ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ سنوات، والخلافات الشرسة بين إيران والمملكة العربية السعودية مستعرة، لذلك تدعم الحكومتان الأطراف المتضادة في العديد من الحروب الأهلية التي تدور في المنطقة مما شكل صراعا إقليميا بين فروع الإسلام السنية والشيعية. وقد يعتقد المرء أن الولايات المتحدة سوف تتبنى موقفا “ازدواجيا” تجاه الحرب الضروس القائمة بين اثنين من الأنظمة الاستبدادية الطائشة، ومن شأن تلك السياسة أن تخدم المصالح الأمريكية.
في الحقيقة، لا يمكن أن يكون الحياد السمة التي تميز موقف واشنطن إزاء الصراع الإيراني السعودي منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979، وذلك لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد رجحت دائما الكفة لصالح السعوديين. وخير مثال على ذلك زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، التي ندد خلالها كل من الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية ريكس تيلرسون بخطورة إيران، مؤكدين على ضرورة التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية. كما تعهد ترامب بالتزام واشنطن بتوقيع اتفاق جديد لبيع الأسلحة مع الرياض بقيمة 110 مليار دولار.
في ظل الأوضاع الراهنة، وعلى الرغم من أن الحياد سيكون الخيار الأفضل للولايات المتحدة، إلا أن الأمريكيين إذا أيقنوا بأنه عليهم التدخل في الصراع على السلطة في الشرق الأوسط، فسيتحتم عليهم على الأقل اختيار الجانب الأقل اعتراضا. وبدلا من توخي هذه السياسة، دأبوا دائما على دعم النظام الأكثر خطورة، وفسادا، وشراسة وازدواجية. وبذلك استحقوا على هذا النهج الذي يعتمدونه جائزة قصر النظر.
كانت إيران متورطة في الهجمات التي شنت ضد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بما فى ذلك تفجير ثكنات البحرية في لبنان سنة 1983، وتفجير مقر القوات الجوية فى أبراج الخبر في السعودية سنة 1996
عموما، هناك العديد من الأسباب التي تجعل واشنطن والشعب الأمريكي لا يحبان طهران طالما أن صور محرقة الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين احتجزوا كرهائن في نهاية إدارة جيمي كارتر، مازالت محفورة في أذهانهم. بالإضافة إلى ذلك، كانت إيران متورطة في الهجمات التي شنت ضد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بما فى ذلك تفجير ثكنات البحرية في لبنان سنة 1983، وتفجير مقر القوات الجوية فى أبراج الخبر في السعودية سنة 1996.
نتيجة لكل ذلك، تولد لدى الأمريكيين كراهية لا نظير لها تجاه إيران وزعم القادة السياسيون أن طهران كانت (ولا تزال) الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب. والواقع أن الحكومة الإيرانية تدعم فصائل متنوعة هاجمت مصالح “إسرائيلية” أو سعودية. والمسؤولون في الولايات المتحدة يُساوُون تلقائيا مثل هذا التمرد بالإرهاب، وهو في أحسن الأحوال رأي مبسط للغاية.
والجدير بالذكر أن عداء واشنطن قد تراجع قليلا بعد الاتفاق بين القوى الخمسة وإيران بشأن البرنامج النووي لطهران. وحتى هذا التقارب المتواضع أصبح الآن مهددا بالنظر إلى شكوك إدارة ترامب إزاء الاتفاق والخطاب المناهض لإيران المتزايد من المسؤولين الأمريكيين. كما أن هناك جهودا متضافرة من قبل القوات الموالية لإسرائيل والسعودية للضغط على الولايات المتحدة لإلغاء التزام واشنطن بالاتفاق والحفاظ على موقف عدائي تجاه طهران بشكل عام.
من جانب آخر، ساعد التحيز المناهض لإيران والمؤيد للسعودية على إضعاف موقف الولايات المتحدة في الصراعات الدموية المعقدة في الشرق الأوسط، كما سلط الضوء على التنافس المرير بين طهران والرياض على جبهات متعددة. فقبل بضع سنوات، تدخلت السعودية عسكريا لدعم الأسرة الحاكمة السنية في البحرين ضد الأغلبية المتزايدة من السكان الشيعة، الذين تدعمهم إيران، وإلى وقتنا الراهن تواصل الرياض دعم هذا النظام الفاسد.
مما لا شك فيه فإن الحملة العسكرية السعودية اتسمت بانتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان وأدت إلى حدوث مثل هذه الفوضى في البلاد، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مواجهة مجاعة كبيرة، بيد أن واشنطن أيدت الحرب العدوانية من خلال تزويد القوات السعودية بالمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي
في الآونة الأخيرة، قاد السعوديون تحالفا للدول السنية في الخليج للتدخل في الحرب الأهلية في اليمن. كما شنت الرياض ضربات جوية ضد الحوثيين الشيعة في اليمن لمنع هذا الفصيل من تحقيق أي انتصار يذكر نظرا للدعم الذين يلقونه من قبل إيران.
ومما لا شك فيه فإن الحملة العسكرية السعودية اتسمت بانتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان وأدت إلى حدوث مثل هذه الفوضى في البلاد، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مواجهة مجاعة كبيرة، بيد أن واشنطن أيدت الحرب العدوانية من خلال تزويد القوات السعودية بالمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي.
وفي هذا الإطار، تشكل الحروب الأهلية في العراق وسوريا مسارح للحملة السنية الشيعية من أجل الهيمنة الإقليمية. وما لا يخفى عن أحد أن إيران ساندت حكومة ما بعد صدام حسين، التي تسيطر عليها الشيعة ماليا وعسكريا، كما قدمت طهران دعما أكبر للميليشيات الشيعية المتطرفة. في المقابل، ساعدت السعودية في وقت مبكر القبائل السنية في محافظة الأنبار ومناطق أخرى في غرب وشمال العراق لمقاومة سلطة الحكومة الجديدة. وقد تحالفت هذه الجماعات في نهاية المطاف مشكلة ما يسمى اليوم بتنظيم الدولة.
بشكل عام، تعد الحرب السعودية الإيرانية بالوكالة أكثر وضوحا في سوريا المجاورة، حيث يرأس الأسد ما يرقى إلى نظام “تحالف الأقليات الدينية”. وينضوي تحت هذا الائتلاف المسيحيون والدروز وقاعدة الأسد السياسية العلوية، وهي فرع شيعي. فضلا عن ذلك، يحظى هذا الفصيل بتأييد قوي من إيران، بالإضافة إلى حليف طهران في لبنان، حزب الله.
في الحقيقة، إن التكتل ضد هذا التحالف على الأغلب لن يكون سوى تمرد سني. وفي هذا الصدد، تلقى المتمردون دعما ماليا ولوجستيا واسعا من المملكة العربية السعودية وقوة سنية رائدة أخرى ألا وهي تركيا. ولكن مبالغ هامة من هذه المساعدات تدفقت إلى فصائل متطرفة جدا، الذين دعم بعضهم صفوف تنظيم الدولة وشكل آخرون أساس جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا وغيرها من الجماعات الإسلامية السنية الأصغر حجما.
من الصعب تبرير ميل الولايات المتحدة نحو المملكة العربية السعودية على أساس إستراتيجي أو أخلاقي. فمن الناحية الإستراتيجية، قد تحصل الرياض على جائزة لكونها حليف واشنطن الأكثر ازدواجية نظرا لأن القادة السعوديين قوضوا المصالح الأمنية لواشنطن منذ عقود
من جانب آخر، فشلت واشنطن في تبني الموقف المناسب تجاه الحكومة العراقية. ففي حين، يعد الدعم الأمريكي الرسمي للحكومة التي يقودها الشيعة أمرا في محله، زادت الولايات المتحدة في دعمها العسكري للأكراد العراقيين الذين قد يضعف جدول أعمالهم الانفصالي سلطة بغداد بشدة. وبالتالي، يبدو جليا أن سياسة واشنطن في سوريا تتفق بشكل وثيق مع أهداف الرياض، مع الانحياز العلني لكل من إدارة ترامب وأوباما لصالح التمرد ضد حكومة الأسد.
وبالنظر إلى مواقف الإدارة الأمريكية، من الصعب تبرير ميل الولايات المتحدة نحو المملكة العربية السعودية على أساس إستراتيجي أو أخلاقي. فمن الناحية الإستراتيجية، قد تحصل الرياض على جائزة لكونها حليف واشنطن الأكثر ازدواجية نظرا لأن القادة السعوديين قوضوا المصالح الأمنية لواشنطن منذ عقود. ففي وقت مبكر من ثمانينات القرن الماضي، بذلت الرياض جهودا متضافرة، بالتواطئ مع باكستان، للتأكد من أن الجزء الأكبر من المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها واشنطن للمتمردين الأفغان الذين يقاومون الاحتلال السوفياتي تذهب إلى الفصائل الإسلامية المتطرفة. ولقد أصبح المشاركون في ذلك الصراع في وقت لاحق كوادر في مختلف الحركات الإرهابية.
وفي هذا السياق، أشار العديد من المحللين إلى أن 15 من الخاطفين البالغ عددهم 19 المشاركين في الهجوم، الذي جدّ في 11 من أيلول/ سبتمبر، تبين أنهم من الرعايا السعوديين. كما كان لبعض المسؤولين السعوديين علاقة متسامحة على الأقل مع القاعدة قبل سنوات من تلك الهجمات.
وعلى خلفية ذلك، لحقت بكل من إدارة بوش وأوباما وصمة عار أبدية، وذلك نظرا لأن جلّ المعلومات المتعلقة بتلك المنظمة ظلت مخفية عن الشعب الأمريكي، وذلك من خلال تصنيف تقرير أحداث 11 من أيلول/ سبتمبر المكون من 28 صفحة ضمن قائمة أسرار الدولة. وحتى بعد أن نُشر ذلك التقرير في تموز/ يوليو من سنة 2016، ظلت الكثير من المعطيات فيه محجوبة بينما وقع تنقيح المعلومات المنشورة للعموم.
يصعب إيجاد مبررات لولاء الولايات المتحدة للسعودية على أسس أخلاقية فبصرف النظر عن جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية في اليمن، بما في بما في ذلك استخدامها للقنابل العنقودية المحظورة، فإن لدى الرياض سجلا محليا مروعا في مجال حقوق الإنسان
في المقابل، واصلت الرياض دعم الفصائل المتطرفة في كل من العراق وسوريا. ويتناقض الأمر الأول مع السياسة الأمريكية، ويختلف الأخير بشكل كبير عن البحث الرسمي لواشنطن (على الرغم من كونه مثاليا لأبعد الحدود) عن المقاتلين السوريين “المعتدلين”.
في الواقع، يصعب إيجاد مبررات لولاء الولايات المتحدة للسعودية على أسس أخلاقية فبصرف النظر عن جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية في اليمن، بما في بما في ذلك استخدامها للقنابل العنقودية المحظورة، فإن لدى الرياض سجلا محليا مروعا في مجال حقوق الإنسان، حيث يعامل النظام النساء والأقليات الدينية كمواطنين من الدرجة الثالثة كما يسلطون عقوبات وحشية على غرار قطع الرقاب والسجن بتهمة توجيه انتقادات للسياسة المعتمدة في البلاد. وبناء عليه، تعد المملكة العربية السعودية أحد أربعة أو خمسة أنظمة سياسية واجتماعية قمعية في العالم كما أنها أساس الثيوقراطية الشمولية.
وفي شأن ذي صلة، على الرغم من أن إيران لا تعد نموذجا للتسامح السياسي واحترام حقوق الإنسان، إلا أنها تعد أفضل بكثير من السعودية، إذ تتمتع المرأة في طهران بوضع أفضل بشكل ملحوظ منه في المملكة العربية السعودية، التي لا تسمح للنساء حتى بالذهاب أو الخروج إلى الخارج دون أن تكون مصحوبة بأحد الأقارب الذكور. علاوة على ذلك، تجرى في إيران انتخابات تنافسية (حتى وإن كانت مقيدة) تضم مرشحين ذوي وجهات نظر مختلفة. وتعد مسألة إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني مؤخرا على منافسه المتشدد، آخر مثال على هذه السمات الديمقراطية، لكن لا شيء من ذلك يحدث في المملكة العربية السعودية.
يجب أن لا تدعم واشنطن السعودية على حساب إيران. وبغض النظر عن سلوك الرياض البغيض على كل الجهات، يجب على القادة الأمريكيين أن يكونوا حذرين من دعم الفصيل الأقوى في الصراع على السلطة في الشرق الأوسط
من وجهة نظر إستراتيجية وأخلاقية، يجب أن لا تدعم واشنطن السعودية على حساب إيران. وبغض النظر عن سلوك الرياض البغيض على كل الجهات، يجب على القادة الأمريكيين أن يكونوا حذرين من دعم الفصيل الأقوى في الصراع على السلطة في الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، يعد عدد السنة أكبر بكثير من عدد الشيعة في تلك المنطقة، والمملكة العربية السعودية، بفضل المساعدات الأمريكية أمست أشد قوة على الصعيد العسكري. في الحقيقة، دعم هذا الطرف في النزاع دليل على عدم دراسة الإدارة الأمريكية لمجريات الأوضاع بالشكل الصحيح كما لو أن إدارة نيكسون قد رجحت كفة موسكو على حساب بكين خلال الحرب الباردة.
وفي هذا الصدد، أشار هنري كيسنجر في مذكراته إلى أن عناصر داخل وزارة الخارجية الأمريكية قد دفعت إلى إرساء تلك السياسة التي ينظر إليها بازدراء وفزع. وفي الوقت الراهن، تواجه إدارة ترامب وضعية مماثلة وعليها اختيار القرار المناسب. وفي حال لم تستطع واشنطن تبني موقف محايد بشأن العداء الإيراني السعودي، ينبغي على المسؤولين في الإدارة ألا يضاعفوا خطأهم بدعم الجانب الخاطئ.
المصدر: ناشيونال إنترست