ترجمة وتحرير: نون بوست
على إثر مغادرته للسعودية، نشر دونالد ترامب تغريدة عكست شعوره بالانتصار، أعلن فيها أن زيارته للمملكة قطفت أولى ثمارها التي تتمثل في دخول السعودية في مواجهة مع قطر. وفي الحقيقة، تعكس هذه التغريدة بالذات درجة السذاجة والسطحية التي أصبحت عليها السياسة الخارجية الأمريكية خلال الستة أشهر التي تلت مغادرة أوباما للبيت الأبيض. لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا تمت إثارة مشكلة قطر الآن؟ وما الذي نحتاج لمعرفته حتى نفهم هذه الأزمة؟
أولا يجب علينا أن نرسم صورة كاملة وعامة للظروف التاريخية في المنطقة، حتى نبدأ بفهم هذه المشكلة، حيث لن تمثل سوى بداية لتحليل هذه الأزمة المعقدة. في العادة، عندما ينظر الغرب إلى الشرق الأوسط، فإنهم يعتقدون أن كل الصراعات مرتبطة بشكل أو بآخر بالصراع العربي الإسرائيلي، إذ أن إقامة هذه الدولة اليهودية وتهجير الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم هو حسب رأي الكثيرين أصل كل الشرور.
من جهتهم، غالبا ما يتعرض المحللون عندما يناقشون هذا الصراع المستمر منذ سبعة عقود، لموقع إيران في هذه المسألة، وهو ما فعله الرئيس الأمريكي خلال الوضع الحالي. وللأسف، تتناسى هذه الرواية التي تضع إسرائيل في قلب الأحداث نقطة مهمة جدا، إذ أن الإيرانيين ليسوا عربا، بل هم من الفرس.
في الواقع، تناحر الفرس والعرب ودخلوا في صراع مستمر منذ وقت طويل حتى قبل إعلان دولة “إسرائيل” أي قبل 70 سنة. كما تعود جذور هذا النزاع حتى قبل ظهور الدعوة المحمدية في القرن السابع وانتشار الإسلام، بل إنها تعود في الواقع إلى عصر الملك الفارسي داريوس الذي حكم مصر في القرن الرابع قبل الميلاد. وحتى في مصر، لا يعدّ العصر الذي حكم فيه الملك داريوس قديما جدا، حيث أنه يمكن من هناك العودة بالتاريخ إلى عصر الفراعنة والأهرامات والنبي موسى، من أجل فهم البعد التاريخي للصراع بين المصريين والفرس.
ينتمي القطريون، على غرار السعوديين، إلى الإسلام السني. لكن عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر تنتمي إلى قبيلة من البدو الذين حاربوا عائلة آل سعود قبل أن ينجح لورنس العرب في تنصيب هؤلاء كحكام لمكة، وهو حكم لا يزال مستمرا إلى حد الآن
وبعد أن جاء النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بدعوة الإسلام، أصبح للدين مكانة أكثر أهمية في حياة الناس. بالتالي، فإن كل من كان يسيطر على مكة كان يريد السيطرة على الإسلام وفرض تفسيره الديني. والجدير بالذكر أن الفرس في إيران كانوا ينتمون إلى المذهب الشيعي، فيما كان المصريون من السنة. أما السعوديون فكانوا يتبعون فكرا دينيا أكثر محافظة يسمى بالوهابية، إذ تعتبر فرقة من فرق الإسلام السني. وعموما، كانت جل هذه الأطراف تسعى لفرض هيمنتها.
على مدى عقود، كانت مكة تحت حكم العثمانيين إلى أن انهارت الإمبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، وهو أمر تزامن مع اكتشاف مخزون هائل من النفط في المنطقة. وقد فهم البريطانيون آنذاك أهمية هذا الذهب الأسود، مما دفعهم إلى اختيار قبيلة من العرب لتتولى حكم شبه الجزيرة العربية، وهي عائلة آل سعود، التي ظلت مسيطرة على الجزء الأكبر من المنطقة منذ ذلك الحين. في المقابل، حكم بقية دول شبه الجزيرة العربية على غرار عمان، والبحرين، وقطر، التي تضم عدد سكان أقل، ملوكا وأمراء. بينما يبقى وضع اليمن مختلفا تماما.
من جانب آخر، ينتمي القطريون، على غرار السعوديين، إلى الإسلام السني. لكن عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر تنتمي إلى قبيلة من البدو الذين حاربوا عائلة آل سعود قبل أن ينجح لورنس العرب في تنصيب هؤلاء كحكام لمكة، وهو حكم لا يزال مستمرا إلى حد الآن.
في شأن ذي صلة، وقبل اندلاع الثورة الإيرانية، كانت تجمع المصريين بالفرس علاقات طيبة، حتى أن شاه إيران تزوج من شقيقة الملك فاروق. وفي الوقت الراهن، يوجد قبر الشاه في القاهرة في مسجد قريب من مكان دفن فاروق، آخر ملوك مصر. وقد أطلقت الثورة الإيرانية جولة جديدة من الصراع القديم بين مصر والفرس، وتمكنت إيران بمساعدة قطر من دعم تيار الإخوان المسلمين في مصر، بموافقة أمريكية، إلى أن انتهى حكم مبارك وأصبح محمد مرسي رئيسا لمصر.
جلس الإسرائيليون واكتفوا بمشاهدة أعدائهم يتقاتلون فيما بينهم، حيث صعّدت السعودية من حربها في اليمن، التي تعتبر في الواقع حربا بالوكالة مع إيران، وبدأت أيضا تركز على القطريين الذين تعتبرهم أعدائها
حينها، أصبح الإيرانيون والمصريون سعداء بما تم تحقيقه. في المقابل، أزعج التقارب الإيراني المصري السعوديين وأدخل الرعب في نفوس الإسرائيليين. لذلك، نسقت كل من الرياض وتل أبيب جهودهما من أجل تسليط ضغوط مشتركة على واشنطن بهدف إنهاء حكم مرسي. وكانت المفاجئة إثر ذلك، دعم الولايات المتحدة للانقلاب على حكم الرئيس مرسي، ودعمها صعود الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم من أجل تحييد الدور الإيراني.
مقابل هذا الدعم، أهدى السيسي إلى السعوديين جزيرتين مصريتين كنوع من الامتنان والعرفان للرياض. وفي الأثناء، جلس الإسرائيليون واكتفوا بمشاهدة أعدائهم يتقاتلون فيما بينهم، حيث صعّدت السعودية من حربها في اليمن، التي تعتبر في الواقع حربا بالوكالة مع إيران، وبدأت أيضا تركز على القطريين الذين تعتبرهم أعدائها.
لكن لسائل أن يسأل: لماذا قطر بالذات؟ عندما ننظر إلى خريطة شبه الجزيرة العربية، نستطيع أن نلاحظ الأسباب التي قد تدفع بالخبراء العسكريون السعوديون إلى التركيز على قطر، على رغم من أنها تعدّ دولة مستقلة. في الحقيقة، يعتقد هؤلاء الخبراء أن الأوضاع ستكون أفضل بالنسبة لهم في حال تم ضم هذه الدولة وأصبحت محافظة سعودية، وبالتالي سيتم توحيد قبائل البدو المنقسمين تاريخيا. علاوة على ذلك، تتمتع قطر بثروات كبيرة من الغاز، ما من شأنه أن يثير الكثير من الأطماع.
لا يمكن للسعوديين غزو قطر، حيث توجد بها قاعدة جوية أمريكية. وبالتالي، لن تقبل واشنطن بخطوة مماثلة ما قد يدفع بالسعوديين إلى التفكير في تحييد الولايات المتحدة
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن للسعوديين غزو قطر، حيث توجد بها قاعدة جوية أمريكية. وبالتالي، لن تقبل واشنطن بخطوة مماثلة ما قد يدفع بالسعوديين إلى التفكير في تحييد الولايات المتحدة.
ولعلّ هذا هو السبب الذي يقف وراء إهداء السعوديين لضيفهم ترامب رقصة العرضة الشهيرة. من جهته، تجاهل تجاهل الرئيس الأمريكي بشكل أو بآخر في إحدى تغريداته على موقع التويتر دور السعودية في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ووجّه أصابع الاتهام نحو إيران وشجع السعوديين على مهاجمة قطر. ومن المرجح أن يكون حكام السعودية الآن بصدد تقديم الشكر لدونالد ترامب، فهل كان هذا الرئيس الأمريكي دمية في أيديهم تلاعبوا بها؟ أراهن أن القطريين والإيرانيين يؤمنون بأنه كان كذلك.
المصدر: الاندبندنت