبة ستكون فرصة لا تعوَّض لكبار منتجي الوقود الأحفوري وأصحاب المصالح الخاصة، الذين سيستخدمون بلا شكّ محادثات المناخ لمواصلة تقويض أي تقدم في العمل المناخي.
لا يشكّل كبار منتجي النفط العقبة الوحيدة أمام التوصل إلى اتفاق واسع النطاق في “كوب 28″، فقد قاومت الولايات المتحدة وأوروبا تاريخيًّا التدابير التي قد تحمّلهما المسؤولية عن تكاليف الانبعاثات الصادرة عنهما، وقاومت الهند والصين المطالبات بالتخلُّص التدريجي من الفحم، وهو ما يجعل الإمارات في وضع جيد لسدّ بعض هذه الفجوات.
مع مرور الوقت، باتت الإمارات تواجه التدقيق ليس فقط بسبب التحديات البيئية، لكن أيضًا بسبب تجاهلها لحقوق الإنسان.
وتتمتع الإمارات أيضًا بعلاقات وثيقة مع روسيا، وهي منتج رئيسي للنفط والغاز، ورابع أكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في العالم، وهذا من شأنه أن يكون مصدرًا آخر للقلق، فمنذ غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا في فبراير/ شباط، كان هناك تدفق مستمر للأموال الروسية إلى الإمارات، بما في ذلك الشراكات في مجال الطاقة وزيادة واردات النفط الروسي، لتمكين الإمارات من تصدير المزيد من نفطها.
حقوق الإنسان في مرمى المنتقدين
لا شكّ أن استضافة قمة الأمم المتحدة للمناخ هذا العام من شأنه أن يرفع من مكانة الدولة الخليجية على المستوى العالمي، لكن المؤتمر يدعو أيضًا إلى التدقيق في سجلّ الإمارات في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن مكانتها كمنتج رئيسي للنفط، مصدر الثروة الهائلة التي حوّلت البلد الخليجي من منطقة صحراوية مقفرة إلى دولة يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها الولايات المتحدة.
وحتى قبل الإعلان عن استضافة قمة المناخ، قامت الإمارات بإسكات منتقديها وقمعت المعارضة، لدرجة أنها حالت دون وجود مجتمع مدني محلي مستقل في البلاد، بهدف صرف الانتباه عن السياسات والممارسات القمعية والرجعية التي تنتهجها السلطات الإماراتية وسجلها المناخي السيّئ.
ومنذ اللحظة الأولى، أثارت استضافة القمة العالمية أسئلة غير مرحّب بها حول سجلّ الإمارات في مجال حقوق الإنسان، وبدأت الجماعات الحقوقية تدقّ أجراس الإنذار مبكرًا، وتساءل ديفين كيني، الذي يقوم بالأبحاث في الإمارات لصالح منظمة العفو الدولية: كيف من المفترض أن تُجرى مناقشة جادة حول مشكلة حرجة للبشرية جمعاء، في بلد يعتبر النقاش النقدي فيه غير قانوني؟
ومع مرور الوقت، باتت الإمارات تواجه التدقيق ليس فقط بسبب التحديات البيئية، لكن أيضًا بسبب تجاهلها لحقوق الإنسان، ففي رسالة لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، حثّت منظمة هيومن رايتس ووتش على الضغط لوضع حد لقمع المجتمع المدني في الدولة الخليجية قبل انعقاد مؤتمر المناخ.
ومع اقتراب انطلاق القمة، كشف تحقيق صحفي لمنظمة “Justice for Journalists” أن الإمارات لجأت إلى القبضة الأمنية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحجبت المنشورات، ولاحقت الصحفيين والناشطين البارزين من خلال أنظمة تجسُّس تنتجها الشركة الاستخباراتية الإسرائيلية NSO، من أجل ممارسة القمع والتنكيل ضد النشطاء، وهو ما يؤكد بواعث قلق منظمة العفو الدولية بشأن استخدام المراقبة الرقمية خلال مؤتمر “كوب 28”.
وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، أرسلت أكثر من 19 جماعة حقوقية رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تدعو فيها الولايات المتحدة إلى الضغط على الإمارات للإفراج الفوري عن المدافعين عن حقوق الإنسان من معتقلي الرأي القابعين في سجون أبوظبي، على رأسهم الناشط الإماراتي أحمد منصور المسجون تعسفيًّا منذ عام 2017، لتهيئة ظروف أفضل لمؤتمر تغيُّر المناخ.
بالإضافة إلى منصور، تحتجز السلطات الإماراتية حاليًّا ما لا يقل عن 62 إماراتيًّا بتهم لا أساس لها من الصحة تتعلق بمكافحة الإرهاب، وتواصل حبس العشرات من هؤلاء السجناء بتهم ذات دوافع سياسية بعد انتهاء مدة أحكامهم، كجزء من المحاكمة الجماعية غير العادلة المعروفة بـ”الإمارات 94″.
وكانت إحدى النقاط المثيرة للقلق بشكل خاص هي قدرة نشطاء المناخ على الاحتجاج بأمان في القمة، فالاحتجاجات الشائعة في قمم الأمم المتحدة للمناخ محظورة بشكل أساسي في الإمارات التي تمنع التظاهر من دون إذن مسبق، ومع ذلك أكدت الإمارات أنها ستسمح بالتجمعات في مساحة مخصَّصة ضمن موقع انعقاد المؤتمر في مدينة إكسبو دبي، وهذا من شأنه أن يسلط الضوء على بيئة حقوق الإنسان التقييدية عادة في الإمارات، ولفت آخرون إلى أن هذه التطمينات والتعهُّدات لم تنجح في تهدئة الناشطين الذين يعتزمون إثارة القضايا الحقوقية بـ”كوب 28″.
ولم يخفِ ذلك قلق ناشطين في مجال المناخ من المراقبة والتوقيف في ظل نظام قضائي صارم في الدولة الخليجية النفطية، ففي مايو/ أيار أصدرت العشرات من جماعات حقوق الإنسان والبيئة بيانًا جاء فيه أن “القيود الصارمة” التي تفرضها السلطات الإماراتية على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، ستعيق المشاركة الكاملة والهادفة للصحفيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومجموعات الشباب.
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار رئيس تنفيذي لشركة نفطية منذ انطلاق مؤتمر المناخ في برلين عام 1995، لقيادة مفاوضات المناخ التي تستضيفها دولة مختلفة كل عام.
وليس بعيدًا عن هذه الانتهاكات، أرادت الإمارات أن يكون هذا الحدث العالمي فرصة لجمع قادة العالم تحت راية المناخ، فوجّهت دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمشاركة في المؤتمر، واحتضنت الرئيس الإسرائيلي إتسحاق هرتسوغ الذي وصل إلى دبي لعقد سلسلة من الاجتماعات السياسية مع القادة كجزء من مؤتمر المناخ العالمي “كوب 28″، في وقت لم يجفّ بعد دماء آلاف الأطفال المسلمين في غزة.
وفي صيف عام 2023، دعت الإمارات رئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور قمة المناخ، وهذا من شأنه أن يضع الأسد في المكان نفسه مع الزعماء الغربيين الذين عارضوه وفرضوا عليه عقوبات لسنوات، وسيكون هذا أول مؤتمر دولي يحضره الأسد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، لكن مع انطلاق قمة المناخ تأكّد غياب الأسد دون سبب معلن من قبل النظام أو الأطراف الإقليمية، ويبدو أنه يرتبط بمذكرة اعتقال بحقه أصدرها القضاء الفرنسي هذا الشهر.
عندما يدير رجل النفط قمة المناخ
إلى جانب مخاوف حقوق الإنسان التي تتزايد حدّتها، تواجه حكومة أبوظبي انتقادات بيئية أكثر حدّة، فحتى قبل بدء ترؤّسها محادثات المناخ العالمية التي بدأت في يناير/ كانون الأول 2023، كانت التوقعات تشير إلى تولي رئيس شركة نفطية حكومية هذا الدور القيادي.
وكان اختيار وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة وعضو مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، سلطان أحمد الجابر، لهذه المهمة في هذا الشهر، تحديًا جديدًا في طريق حلّ مشكلة المناخ، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار رئيس تنفيذي لشركة نفطية منذ انطلاق مؤتمر المناخ في برلين عام 1995، ناهيك عن كونه أحد العاملين في صناعة الوقود الأحفوري، لقيادة مفاوضات المناخ التي تستضيفها دولة مختلفة كل عام.
يقع الجابر في قلب هذا النظام المتناقض للطاقة، فبالإضافة إلى توليه منصب المبعوث الخاص لدولة الإمارات المعنيّ بتغير المناخ، يرأس الجابر شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” العملاقة المملوكة للدولة، ويشرف على توسعة كبيرة في إنتاج النفط والغاز، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى “تأمين مستقبل الشركة” وسط التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
الجابر يتولى أيضًا منصب متناقض آخر، فهو رئيس شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، التي تعرَف أيضًا باسم “مصدر”، وهي شركة أصغر حجمًا مملوكة للدولة شارك في تأسيسها، ومقرها مدينة أبوظبي، تركز على إنتاج الطاقة المتجددة، وتدير الآن مشاريع في أكثر من 40 دولة.
ولم يُلزم الجابر شركة “أدنوك” بخفض إنتاجها من النفط، ولم يرسم طريقًا لتصبح شركة للطاقة المتجددة، وبدلاً من ذلك تستثمر الشركة أكثر من 150 مليار دولار في مشاريع النمو، بما في ذلك توسيع طاقتها الإنتاجية من النفط الخام، ويخصَّص جزء صغير من هذه الأموال (15 مليار دولار) للحدّ من الانبعاثات الناجمة عن استخراج النفط.
يعني ذلك، كما يقول البعض، أن الجابر يمتد بين عالمَين: الأول كرئيس مفاوضات المناخ التي يتعيّن على العالم فيها تحقيق قفزة هائلة في خفض الانبعاثات، وتمويل الابتعاد عن انبعاثات الوقود الأحفوري؛ والثاني كرئيس لواحدة من أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم من حيث الإنتاج، والتي توفر حوالي 3% من النفط العالمي، وهو الآن مكلف بالتوفيق بين الاحتياجات المتباينة لأزمة المناخ وصناعة الوقود الأحفوري.
لهذا أثار قيام الجابر، باعتباره أحد المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط، بإدارة تجمع دولي يهدف إلى معالجة تغير المناخ، الكثير من الانتقادات والأسئلة حول كيفية الانخراط في مثل هذه الإجراءات المتضاربة، وغرقت القمة المرتقبة في جدل واسع حول كون الجابر المرشح المثالي لقيادة التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وسبق أن قارن نشطاء المناخ تعيينه بتكليف شركة تبغ بمسؤولية حملة لمكافحة التدخين.
قادت السلطات الإماراتية حملة إلكترونية للتخفيف من حدة هذه الانتقادات، وكشفت “بي بي سي” عن شبكة من الحسابات تعمل بالتنسيق بين بعضها للترويج لقمة المناخ ورئيسها، وينشر أصحاب هذه الحسابات التي تديرها نساء شابات جذابات من أنحاء الإمارات، صورًا مصمَّمة باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في محاولة لاجتذاب المزيد من المستخدمين، تتخلّلها تغريدات تكيل المديح لحكّام الإمارات، وتسلط الصور على سياساتهم في الداخل والخارج.
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان تعيين الجابر، قوبل القرار بتشكيك عميق من قبل المجموعات البيئية، ودعا بعض نشطاء المجتمع المدني إلى التخلي عن أدواره في مجال الوقود الأحفوري لتولي رئاسة “كوب 28″، وفي مايو/ أيار الماضي أعلن أكثر من 100 عضو في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي أن الجابر “عرّض عملية مؤتمر الأطراف للخطر الشديد”، ووقّعوا على رسالة تطالب بإقالته من منصبه كرئيس للقمة.
ويرى خبراء البيئة أنه كان من الضروري أن يطمئن الجابر العالم بأنه سيتنحّى عن دوره كرجل النفط والغاز الذي يدير قمة المناخ، وأنه لا يمكنه أن يرأس عملية معالجة أزمة المناخ، ويرأس صناعة مسؤولة عن الأزمة نفسها، وحذّروا من أن عدم حدوث ذلك سيكون بمثابة سيطرة واسعة النطاق على محادثات المناخ، من قبل شركة النفط الوطنية النفطية وجماعات الضغط المرتبطة بالوقود الأحفوري.
وفي سبتمبر/ أيلول، ذكر تقييم للأمم المتحدة أن “التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري سيكون لا غنى عنه”، لإبقاء أهداف اتفاق باريس في متناول اليد، لذلك ليس من المستغرب أن تكون الانتقادات الموجّهة إلى الجابر، باعتباره وكيلًا لشركات الوقود الأحفوري الصاعدة، لا هوادة فيها.
قمة “الغسيل الأخضر”
تأمل الإمارات أن تساعد القمة في “تعزيز سمعتها” ووضع الجابر باعتباره “قائدًا للعمل المناخي”، ويبدو أنها تخطط لمواجهة الانتقادات الموجّهة لانتهاكات حقوق الإنسان في مؤتمر “كوب 28″، بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة حول المجالات المتعلقة بسياسة المناخ.
يكشف تسجيل صوتي مسرَّب لاجتماع جرى في فبراير/ شباط الماضي بين ممثلين عن الإمارات ومنظمي القمة، مدى قلق المسؤولين الإماراتيين حول كيف يمكن لانتقادات سجل حقوق الإنسان أن تعرقل هذه الخطط، ويقدم نظرة صريحة على جهودهم للردّ على الانتقادات الموجهة لسياسات الدولة الخليجية.
ويقدم التسجيل الذي نشره مركز التقارير المناخية، وهو منظمة غير ربحية مقرها لندن، نظرة نادرة حول الكيفية التي تأمل بها الحكومة في الحد من التدقيق وتعزيز مكانتها الدبلوماسية في القمة، ويسلط الضوء على تركيز الدولة الخليجية على صورتها، والتي تديرها شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط والمتخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم.
خلال الاجتماع الذي استمر نصف ساعة، وضمَّ بعض خبراء القانون الدولي وحقوق الإنسان التابعين للحكومة، بالإضافة إلى سفير الإمارات في هولندا عبد الله النقبي، والرئيس التنفيذي لقمة المناخ عدنان أمين، ناقش المسؤولون استطلاعًا شمل أكثر من 20 ألف شخص في 20 دولة حول المواقف تجاه الإمارات، بتكليف من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان.
ويبدو أن أكبر المخاوف التي ظهرت كانت جميعها مرتبطة بحقوق الإنسان التي يحذّر فريق “كوب 28″ من استغلالها لمهاجمة الإمارات، بما في ذلك حرية التعبير والحق في الاحتجاج، ما دفع البعض إلى وضع خطط لتفادي الأسئلة التي وُصفت بـ”العدائية” حول قضايا مثل حقوق العمّال، والتي من وجهة نظرهم ليس لها “صلة بتغير المناخ”، والتواصل مع جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي انتقدت سجل الإمارات من الانتهاكات للتخفيف من حدة الانتقادات.
واقترحت مسؤولة قدمت نفسها على أنها رئيسة مكتب حقوق الإنسان في الديوان الرئاسي -وهي وزارة إماراتية يرأسها شقيق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، والتي تقدم الدعم “لصنّاع القرار” في البلاد وفقًا لموقع الحكومة-، أن الاستراتيجية الأفضل هي اقتصار المحادثات، وتركيزها بشدة على تغير المناخ ضمان عدم استغلالها للدفاع عن قضايا أخرى.
هذه التسريبات “المثيرة للقلق” كانت جزءًا من محاولات أوسع من جانب الإمارات لدحض الانتقادات البيئية، حيث تكشف وثائق مسرَّبة أن الشركة النفطية الوطنية التي يرأسها الجابر، تخطط لتغيير اسم علامتها التجارية الذي يجعلها “هدفًا لانتقادات محتملة”، وذلك من خلال حذف كلمة “النفط” المقترنة باسم الشركة المملوكة للدولة قبل استضافة قمة المناخ.
خطط تغيير العلامة التجارية تتضمّن اعتماد شكل جديد لـ”أدنوك”، يصورها على أنها “شركة طاقة مستقبلية مبتكرة وطموحة تستثمر وتعمل في مختلف مجالات الطاقة، من الهيدروكربونات والهيدروجين إلى الطاقات الجديدة والناشئة”، ولم يكن ذلك سوى مجرد خطوة أحدث في دفعة كبيرة للعلاقات العامة في “أدنوك” منذ تولي الجابر منصبه عام 2016، بعد شهور من توقيع العالم على اتفاقية باريس، وتكليفه بتحديث الشركة.
تم تعيين ما لا يقل عن 12 من موظفي “أدنوك” الذين جاءوا مباشرة من صناعة الوقود الأحفوري في الإمارات، في مناصب في الفريق المضيف لقمة المناخ.
بدأ الجابر يتحدث عن شركة “أدنوك” باعتبارها شركة ناشئة أقل من كونها شركة نفطية عملاقة مملوكة للدولة، وأعلن في أحد المؤتمرات أن الشركة تتبنّى دمج التقنيات الرقمية، من خلال ضخّ الأموال في الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتحليلات المتقدمة، وأطلق في عام 2019 المخطط المعروف باسم “النفط والغاز 4.0” كمنصة للترويج لكيفية تبنّي “أدنوك” للتقنيات الجديدة، وجذب المواهب الجديدة، والتخفيف من تأثيرها البيئي، والعمل مع شركاء جدد.
تستشهد وثائق الإحاطة المسرَّبة مرارًا وتكرارًا بشركات الوقود الأحفوري الكبرى الأخرى التي غيّرت اسمها كانعكاس لـ”التحول الأخضر”، ومع ذلك كان لدى شركة Total التي غيّرت تسمية العلامة التجارية إلى TotalEnergies عام 2021، مشاريع جديدة لإنتاج النفط والغاز أكثر من أي شركة أوروبية أخرى، وفقًا لصحيفة “لو موند” الفرنسية.
وبالمثل، قدّمت “أدنوك” العام الماضي أهدافًا لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط إلى 5 ملايين برميل يوميًّا بحلول عام 2030، وفي وقت سابق من هذا العام عقدت طرحًا عامًّا أوليًّا لشركة جديدة ستقوم بتصدير الغاز الطبيعي إلى جميع أنحاء العالم.
للقمة مآرب أخرى
في الآونة الأخيرة، عززت “أدنوك” بشكل واضح دورها كلاعب رئيسي في تحول الطاقة مع ابتعاد العالم عن الوقود الأحفوري، وفي عام 2020، وهو العام نفسه الذي تم فيه تعيين الجابر كمبعوث خاص لتغير المناخ، أعلنت الشركة عن “أهداف الاستدامة”، والتي ركّزت على كونها “واحدة من شركات النفط والغاز الأقل كثافة في الكربون في العالم”.
ومع ذلك، تمتلك الإمارات بعض أكبر احتياطيات النفط في العالم، ولديها الرغبة في مواصلة توسيع وتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، ويتناقض ذلك مع مساعيها للظهور كدولة رائدة في مجالات الطاقة النظيفة والغذاء والتكنولوجيا والتكيُّف والتمويل، لكن كيف يمكنها تحقيق ذلك في حين أنها تشرف على الكثير من الأضرار التي لحقت بالكوكب؟
استثمرت الحكومة الإماراتية بكثافة في الطاقة المتجددة، واتخذت أبوظبي خطوات للتنويع، إلا أن اقتصادها وميزانيتها الحكومية يعتمدان بشكل كبير على استمرار إنتاج الوقود الأحفوري، رغم تصريح وكالة الطاقة الدولية بأنه يجب ألا تكون هناك حقول جديدة للنفط والغاز، إذا كان العالم يريد الوصول إلى الصفر بحلول عام 2050.
يأتي نحو 13% من صادرات الإمارات مباشرة من النفط والغاز، وهو ما يمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وترتبط العديد من صناعاتها الأخرى، بما في ذلك البناء والسفر، ماليًّا أيضًا بالوقود الأحفوري.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية ستستمرّ لعقود طويلة قادمة، ففي حوار مع مجلة “تايم” الأمريكية، اعترف الجابر بأن “العالم ليس مستعدًّا للتخلص تمامًا من النفط والغاز”، وبرر ذلك بقوله: “لا يمكننا فصل العالم عن نظام الطاقة الحالي قبل أن نبني نظام طاقة جديد”، لكنه أشار إلى أن “التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري أمر ضروري”.
عمل الجابر مع كبرى الشركات الاستشارية ووكالات العلاقات العامة الأكثر نفوذًا في العالم، للترويج لعمله كمدافع عن الاستثمار الإماراتي في الطاقة الخضراء.
أعلنت حكومة الإمارات -الراعية لجهود خفض الانبعاثات العالمية في الوقت الحالي- عزمها الوصول إلى صفر انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، ومع ذلك تحاول في الواقع عقد صفقات جانبية من شأنها إبطاء عملية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وزيادة الانبعاثات العالمية.
ووفقًا لموقع “كوب 28″، يُفترض أن يكون الحدث العالمي “فرصة رئيسية للتوحُّد خلف طموح جماعي لتحويل الاستجابة العالمية لأزمة المناخ”، لكن خطط الجابر السرية تكشف تعزيز أعمال الوقود الأحفوري وممارسة الضغوط من أجل صفقات النفط والغاز، خلال اجتماعات ثنائية مع كبار المسؤولين الحكوميين وكبار رجال الأعمال من جميع أنحاء العالم في الأشهر الأخيرة.
ووفقًا لسجلات داخلية مسرَّبة، خطّطَ الفريق المعنيّ بقمة المناخ لاستغلال هذه الاجتماعات لزيادة صادرات “أدنوك” من النفط والغاز، والتي تقدَّر بمليارات الدولارات، ورفع المصالح التجارية مع ما يقارب 15 دولة، من بينها الصين ومصر وكولومبيا وموزمبيق وأستراليا.
وخلال كلمته في منتدى الطاقة العالمي -وهو حدث استضافه المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث أمريكي في الإمارات على مدى السنوات الست الماضية-، قال الجابر إنه عندما يحين الوقت ستحتفل الدولة الغنية بالنفط “بآخر برميل نفط”، لكن ما لم يقله هو أنه بصفته الرئيس التنفيذي لشركة “أدنوك”، يشرف حاليًّا على توسُّع كبير في إنتاج الشركة من النفط والغاز.
ولعب موظفو شركة النفط دورًا حاسمًا في تشكيل القمة، فقد تمّ تعيين ما لا يقل عن 12 من موظفي “أدنوك” الذين جاءوا مباشرة من صناعة الوقود الأحفوري في الإمارات، في مناصب في الفريق المضيف لقمة المناخ، بما في ذلك موظفان تم تعيينهما كمفاوضَين نيابة عن الإمارات في المؤتمر، رغم أن ملفاتهما الشخصية على موقع “لينكد إن” تشير إلى أنه قد لا يكون لديهما خلفية في دبلوماسية المناخ الدولية، وفقًا لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
هذه التحركات الإماراتية خلال الأشهر الماضية تكشف أيضًا أن شركات النفط ومديريها التنفيذيين يأخذون ما يُعرَف بـ”الغسيل الأخضر” إلى مستوى جديد تمامًا، كخطوة استباقية لمحاولة السيطرة على السرد وتشكيله، حيث اتُّهم الجابر بمحاولة تلميع صورته بعد الكشف عن قيام أعضاء فريقه بتحرير صفحات “ويكيبيديا” تسلط الضوء على دوره كرئيس تنفيذي لشركة نفطية حكومية، وسط انتقادات لاختياره لقيادة قمة المناخ.
يتضمّن العمل الذي قام به فريق الجابر في مقالاته ومدخلات “ويكيبيديا” الخاصة بقمة المناخ، إضافة اقتباس من مقال افتتاحي جاء فيه أن الجابر هو “على وجه التحديد نوع الحليف الذي تحتاجه حركة المناخ”، وإزالة الإشارة إلى اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار وقّعها الجابر عام 2019 مع عمالقة الاستثمار الأمريكيين لتطوير البنية التحتية لخطوط أنابيب النفط، واقتراح أن تقول الصفحة إن الجابر اجتذب ببساطة “استثمارات دولية” في “أدنوك”، في محاولة للتحكم في كيفية النظرة العامة إلى سجله في صناعة الوقود الأحفوري.
وفي الوقت نفسه، عمل الجابر مع كبرى الشركات الاستشارية ووكالات العلاقات العامة الأكثر نفوذًا في العالم، للترويج لعمله كمدافع عن الاستثمار الإماراتي في الطاقة الخضراء، وصاحب رؤية وراء مدينة مصدر التي تعتمد على الطاقة النظيفة، وجعله واجهة حرب البلاد ضد تغير المناخ.
رغم تعثُّر التقدم في المدينة البيئية المستقبلية التي أنشأها الجابر، والتساؤلات حول مؤهّلاته الخضراء مع تكثيفه لإنتاج النفط والغاز، ضمنت له وكالات العلاقات العامة والاستشاريون دعم القادة والمؤسسات العالمية، فقد حظيَ تعيينه كرئيس لقمة المناخ الجارية بالترحيب من أمثال جون كيري، المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للمناخ، وغيره من الشخصيات الرئيسية في دبلوماسية المناخ الدولية.
وقبل أيام قليلة من انطلاق “كوب 28″، كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن عمل شركة إيدلمان الأمريكية، وهي أكبر شركة علاقات عامة في العالم، اكتسب “مقياس الثقة” الرائد الخاص بها سمعته كسلطة في مجال الثقة العالمية؛ للترويج للحكّام “المستبدين” في الإمارات وتحسين صورتهم أمام العالم، في إطار لعبة التضليل الحكومي الذي ينتهجه ابن زايد، مقابل تلقيها مبالغ مالية بملايين الدولارات.
وقد أدّى النهج التجاري الذي اتّبعه الجابر إلى سلسلة من القرارات المربكة، فقد كان يتنقّل عبر شركات العلاقات العامة، واعتمد على شركة ماكينزي للحصول على التوجيه، رغم افتقار الشركة إلى الخبرة في إدارة محادثات المناخ الحسّاسة، وأمضى شهورًا في جولات خارجية يقول البعض إنها أعاقت المفاوضات.
ومع ذلك، ليس مضمونًا أن يساهم كل ذلك في نجاح قمة المناخ على الإطلاق، فالعقلية التجارية التي ينتهجها الجابر لا تتوافق بالضرورة مع المفاوضات الدبلوماسية بين 200 دولة، ولا تتمتع الشركات -خاصة تلك العاملة في مجال النفط والغاز- بسجل حافل في متابعة الالتزامات المناخية.