ترجمة وتحرير: نون بوست
تعدّ النجوم بمثابة كرات هائلة الحجم من الغاز الساخن التي تقع على بعد عدة تريليونات من الأميال، إلا أنها تبدو في شكل نقاط صغيرة مشعة عند رؤيتها ليلا من على سطح الأرض. وفي دراسة حديثة، قام الفلكيون بقياس دقيق لكتلة أقرب نجم “قزم الأبيض”، وهو نجم بلغ نهاية دورة حياته. لكن السؤال المطروح هو كيف سيتم التوصل للقيام بهذا الأمر؟ وكيف يتمكن العلماء من “وزن” كرة من الغازات على بعد سنوات ضوئية عديدة؟
في هذا الصدد، أفاد تيري أوسوالت، أستاذ الفيزياء الهندسية في جامعة إمبري ريدل للملاحة الجوية، أن الطريقة الوحيدة المتاحة للفلكيين لقياس وزن النجوم تتمثل في تأثير قوة الجاذبية على بعضها البعض. بعبارة أخرى، في حال حام قمر في مدار كوكب المشتري، فمن المحتمل أن يتم توقع وزن كوكب المشتري من خلال قياس تأثير جاذبية الكوكب على مدار القمر. وتجدر الإشارة إلى أن أوسوالت كتب شرحا حول التجربة الحديثة لقياس وزن القزم الأبيض نُشر في مجلة ساينس.
من جانب آخر، يمكن تطبيق النظرية ذاتها على النجوم أيضا. وبين أوسوالت أن أدوات حساسة، على غرار تلسكوب كبلر الفضائي التابع لوكالة الناسا، قد ترصد مدارات النجوم في الجانب الآخر من درب التبانة. ويتجسد هذا الرصد في قياس التغييرات الطفيفة في سرعة النجوم أثناء سحب الكواكب لها عند مرورها بمداراتها. علاوة على ذلك، توفر هذه القياسات معلومات للباحثين حول كتل النجوم.
تتيح هذه التقنية الحديثة، الفرصة للفلكيين لتقييم كتل النجوم والأجرام السماوية الأخرى التي تصعب رؤيتها بالتلسكوب. وتشمل هذه الأجرام السماوية؛ الأقزام البيضاء القاتمة أساسا، والثقوب السوداء، والكواكب المارقة (الكواكب التي تم فصلها عن نظامها الشمسي).
في السياق نفسه، أوضح أوسوالت أنه يمكن لعلماء الفلك أن يقوموا بقياس حركة النجوم، عندما تحوم ببعضها البعض مثلما هو الحال بالنسبة للنجوم الثنائية، باعتماد “تأثير دوبلر”. وتعتمد هذه التقنية على نفس المبدأ المستخدم في سلاح الرادار لدى الشرطة، إلا أنها تتطلب إمكانية ملاحظة الأجسام التي سيتم رصدها. وفي هذا السياق، قال أوسوالت: “تتوفر العديد من الطرق غير المباشرة التي يمكن من خلالها توقع كتلة نجم ما من خلال طيفه الضوئي. في المقابل، تعتمد هذه الطرق على نموذج مفصل لغلافه الجوي الذي لا تتوفر معلومات مؤكدة بشأنه”.
من جانب آخر، تتيح هذه التقنية الحديثة، الموضحة في دراسة نشرت في 7 حزيران/يونيو في الموقع الإلكتروني لمجلة ساينس، الفرصة للفلكيين لتقييم كتل النجوم والأجرام السماوية الأخرى التي تصعب رؤيتها بالتلسكوب. وتشمل هذه الأجرام السماوية؛ الأقزام البيضاء القاتمة أساسا، والثقوب السوداء، والكواكب المارقة (الكواكب التي تم فصلها عن نظامها الشمسي).
خلال هذه الدراسة، قام علماء الفلك، في معهد مراصد علوم الفضاء في بلتيمور، بقياس قزم أبيض مجاور، يعرف باسم “شتاين 2051 ب” باعتماد تقنية تأثير الجاذبية المسلط على الضوء. وفي هذا الإطار، قال أوسوالت: “افترض ألبرت أينشتاين أن الطاقة والكتلة يمثلان نفس الشيء وذلك انطلاقا من نظريته الشهيرة E =mc^2. وعلى الرغم من أن الضوء يمثل جزءا بسيطا للغاية من الطاقة ويعتبر نظيرا صغيرا جدا مقارنة بالكتلة، إلا أنه يخضع لتأثير الجاذبية”.
علاوة على ذلك، تكهن أينشتاين بأن شعاع الضوء المنبعث من نجم بعيد، عند مروره بجسم ما، من شأنه أن ينحرف قليلا نتيجة الجاذبية المسلطة من قبل ذلك الجسم. وبغرض ملاحظة هذا التأثير، يتطلب الأمر محاذاة شبه مثالية بين الجسمين وهو ما يعتبر أمرا نادرا حسب قول أوسوالت.
وفي شأن ذي صلة، بين أوسوالت أن اتجاه الضوء، المنبعث من النجم مرورا بالقزم الأبيض، يحيد عن الخط المستقيم. بمعنى آخر، يبدو الضوء الذي يمكن ملاحظته قادما من اتجاه مختلف عن النجم. وعلى هذا الأساس، يتحرك القزم الأبيض ببطء عبر النجم القابع في الخلف فيبدو وكأنه أحدث حلقة صغيرة في السماء.
تعمل الجاذبية في هذه الأجسام البعيدة بمثابة عدسة مكبرة تتسبب في انحراف الضوء المنبعث من النجم وبذلك، تجعل مصدر الضوء ساطعا. وفي حالة المجرات البعيدة جدا، يمكن ملاحظة تأثير يعرف بحلقة أينشتاين، وهو تشوه للضوء جراء الجاذبية
كما أضاف أوسوالت أن الفكرة الأساسية تتجسد في أن الإنحراف الواضح لموقع النجم القابع في الخلف له صلة مباشرة بكتلة القزم الأبيض وجاذبيته إلى جانب تقارب الإثنين من الإنتظام تماما في خط واحد”.
وقد تمت ملاحظة التأثير الآنف ذكره، المسمى بالعدسية الصغرية الجذبية، في وقت سابق على نطاق أكبر بكثير وذلك خلال ظاهرتين للكسوف الكلي أوفيما يتعلق بأجسام أبعد بكثير من “شتاين 2051 ب”. وبحسب ما أفاد به أوسوالت، تعمل الجاذبية في هذه الأجسام البعيدة بمثابة عدسة مكبرة تتسبب في انحراف الضوء المنبعث من النجم وبذلك، تجعل مصدر الضوء ساطعا. وفي حالة المجرات البعيدة جدا، يمكن ملاحظة تأثير يعرف بحلقة أينشتاين، وهو تشوه للضوء جراء الجاذبية.
من ناحية أخرى، يعتبر رصد الخطوط المستقيمة القريبة، التي تمكن من خلالها العلماء من قياس انحراف الضوء المنبعث من القزم الأبيض “شتاين 2051 ب”، أمرا نادرا في الوقت الراهن. في المقابل، قال أوسوالت إن المراصد الجديدة، على غرار المسبار الفضائي “غايا” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، ستمكن الفلكيين من رصد هذه الظواهر بشكل أكبر من أي وقت مضى. وبالتالي، ستتاح الفرصة للفلكيين لرسم خريطة كونية لهذه الأجسام التي بقيت دراستها صعبة المنال لفترة زمنية طويلة.
المصدر: لايف ساينس