لم يكن تتويج الماتادور الإسباني رافائيل نادال بلقبه العاشر في بطولة رولان غاروس الفرنسية الكبرى، ولا فوز اللاعبة اللاتفية المغمورة يلينا أوستابنكو بلقب السيدات في البطولة ذاتها، الحدث الأبرز لدى عشاق التنس العرب في الأسبوع الماضي، بل كان بلوغ جوهرة التنس العربية التونسية أُنس جابر الدور الثالث من البطولة الفرنسية الكبرى، في إنجازٍ هو الأول للتنس النسائي العربي في تاريخ البطولات الـ4 الكبرى.
فمن تلك الفتاة التونسية التي لم تتجاوز الـ23 عامًا؟ وكيف شقت طريقها في عالم الكرة الصفراء حتى غدت إحدى الجواهر الثمينة التي ينتظر تألقها في سماء اللعبة الأنيقة؟
نجمة التنس التونسية أنس جابر
ولدت أُنس جابر في مدينة قصر هلال بتونس، يوم 28 من أغسطس من عام 1994، وبدأت بمداعبة الكرة الصفراء في مدرستها وهي ابنة 7 سنوات، وأظهرت من القوة والمهارة ما فاق سنها الصغيرة وجسدها الضئيل، فقد كانت تتغلب على من يفوقونها سنًا وطولًا، مما دفع أساتذتها ومشرفيها إلى تسميتها بـ”الطفلة المعجزة”.
ولدت أُنس جابر في تونس عام 1994 وبدأت ممارسة التنس في سن السابعة
وبشكلٍ فاق التصور، بدأت أنس مشوارها في عالم البطولات، فقد كانت في الـ15 من عمرها عندما شاركت في بطولة المنستير الدولية ببلدها عام 2009، حيث استطاعت مفاجأة الجميع وبلوغ المباراة النهائية على حساب لاعبات يفقنها سنًا وخبرة، مما حدا بمسؤولي اللعبة في تونس، إلى طلب اعتمادها كلاعبة تنس محترفةٍ تمثل بلادها في البطولات الدولية، اعتبارًا من مطلع عام 2010.
أُنس حاملةً درع بطولة رولان غاروس للناشئات لعام 2011
وفي الشهر الرابع من عامها الاحترافي الأول، استطاعت تحقيق أول ألقابها، بفوزها ببطولة أنطاليا بتركيا، قبل أن تشارك في بطولة رولان غاروس الفرنسية، إنما لفئة الناشئات تحت 18 عامًا، حيث استطاعت بلوغ المباراة النهائية للبطولة، وكانت قريبةً من إحراز اللقب لولا خسارتها أمام إيلينا سفيتولينا، قبل أن تنجح بإحراز ثاني ألقابها في عالم المحترفين، بفوزها بلقب بطولة الدار البيضاء، ومن ثم نجحت ببلوغ الدور نصف النهائي في فئة الناشئات لبطولة أمريكا المفتوحة، كل ذلك وهي لا تزال في ربيعها الـ16.
أحرزت أُنس لقب بطولة رولان غاروس الفرنسية الكبرى لفئة الناشئات عام 2011
وشهد العام التالي تسجيل مجموعة نجاحاتٍ مذهلةٍ للشابة التونسية الصاعدة، فقد استطاعت بلوغ نهائي بطولة رولان غاروس في فئة الناشئات للعام الثاني تواليًا، ولكنها نجحت هذه المرة بإحراز اللقب على حساب مونيكا بوينغ، لتصبح أول لاعبةٍ عربيةٍ تصنع هذا الإنجاز.
كما أحسنت تمثيل بلادها في الاستحقاقات القارية والدولية ذلك العام، فتوجت بميداليتين ذهبيتين في مسابقتي الفردي والفرق، وببرونزيةٍ في مسابقة الزوجي، في دورة الألعاب الإفريقية بمابوتو، وأحرزت ذهبية مسابقة الفردي وبرونزية الزوجي، ضمن فعاليات دورة الألعاب العربية بالدوحة.
أُنس أحرزت لقب بطولة تونس 3 مرات
ورغم عدم تحقيقها لأي لقبٍ خلاله، حمل عام 2012، 3 أحداثٍ مهمةٍ في مسيرة الواعدة التونسية، فقد شهد شهر مارس إرسال أنس من قبل الاتحاد الوطني لبلادها إلى بروكسل ببلجيكا، لتتلقى التدريبات في الأكاديمية الدولية للتنس على يد نخبةٍ من أمهر مدربي العالم، كما شهد منتصف العام ذاته أولى مشاركاتها في بطولات الغراند سلام لفئة السيدات، ببلوغها الدور التأهيلي الثاني من بطولة رولان غاروس الفرنسية، قبل أن تنجح بالتأهل لتمثيل بلادها في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، التي أقيمت في لندن مطلع شهر أغسطس، حيث خسرت في دور الـ64 أمام سابين لازيسكي.
مثلت أُنس بلادها تونس خلال دورتين أولمبيتين عامي 2012 و2016
وفي العام التالي، عادت أُنس لحصد البطولات، فأحرزت ألقاب 4 بطولاتٍ في كلٍ من تونس، وفوكوكا وكوروم باليابان، وساجوناي في كندا، كما بلغت ربع نهائي بطولة باكو المفتوحة بأذربيجان، لتنهي عام 2013 وهي في المركز الـ139 عالميًا، رغم عدم نجاحها بترك بصمةٍ في البطولات الـ4 الكبرى خلاله.
أنس جابر مع زوجها كريم كمون
وفي عام 2014، حققت أُنس لقبها الثاني في بطولة تونس المفتوحة، قبل أن تنجح أخيرًا في تجاوز الأدوار التأهيلية، والظهور في الجدول الرئيسي لإحدى البطولات الـ4 الكبرى، حيث واجهت أندريا بيتكوفيتش في الدور الأول لبطولة أمريكا المفتوحة وخسرت أمامها، وهو الحدث الذي تكرر مطلع عام 2015، حين نجحت التونسية ذات الـ21 عامًا في الظهور ضمن الدور الأول لمنافسات بطولة أستراليا الكبرى، حيث خسرت أمام فيرا زفوناريفا.
عام 2015 تعرضت أُنس لإصابةٍ أبعدتها عن ملاعب التنس عدة أشهر
ورغم تعرضها لإصابةٍ أبعدتها عن ملاعب التنس شهورًا عدة، حمل النصف الثاني من عام 2015 فرحةً كبرى للشابة التونسية على المستوى الشخصي، فقد التحقت خلاله بركب المتزوجات، بعد عقد قرانها على ابن بلدها كريم كمون، وهو بالمناسبة من أبطال تونس في لعبة المبارزة بالسيف.
أنس جابر مثلت التنس التونسي في أولمبياد ريو 2016 مع مواطنها مالك جزيري
واستهلت أُنس عام 2016 بقوة، فتوجت بلقبي بطولتي دايتونا وسان رايس في الولايات المتحدة، قبل أن تنجح بتحقيق ثالث ألقابها في بطولة تونس المفتوحة، لتستحق تمثيل بلادها للمرة الثانية في المحفل الدولي الأبرز: دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، حيث هزمت في مستهل مبارياتها أمام داريا كاستاكينا، لتودع منافسات أولمبياد ريو مبكرًا.
ارتقت أُنس إلى المركز 108 في تصنيف محترفات التنس مطلع مايو الماضي
ولم تنل تلك النتيجة المخيبة من عزيمة الواعدة التونسية، فتابعت محاولاتها لإثبات ذاتها واستعادة ثقتها بنفسها، فنجحت في بلوغ الدور التأهيلي الثالث من بطولة أستراليا المفتوحة مطلع العام الحالي، قبل أن تحقق نتائج ملفتةً في بطولات دبي والصين وتايوان، لترتقي إلى المركز 108 في تصنيف محترفات التنس الصادر في مطلع شهر مايو من العام الحالي، وهو التصنيف الأفضل في مسيرتها حتى الآن.
أُنس تعشق اللعب على تراب رولان غاروس
وفي ملاعب رولان غاروس الترابية، حيث تألقت وأبهرت قبل 6 أعوامٍ على مستوى الناشئات، كتبت ابنة تونس الخضراء شهادة ميلادها الحقيقية على مستوى الكبار، حيث تجاوزت الأدوار التمهيدية الـ3 وتأهلت من بوابة أفضل الخاسرين، لتواجه آنا بوغدان في الدور الأول للبطولة الفرنسية، فتتغلب عليها مسجلةً أفضل نتائجها في البطولات الكبرى، لتجد نفسها في مواجهةٍ صعبةٍ أمام اللاعبة المصنفة رقم 7 عالميًا فيرا زفوناريفا، فتفاجئ الجميع بأداءٍ مذهلٍ وانتصارٍ مستحقٍ، وضعها في الدور الثالث من البطولة الفرنسية الكبرى.
حققت أُنس أفضل إنجازٍ للتنس النسائي العربي في البطولات الكبرى ببلوغها الدور الثالث من رولان غاروس
ولم تسعف اللياقة البدنية أُنس أمام منافستها الخبيرة تيما باشينسكي، فهزمت أمامها في الدور الثالث، مكتفيةً بالإنجاز الذي حققته، والذي يعد الأعظم للتنس النسائي العربي في تاريخ البطولات الـ4 الكبرى!
أنس تمثل الوجه الجميل للتنس النسائي العربي
وعن إنجازها التاريخي تحدثت جوهرة التنس التونسية الواعدة، فاعتبرته نقطة تحولٍ في مسيرتها رفعت من سقف طموحاتها، ليصبح هاجسها مزيدًا من البطولات والإنجازات الكبرى، التي تنقلها من مصاف أفضل لاعبات التنس على المستويين العربي والإفريقي، إلى مصاف أفضل نجمات التنس على مستوى العالم، وهو ما لا يستبعده المراقبون والمتابعون، بالنظر إلى حجم الموهبة التي تتمتع بها الفتاة التونسية، التي لم تتجاوز الـ23 ربيعًا، والتي أثبتت قدرة المرأة العربية على البروز والتميز في ميادين واحدةٍ من أصعب الرياضات الفردية وأكثرها شعبيةً، لعبة الكرة الصفراء.