لا يخفى على أحد ما يتمتع به النائب العراقي من المخصصات منذ سقوط النظام بعد 2003 ولحد الآن، في وقتٍ يعيش فيه الشعب العراقي أسوأ أيامه من تأخر الرواتب إلى انعدام الخدمات وفقدان القيم الإنسانية والأخلاقية في بلدٍ مزقه الحروب والطائفية بسبب سياسيات السياسيين.
كما ولا يخفى على أحد ما مر بالمحافظات العراقية من انتكاسات وتسليم كبرى المحافظات لتنظيم داعش والذي عاث فسادًا بها وأهلك الحرث والنسل وتدمرت حياة أكثر من أربعة ملايين مواطن عراقي بريء، “جريمته” التي أُلصقت به أنه طالب بـ”حقوقه ” المسلوبة على يد من اتهمه القضاء العراقي بالمساهمة بتسليم تلك المدن لذلك التنظيم “الإرهابي”.
أتت الاحداث تباعًا وتسارعت وتيرة الاحتجاجات وشاط الشعب غضبًا من الإجراءات الحكومية والتقشف واستقطاع الرواتب من الموظفين وتحويلها بحجج واهية تارة إلى “النازحين” وتارة لتمويل “الحشد الشعبي”، ولم تذهب كما قيل، بل ذهبت لجيوب من شرعها وأقرها، وشارك بذلك بسرقة قوت المواطن العراقي البريء المثقل بالهموم والجراحات.
الشارع العراقي ناقم على السياسيين ولكن لا يستطيع التحرك ضدهم لأنه يعلم يقينًا مصير المعارض للسياسيات الحكومية وخصوصًا بعد اعتقال الكثير من الناشطين في ساحة التحرير ولا يعرف مصيرهم لحد الآن فضلاً عن الآلاف من المختطفين على يد المليشيات “الوقحة” ولا يعرف عنهم شيئًا
تظاهرات عارمة شهدتها العاصمة بغداد وبعض المحافظات الجنوبية والوسطى، وكانت ذروتها إبان اقتحام المتظاهرين لمجلس النواب ودخولهم لغرف الوزراء ومجلس الوزراء لمرتين وتم قمعهم بالمرة الثالثة بالقوة.
الشارع العراقي ناقم على السياسيين ولكن لا يستطيع التحرك ضدهم لأنه يعلم يقينًا مصير المعارض للسياسيات الحكومية وخصوصًا بعد اعتقال الكثير من الناشطين في ساحة التحرير ولا يعرف مصيرهم لحد الآن فضلاً عن الآلاف من المختطفين على يد المليشيات “الوقحة” ولا يعرف عنهم شيئًا.
السياسي العراقي بات بطلاً ومحررًا بعد أن ركب موجة “التحرير” والتي بدأها الجيش العراقي والقوات الأمنية بأصنافها كافة وحول الانتصارات لصالحه، فبدل أن ينشغل المواطن العراقي بالخدمات ومطالبته بحقوقه وضرورة تغيير الوجوه الحاكمة ترى السياسي يباغته ويسرق الانتصارات ويحولها له ولكتلته ونسى المواطن بطريقة أو بأخرى ما الذي يريد.
أهل الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك بات جل همهم العودة بسلام لديارهم وقراهم التي أصبحت معظمها أثرًا بعد عين وبساتينهم التي غدت قاعًا صفصًا بعد أن كانت قطعة من الجنة وفيها ما لذ وطاب من خيرات الله كما صورها لنا المواطن حسن صبر الجبوري والذي فقد أكثر من خمسمئة رأس ماشية وبساتين تقدر بعشرات الدونمات.
الصراع الحزبي السياسي أشد أنواع الصراعات بروزًا على الساحة العراقية من أي صراع آخر، لعبت فيه السلطة الحالية تاريخيًا دور القامع المتسلط أكثر مما لعبت دور الوسيط الحكم
نظرية إشغال الرأي العام بما يريد السياسي باتت واقعية إلى حد مكشوف جدًا، فمع كل مطالبة بحق تختلق مشكلة لتشغل المواطن بها لتنسيه ما طالب به وما التفجيرات الأخيرة إلا دليل دامغ على تطبيقهم لنظرية “agenda setting”.
الصراع الحزبي السياسي أشد أنواع الصراعات بروزًا على الساحة العراقية من أي صراع آخر، لعبت فيه السلطة الحالية تاريخيًا دور القامع المتسلط أكثر مما لعبت دور الوسيط الحكم، إذ إن الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ قيام المملكة العراقية في بداية القرن العشرين، لعبت دور السلطة القمعية فملأت السجون وأعدمت سياسيين وألغت أحزابًا وحدت من حرية الصحافة المكتوبة، وربما ذهبت الكثير من قصص القمع من غير توثيق ودفنت مع آلاف الضحايا الذين أخذوا أسرارهم معهم وما يحدث في الموصل وقبلها في صلاح الدين والكرمة شواهد حقيقة على القمع الذي مورس من قبل تنظيم داعش “الارهابي” والمليشيات “الوقحة”.
الرسالة من هذا المقال هي إقبال السياسي العراقي على “غسيل” دماغ المواطن حيث استطاع على مدار العقد الماضي توجيه المواطن بما يشاء وكيف يريد، ليكون بذلك الأوفر حظًا بينما بقي العراقي وحيدًا ليس له منجى وملاذ سوى الله تعالى أن يزيل همه وغمه ويبعد عنه الوباء والغلاء والسياسيين.