تهافتت بعض الدول لتأييد محور الرياض – أبو ظبي في أزمته مع قطر، وأيدت سياسة العقوبات المفروضة على قطر برًا وبحرًا وجوًا إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيفها على أقل تقدير. فلم تمضِ أيام حتى بدأ قطار الانضمام لتأييد فرض العقوبات على قطر، فإلى جانب كل من البحرين ومصر انضمت جمهورية المالديف والأردن وحكومة شرق ليبيا والحكومة الشرعية في اليمن، قرار قطع أو تخفيف العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بالنسبة لدول مثل المالديف وحكومة شرق ليبيا واليمن لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال جرى بشكل عادٍ ودون تدخل من طرف آخر، فقرارتها تشير إلى مصادرة القرار السيادي لحكوماتها.
وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أشار في إحدى تصريحاته أن هناك من يحشد لدعم العقوبات والحظر على قطر، وهو ما يشير أن السعودية والإمارات استخدمت نفوذها المالي على بعض الدول والحكومات، وبدى هذا واضحًا بعد انصياع الحكومة اليمنية لمحور الرياض – أبو ظبي بسبب عاصفة الحزم التي يقوم بها التحالف الإسلامي بقيادة الرياض ضد الحوثيين، كذلك انصاعت حكومة ليبيا لكي لا تخسر الدعم السعودي الإماراتي لها، وبالنسبة لمصر والأردن فهما بأمس الحاجة للدعم السعودي والإماراتي لاقتصاديهما بسبب ما تعانياه من أزمات، والدولة الغير عربية الوحيدة التي أعلنت تأييدها للعقوبات على قطر هي جمهورية المالديف.
كانت المالديف الدولة الأولى في جولة الملك سلمان الآسيوية في مارس/آذار الماضي، وبعد تلك الزيارة القصيرة أعلنت حكومة المالديف أن السعودية سوف تستثمر 10 مليارات دولار أمريكي في البلاد
الأعمال والقرارات السيادية بالنسبة للدول أشبه بمقولة “احترس هذه المنطقة خطر” التي تعبر عن وجود منشآت عسكرية أو أي منطقة فيها خطورة ما، بالنسبة للدستوريين هذه الجملة تعبر عن الأعمال والقرارت السيادية التي تعرف بأنها القيود التي تتعلق بتحصين البعض من الأعمال والقرارات الإدارية ضد الطعن القضائي فيها إلغاءً أو تعويضًا أو الاثنين معًا، علمًا أن مصادرة القرار السيادي يحتاج إلى تشبيك مصالح دولة مع دولة أخرى من خلال الاستثمارات والدعم المالي والمنح والمساعدات وغيرها بحيث تربط مصير اقتصادات تلك الدول بالمساعدات والمنح والاستثمارات في حال سحبها تحدث أزمة لدى تلك الدول.
بالنسبة لقطر لا تملك السعودية والإمارات أوراق ضغط كبيرة عليها لمصادرة قراراتها السيادية، كما تبدّى بعد فرض العقوبات عليها، إذ تمكنت من إيجاد بدائل استيرادية وحلول لكل المشاكل التي أوجدتها العقوبات، أما بالنسبة لدول أخرى فقيرة مثل جمهورية المالديف وليبيا واليمن فإن الدعم المالي المقدم لها والاستثمارات سيؤثران على قراراتها السياسية بالضرورة، لخشيتها من إغضاب الداعم وقطع الدعم المالي وبالتالي تأثر اقتصادها بشكل سلبي.
المالديف تبعية مطلقة للسعودية
أوردت وزارة خارجية المالديف في بيان لها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وسبب هذا القرار معارضتها القوية للأنشطة التي تشجع على الإرهاب والتطرف، وشددت المالديف في بيانها على التزامها بالعمل مع الدول التي تعزز السلم والاستقرار وتؤكد التضامن في الحرب على الإرهاب، وبهذا تكون جمهورية المالديف قد أيدت الأسباب التي فرضت لأجلها العقوبات على الدوحة من دعمها لجماعات متطرفة عدة من الإخوان المسلمين والحوثيين مرورًا بالقاعدة وداعش، وتأييدها لإيران في مواجهة دول الخليج بالإضافة لعملها على زعزعة أمن هذه الدول وتحريض بعض المواطنين على حكوماتهم كما في البحرين كما تدعي تلك الدول.
أوردت المالديف في بيانها ب قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر أن سبب هذا القرار معارضتها القوية للأنشطة التي تشجع على الإرهاب والتطرف والتي تقوم بها قطر.
والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي تتبع فيها المالديف السعودية، إذ سبق أيضًا للمالديف تأييد السعودية في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على أثر الخلاف السعودي الإيراني المتعلق باقتحام متظاهرين إيرانيين مبنى السفارة السعودية في طهران العام الماضي احتجاجًا على قرار السعودية إعدام الشيخ السعودي نمر باقر النمر، وكانت كل من البحرين والإمارات وقطر والكويت اتخذت نفس الموقف السعودي.
وبررت المالديف قراراها أن الاستقرار في الخليج يؤثر بالضرورة على الاستقرار والأمان في جزر المالديف، علمًا أنها تقع في المحيط الهندي في أقصى جنوب غربي شبه الجزيرة الهندية، كما أن القرار جاء في وقت كانت تسعى فيه المالديف لتطوير علاقاتها مع طهران، وكان رئيس المالديف عبد الله يامين تسلم أوراق تعيين السفير الإيراني الجديد وكلام عن بدء المالديف استيراد النفط من طهران إلا أن الموقف تغير مباشرة بعد قرارها قطع العلاقات مع إيران.
وافقت المالديف في مارس/آذار الماضي على طلب الملك سلمان ببناء قاعدة بترولية للسعودية لتتمكن من تصدير ونقل البترول من السعودية إلى الصين بحيث تعد المالديف واسطة بين البلدين
والسبب لا يتعلق بإرادة حكومة حقيقية أو قناعتها للمالديف بضرورة قطع العلاقات مع إيران سابقًا ومع قطر حاليًا، فمراقبون يرون أن السعودية لعبت دورًا استثنائيًا لتقويض العلاقة بين المالديف وكل من الدوحة وطهران، وذلك من خلال استمالتها بالمساعدات الاقتصادية والمنح المالية.
وحسب ما جاء في صحيفة سبونتيك الروسية نقلًا عن تصريحات لباحث إيراني في معرض رده عن قطع المالديف للعلاقات مع إيران، مشيرًا أن بيان وزراة خارجية المالديف – الذي أكد أن” الاستقرار في منطقة الخليج يؤثر على الاستقرار والأمان في جزر المالديف، في الواقع يقصد أن الاستقرار يعني استمرار ضخ المساعدات الخليجية، وخصوصًا السعودية إلى البلاد”.
وأضاف أن إعلان المالديف بتجميد أو قطع العلاقات الدبلوماسية عبارة عن “كذب” فالدولتان، إيران والمالديف، لم تتبادلا السفارات أو القنصليات ولا توجد بعثات دبلوماسية بين الطرفين منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1975، مما يؤكد أن إعلان قطع العلاقات ليس ذا تأثير، فعن أي علاقات دبلوماسية تقصدها المالديف حتى تأتي وتقطعها.
بعد تسيير رحلات مباشرة بين الرياض والمالديف زاد أعداد السياح السعوديين المالديف بنسبة 20%.
العلاقات الاقتصادية بين السعودية والمالديف
الاقتصاد هو مفتاح سر شراء القرار السيادي في أي دولة، وإذا كانت دولة ستشتري قرار دولة أخرى فإنها تأخذه من بوابة الاقتصاد، وقد اهتمت السعودية خلال السنوات المالية بالمالديف ذو الاقتصاد الفقير والذي بحاجة ماسة للدعم والمال لتغطية العجز المالي الذي يقدر بـ14% من الناتج المحلي للمالديف.
كانت المالديف الدولة الأولى في جولة الملك سلمان الآسيوية في مارس/آذار الماضي، وبعد تلك الزيارة القصيرة أعلنت حكومة المالديف أن السعودية سوف تستثمر 10 مليارات دولار أمريكي في البلاد، وسبق للسعودية تعهدها في السنوات الماضية بتقديم 50 مليون دولار كمعونة تُخصص لبناء مشروع سكني يتم تنفيذه عبر الجيش المالديفي. وكانت السعودية أيضًأ فتحت أبواب الاستثمار أمام رجال الأعمال المالديفيين ودعتهم لتصدير المنتجات المحلية إلى السعودية والمشاركة في معرض التجارة الإسلامي، وفي أثناء زيارة رئيس المالديف السابق للعاصمة السعودية الرياض تعهدت الأخيرة بتقديم تسهيلات قروض لخمسة أعوام تبلغ قيمتها 300 مليون دولار.
في العام 2016 ذكر وزير الصناعة السمكية في حكومة المالديف أن الدولة سوف تنشأ 4 مصانع كبيرة لتعليب الأسماك في المالديف.
ووافقت المالديف في مارس/آذار الماضي على طلب الملك سلمان ببناء قاعدة بترولية للسعودية لتتمكن من تصدير ونقل البترول من السعودية إلى الصين بحيث تعد المالديف واسطة بين البلدين، وهذه الخطوة مهمة للأطراف الثلاثة فالصين تضمن وصول الوقود إليها والمالديف ستسفيد من عوائد مرور البترول عبرها ومن فرص العمل في القاعدة، وبالنسبة للسعودية ففائدتها أنها ستضمن تدفق صادرات البترول إلى الصين.
وتعد السعودية سوقًا رئيسية للأسماك المالديفية بعد استحداث رخصة “حلال” على الطعام حتى يتمكن المستهلك المسلم من شرائه، وفي العام 2016 ذكر وزير الصناعة السمكية في حكومة المالديف أن الدولة سوف تنشأ 4 مصانع كبيرة لتعليب الأسماك في المالديف.
كما وقعت الحكومتان اتفاقية ثنائية للخدمات الجوية ستستقبل بموجبها السعودية في مطاراتها الدولية الرحلات القادمة من المالديف، فيما سيبلغ عدد الرحلات التي يمكن تشغيلها بين البلدين إلى 14 رحلة منتظمة أسبوعيًا للركاب ومثلها للشحن الجوي، وهذا رقم كبير بالنسبة لدولة صغيرة مثل المالديف وقد لوحظ بعد تسيير رحلات مباشرة بين الرياض والمالديف أن أعداد السياح السعوديين زادت بنسبة 20%.
وتعهدت السعودية بزيادة مساعدتها المالية للمالديف في المؤسسات الدينية والتعليمية وكان رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله آل الشيخ تبرع بمبلغ 100 ألف دولار للجامعة الإسلامية في المالديف، بالإضافة إلى شراكات في مجالات الطاقة والمواصلات. إضافة إلى ذلك، فإن العائلة المالكة السعودية تعد من رواد المالديف، وحسب صحيفة الديلي ميل البريطانية وما جاء في موقع بي بي سي البريطانية أن في عام 2014 ولي العهد السعودي آنذاك سلمان بن عبد العزيز والذي أصبح ملكًا قد دفع مبلغ 30 مليون دولار لحجز 3 جزر في المالديف، وأفادت أن هذا يعد مثالًا واحدًا على الدور المتنامي للاستثمارات السعودية في المالديف ليعتبر أيضًا واحدًا من العوامل التي تجعل حكومة البلاد حريصة ألا تضايق حكام السعودية.
الاقتصاد المالديفي
كان من السهل أن تنساق المالديف لإملاءات السعودية، بحكم الدعم المقدم لها، فالمالديف إضافة إلى كون سكانها البالغ عددهم 340 ألفًا يدينون بالإسلام السني، فإن اقتصادها يوصف بأنه فقير ويعتمد على المنح المالية والمساعدات الخارجية، كما أنه اقتصاد يعتمد 70% منه على واردات السياحة فالمالديف عبارة عن أرخبيل من الجزر تقع في قارة آسيا في المحيط الهندي، تتمتع بالخصوصية والطبيعة البكر وتجذب تحديدًا الأزواج الجدد وتعد من أكبر المقاصد السياحية في العالم، إذ يقدر عدد السياح سنويًا بحوالي مليون سائح، قُدرت نسبة الصينيين منهم بنحو 44%. وبعد السياحة تأتي الأسماك كمورد رئيسي للاقتصاد المالديفي حيث تعد ثاني أكبر مورد للاقتصاد وتشغل 20% من العمالة في البلاد،
يعتمد 70% منه على واردات السياحة ويأتي قطاع الأسماك مورد رئيسي للاقتصاد بعد السياحة حيث يشغل 20% من العمالة في البلاد
يُذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وجزر المالديف نشأت خلال فترة رئاسة الرئيس المالديفي السابق مأمون عبد القيوم الذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود استمرت حتى العام 2008، وتطورت العلاقات بين البلدين بعد زيارة قام بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز حينما كان وليًا للعهد في شهر شباط /فبراير عام 2014 إلى جمهورية المالديف وفي 18 من مارس 2015 وافقت السعودية على فتح سفارة للمملكة لدى جمهورية المالديف، وذلك حسب بيان مشترك صدر في ختام مباحثات بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس المالديفي عبد الله يمين عبد القيوم.