كلما أمسكت قلمي لأكتب عن الواقع العربي بشكل عام وواقعنا المصري بشكل خاص ينظر لي القلم ضاحكًا ضحكة هيستيرية ويقول: “أنت هتكتب إيه ولا إيه، مش هتقدر يا بني تعبر”، ويستدرك حديثه قائلاً: “ولا أقولك، اكتب الحبر كده كده هينشف، يمكن تقول حاجة جديدة”.
هكذا ضحك قلمي مستغربًا ومستهزئًا من الواقع العجيب الذي تجري أحداثه دون أن يقدر العقل على الاستيعاب الكلي للمجريات على الساحة السياسية.
في أعقاب الأزمة الأخيرة بين دول الخليج والتي لحقت بها مصر من شدة فراغها، تلك الأزمة أو إن شئت الدقة فيمكن توصيفها بالتعبير المصري “خناقة” موسعه لتصل حد الدول، تزامن معها حكم قضائي ظالم كعادة قضاء مصر بتأييد حكم الإعدام على مجموعة من الشباب المصري الذي تعرض للإخفاء والتعذيب لمدد متفاوتة، لكن ردود الفعل على غرار العادة في مثل هذه الأحكام لم تكن موسعة كسابقاتها التي تظهر في نفس الظروف من الحملات الحقوقية والإعلامية وما يلزم فعله في تلك الحالات.
ولأنه حتى الآن يوجد حراك ثوري في مصر ضعيف جدًا، فخرج علينا هذا الأسبوع “التحالف الوطني لدعم الشرعية” بعنوان جديد رافضًا التنكيل بدولة قطر ودعا إلى أسبوع ثوري جديد “ارحل يا سيسي”، وهذا ليس مستغربًا لأن التحالف يصدر بشكل دوري بيانات دورية تدعو للصمود ومواجهة الظلم والصبر والتحمل وهو كيان توفى إكلينيكيًا منذ زمن ولا يوجد له أي حضور سياسي على الساحة الآن.
بيد أن الواقع نادى على عكس بيانات الكيان الممثل للثورة أو ما تبقى منها بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، حيث ظهر وللمرة الأولى بعد حكم الإعدام، أن بعض من أهالي المحكوم عليهم طلبوا العفو من الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي وهذه تحدث للمرة الأولى منذ 2013، هذه النداءات لا تعيبهم ولا تنقص منهم شيئًا ولا تقول إنهم باعوا قضية أو ما شابه ذلك من كلام فارغ المضمون، بل صبروا على المرار لمدة ثلاث سنوات كاملة ويزيد بين طوابير السجون ونار الإهانات من بعض المسوخ البشرية.
وفي نهاية المطاف يقتل أبناؤهم بالإعدام في سبيل اللاشيء واللانتائج كما سبقهم أبناء عرب شركس ومحمود رمضان وعشرات القتلى بالموت البطيء في السجون، فالواقع المصري تجاوز كثيرًا الأسلوب السياسي الراكد في الماء والذي يديره قيادات سواء من الداخل أو الخارج لا تحرك ساكنًا ولا يوجد عندها أي جديد للخروج بأرواح أبنائها من معترك النفق المظلم الذي لا يظهر فيه نور يلوح في أفق بعيد.
تحولت الثورة من مئات الألوف في الشوارع – يومًا ما – إلى بيانات ساقطة لا علاقة لها بالواقع، وهذا ما وعاه النظام جيدًا فأصبح يساوم البعض على المراجعات والتوبة والخروج من السجن مقابل تنازلات للخروج من وحل الأحكام القضائية التي تقدر بعشرات السنين، وبالطبع وجد قبولاً من كثير وتمنيًا بهذا العرض من كُثر للخروج إلى الحرية، وهذا أيضًا لا يعني البيع والحياد عن الطريق الذي سلكوه، وعلى ما يبدو أن القيادات الحالية لم تفهم بعد قيمة ما وصل إليه الوضع وما أوصلوا الواقع بأسلوب الإدارة المتكئ على تسويق فقه الابتلاء والصبر والتحمل، لم يعوا بعد الرسائل المرسلة من أهل البلاء ذاته.
يا سادة تحول الماء الراكد إلى ماء عفن لا يوجد به نظرة مستقبلية للحفاظ على ما تبقى من أرواح المعتقلين والبقية الباقية داخل السجون والتي يموت فيها الناس بطيئًا.
إذا لم تملكوا قراركم ولا يوجد شكل حقيقي كامل للعبور من هذه المرحلة، فعليكم أن تقولوها بوضوح للجميع، نحن خسرنا الجولة.
حركوا أي ساكنْ، اجروا الماء حتى لا يتعفن، اصنعوا أي شيء، حللوا ما كسبتم من حق الحياة والأمن والمعيشه في بلاد الله التي حرم منها غيركم، قدموا ماعندكم، أظهروا لأبنائكم ولمن تخاطبوهم أي جديد دون خداع حتى وإن كان الرجوع والتنازل.