ترجمة وتحرير نون بوست
بات من الواضح أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد اتفق بشكل جيد مع الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، إثر زيارته للمملكة خلال الشهر المنصرم حتّى وصل به الأمر إلى تبنّي أهداف السياسة الخارجية للمملكة. في الواقع، تكن السعودية السنية الكره لإيران الشيعية التي تعتبرها منافستها الإقليمية الرئيسية، وهو الموقف ذاته الذي يتشاركه ترامب مع المملكة.
فضلا عن ذلك، يبدو أن ترامب يشاطر السعودية وجهة نظرها بشأن مشيخة قطر التي يعتبرها أكبر داعم للإرهاب في الشرق الأوسط. وفي الخامس من شهر حزيران/يونيو الجاري، هلّل الرئيس الأمريكي بقطع السعودية، والبحرين، والإمارات لعلاقاتها الديبلوماسية مع قطر، إلى جانب الروابط البرية، والبحرية، والجوية التي تجمعها مع الإمارة.
في الأثناء، أعطت الدول الخليجية مهلة قدرها 14 يوما للمواطنين القطريين من أجل مغادرة أراضيها، كما أعلنت الإمارات عن تسليطها عقوبة قد تصل مدتها إلى 15 سنة على كل شخص يجاهر بدعمه لقطر، في موقف مثير للسخرية. وفي تعليقه على هذه التطورات، كتب ترامب على تويتر قائلا: “ربما يمثل هذا الحدث بداية النهاية لرعب الإرهاب”.
على الرغم من صغر حجمها، إلا أن دولة قطر تعتبر مهمة، حيث أنها تمثل أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم ومحورا للخطوط الجوية. وفي السياق ذاته، تضم قطر قناة الجزيرة، التي تمثل أكبر منبر إعلامي غير خاضع للرقابة في الشرق الأوسط (طالما أنها لا توجه الانتقادات للمملكة القطرية). من جانب آخر، تربط قطر بإيران علاقات جيدة، حيث تعمل بالتعاون معها على استغلال حقل غاز واسع في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم قطر جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل الوجه الأكثر شعبية للإسلام السياسي. وبالتالي، تجتمع كافة هذه العناصر لتفسر سبب الكره الذي تكنّه السعودية لقطر. والجدير بالذكر أن النظام السعودي حاول فيما مضى إخضاع قطر لإرادته، بيد أنه فشل في تحقيق ذلك. من جهتها، تستضيف قطر قاعدة أمريكية كبرى وهو ما جعلها تشعر بالأمان إلى غاية اليوم. في المقابل، ومع استقرار ترامب في البيت الأبيض، أصبح مستقبل المنطقة يشوبه الغموض.
في الواقع، لم تُقدّم أية أسباب ملموسة من شأنها تبرير مقاطعة الدول الخليجية لقطر، فيما تتعالى الأصوات بشأن تمويل القطريين الأثرياء للإرهاب. على الرغم من أن أصابع الاتهام توّجه نحو السعوديين الأغنياء، إلا أنه لم يتم إثبات ذلك بعد، حتى بعدما أفادت صحيفة فاينانشال تايمز أن قطر قامت بدفع فدية قدرها مليار دولار لإيران وفرع تابع لتنظيم القاعدة. في الحقيقة، تم دفع الأموال بهدف إطلاق سراح أفراد من العائلة المالكة القطرية وقع احتجازهم كرهائن خلال رحلة صيد للصقور في العراق، وهي أموال تمكن من اقتناء العديد من المتفجرات.
عموما، أحدثت هذه المقاطعة انقساما داخل مجلس التعاون الخليج العربي، الذي لطالما مثّل قوة ثابتة في منطقة غير مستقرة. ومن هذا المنطلق، قد يتمّ دفع بقطر، والكويت، وعمان، العضوان الآخران في المجلس اللذان أعلنا عن رفضهما دعم قرار السعودية، إلى أحضان إيران على نحو متزايد. وعلى الرغم من أن الأوضاع قابلة للتهدئة، إلا أن المراقبين يخشون أن تدفع قطر ثمن تراجع السعودية عن موقفها عبر تكميم أفواه صحفيي الجزيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن دعم ترامب للمواقف السعودية وقراراتها يضر بمصداقية الولايات المتحدة، حيث نوّه الرئيس الأمريكي بأن القوة العظمى قادرة على التخلي عن حلفائها بعد التوصل إلى اتفاق مع أعدائها. وفي هذا الصدد، أوضح ترامب عبر تغريدة له على موقع التويتر، في السادس من حزيران/يونيو الجاري، أنه “خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلت إنه لم يعد بالإمكان تمويل الأيديولوجية المتطرفة. حينها، أشار القادة إلى قطر”.
أما مسؤولو السياسة الخارجية العقلاء في إدارة ترامب، فيسعون إلى التقليل من شأن هذه العبارات غير الديمقراطية وتهدئة الأوضاع. وعلى الأرجح أن الرئيس الأمريكي أدرك خطأه، حيث سارع في اليوم الموالي إلى تقديم خدماته كوسيط لفض النزاع.
كل شيء وارد في الوقت الراهن
من جانبه، تأكد الرئيس المصري الاستبدادي، عبد الفتاح السيسي، من أن ترامب يمثل الزعيم الأمريكي الذي سيسمح له باضطهاد أعدائه دون أية عوائق. ففي 23 أيار/مايو الماضي، وبعد يومين من اللقاء الذي جمع بين الرجلين في الرياض، تم اعتقال معارض محتمل لنظام السيسي بتعلّة الإساءة إلى الرئيس خلال مظاهرة نُظّمت منذ خمسة أشهر.
في 25 أيار/مايو الماضي، حجبت الحكومة المصرية موقع “مدى مصر”، وهي أكبر الصحف الليبرالية في البلاد، فضلا عن مواقع 20 وسيلة إعلام أخرى، من بينها الجزيرة وهافينغتون بوست عربي. أما في البحرين، فقد أقدمت السلطات على قتل خمسة أشخاص وإلقاء القبض على 286 آخرين خلال مداهمة مسقط رأس رجل دين شيعي. وفي أعقاب ذلك، تم حل أبرز حزب معارضة علماني في البلاد.
وفيما مضى، كانت الولايات لتعترض على جميع هذه الأحداث، وهو ما لم يعد واردا الآن. ونتيجة لذلك، ستتسبب السياسة الأمريكية الحالية في شرق أوسط أقل استقرارا.
المصدر: الإيكونوميست