عندما أتحدث عن التعلم، أتحدث عنه باعتباره جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهو ليس حصرًا على المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات، لذلك، علينا إدراك أن الزمن لا ينتظر بيروقراطية المؤسسات من تقييمات وعمل حرفي بحسب المناهج، وهنا يأتي دور المعلمين بأن يكونوا مبادرين ومجددين.
خلال عملي بتدريس ريادة الأعمال مع مجموعة أطفال، وجدت أن توجيههم لريادة الأعمال التكنولوجية أمر في غاية الأهمية، إذ إن ذلك أحد محركات الابتكار في مجتمعاتنا في هذا القرن، ووجدت أيضًا أن للطلاب شغف كبير للعمل بمجموعات، التخطيط الإداري والمالي للمشاريع وكذلك مشاركة أفكارهم عن محيطهم وحياتهم اليومية.
تدخل إلى الصف، لتجد صعوبة أن توقف طلابك عن استخدام الهاتف أو الحاسوب إلا إذا كان ذلك بالقوة وبموجب السلطة، هذا لن يؤدي إلا إلى نفور الطلاب منك واعتبارك من القرون الوسطى بالنسبة لهم.
ليست وظيفة المعلمة اليوم أن تدخل الصف لتلقي ما في جعبتها من مواد تعليمية وتترك الصف فيما بعد لتبحث في النهاية عن علامات وأرقام تجعل من طلابها ينجحون في الامتحانات، فحتى تكون عملية تعلم ناجعة وناجحة، وحتى يكون التعلم ممتعًا، على الطالب أن يكون شريكًا فيه، وأن تكون تجربة التعلم تفاعلية وليست مبنية فقط على دور المعلم كناقل للمعلومات.
أقدم بعض الاستراتيجيات بشكل مختصر، لتساعدك على كسر الجمود في الصف التقليدي، واستخدام التكنولوجيا بشكل غير روتيني معتاد من خلال الفيديو أو عرض الشرائح فقط.
التعلم عبر البحث وإعداد المشاريع
أحد الطرق التي تعتمد عليها وسائل التعليم الحديثة هي التعلم عبر البحث، الأسئلة وتطبيق المشاريع (problem-based learning)، الأمر الذي يمكننا من جعل الطلاب يتعرفون ويبحثون عن المشاكل المحيطة بهم، والبحث عن حلول عملية لها، ليتمكنوا خلال العمل من تطوير مهارات مختلفة منها التفكير النقدي، العمل الجماعي، التواصل مع محيطهم، استخدام موارد مختلفة للتخطيط وتطبيق الحلول.
في هذا الإطار، يكون واجب المعلم أن يكون مرشدًا وميسرًا لنقاشات الطلاب، وعليه كمرشد توجيههم للموارد المختلفة التي تمكنهم من جهة من تحديد مهامهم وأهدافهم، ومن جهة أخرى العمل بشكل ناجع خلال مشاريعهم.
أحد التحديات التي يواجهها الطلاب في مثل هذا النوع من الفعاليات هو تحديد المشكلة وصياغتها، بالإضافة إلى ذلك صياغة سؤال البحث، للتغلب على هذا التحدي وظيفة المعلم تكمن في مناقشة المشاكل التي استطاع الطلاب تحديدها وتعريفهم فيما بعد على استراتيجيات صياغة سؤال البحث العلمي، لتجميع المشاكل والحلول والمعلومات، يمكن توجيه الطلاب لاستخدام تطبيقات توثق المهام التي يقومون بها (مثلاً: تحديد خرائط، إعداد مواد بصرية وجرافيكس، مناقشة جماعية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، تعاون جماعي).
الطفل قادر على أن يستخدم عقله وتجربته اليومية في الحياة، كوسيلة تنقله من نقطة إلى أخرى في مسيرة التعلم، الطفل ليس مخزن معلومات تتراكم، عقولنا تبحث عن بناء المعلومات واستخدامها بطرق ناجعة، لتتعلم، هكذا نتعلم، ننتقل من نقطة إلى أخرى بمساعدة ما لدينا من معرفة.
كيف لهذا أن يفسر عمليًا في إطار مدرسي؟ مثلاً حين يطلب المعلم أو المعلمة من الطفل إعداد “بحث علمي” لحصة العلوم، ويتعامل مع الطفل وأهالي الطفل على أنهم ماكينة كتابة تبحث عن مواد عن طريق “جوجل”، فإن الطفل في هذا المثال، لا يوظف إطلاقًا أي تجارب من حياته اليومية لبناء بحثه العلمي.
ما الحل إذًا؟
(١) توجيه الطالب للاعتماد على ظواهر طبيعية تم نقاشها في الصف.
(٢) توجيه الطالب للاعتماد على تأملات من حياته اليومية، من مشاكل يراها في محيطه وبيئته، ومن ثم نقاشها مع الصف.
(٣) العمل بشكل جماعي على صياغة “سؤال بحث” وكذلك “فرضيات” بحث.
(٤) عند نقاش أهداف البحث مع المعلم/ة، يجب مناقشة الأدوات المتاحة للطلاب لإجراء البحث، بحيث يكون سير البحث واقعي وقابل للتنفيذ والقياس والتقييم.
الهاكاثونات كاستراتيجية تربوية
الهاكاثونات عبارة عن لقاءات يتم تنظيمها بشكل جماعي ومشاركة جماعية بهدف العمل على حل مشكلة أو قضية معينة في جو يملؤه التحدي.
الهاكاثونات منتشرة بين مجتمعات المبرمجين ورائدي الأعمال، إلا أنها ليست بالضرورة متمركزة حول الحلول التكنولوجية، إذ إن التكنولوجيا بالنهاية عبارة عن وسائل وليست الحل، يمكنك تنظيم فعالية لا منهجية خلال نهاية أسبوع، أو ليومين متتالين.
أولاً يتم تقسيم الطلاب لمجموعات، وتوزيعهم لمهام يأخذ فيها كل منهم دورًا معينًا: المبرمج، المخطط، المصمم، المدير المالي وهكذا، ثانيًا يتم تحديد شروط وقوانين للعمل من فترة زمنية إلى مهام وأهداف، ثالثًا تحدد المشكلة التي ترغب بأن يجد لها الطلاب حلولاً، ويقدمون خطة مشروع متكاملة لها، ليقوموا خلال المدة المحددة لهم (فترة قصيرة يوم أو يومين من العمل المكثف) بالعمل كفريق على التخطيط وعرض المنتج المقترح لتعلن في نهاية برنامج الفعالية المجموعة الفائزة.
جهز معدات إبداعية غريبة للعمل – Creative Toolkits
أحد الطرق التي كنت أراها ناجعة مع الطلاب، إحضار معدات غير معتادين على استخدامها في الصف، من مواد تعتبر مهملات إلى أدوات تساعد على صقل هذه المواد (الحجارة، مكعبات ليغو، مخلفات وبقايا حديد، المعجونة، أخشاب، معدات للنحت، رصاص وفحم، بقايا جرائد).
ومن ثم توضيح أهداف اللقاء معهم، ليقوموا فيما بعد باستخدام هذه الأدوات التي سخروا منها بداية ورأوا أن لا فائدة منها بشكل إبداعي لإنتاج منتج معين، الهدف من مثل هذه الفعاليات ليس المنتج النهائي، إنما سير العمل.
يعمل الطلاب معًا بشكل تفاعلي، ويقومون بالمشاركة معًا ومساعدة بعضهم البعض على تحسين منتجاتهم النهائية، يتبادلون مشاعر فرح انتهائهم من العمل، وكذلك مشاعر تذمرهم من توسخ أيديهم أو مللهم أحيانًا أو عدم إيجادهم مصدر إلهام فيبحثون بهواتفهم أو حاسوب الصف عن حل، ليس الهدف هنا إطلاقًا إعادة تدوير أو استخدام هذه المواد، إنما، استخدام معدات إبداعية غريبة للعمل على التخطيط لحل مشكلة محددة.
في مثل هذا النوع من الفعاليات، تحديد هدف الفعالية أمر يساعد الطلاب على العمل بشكل ناجع، مثلاً ممكن وضع المعدات الإبداعية الغريبة على طاولة وسط الصف، وتوزيعهم إلى 4-5 مجموعات، كل مجموعة تكون لديها مهمة، لنقل مثلاً عليهم تصميم حي سكاني جميل لبلدهم، من خلال الفعالية يقومون بنقاش صعوبات تعانيها الأحياء الحالية، والأمور التي يتمنون أن يرونها بحيهم الجديد، ومن ثم يعملون على تخطيط هذا الحي، وبما توفر لديهم من مواد يبنون حيهم الجديد بشكل تعاوني.
خرائط المصطلحات والمفاهيم
تستخدم وسائل الإيضاح عامة بصريًا، لتبسط مصلحات ومواد تعليمية عديدة، واحدة من طرق تبسيط هذه المواد إعداد خرائط مصطلحات ومفاهيم لموضوع محدد.
هذه الاستراتيجية تحتاج من الطلاب جهدًا ذهنيًا، وبالتالي العمل بشكل جماعي أو فردي على إعدادها فيه فائدة على تذويت الطالب لمفاهيم مختلفة تم نقاشها في الصف وربطها ببعضها البعض، وبالتالي تذويت المواد التعليمية بشكل ناجع أكبر، يمكنك وضع مخزن كلمات خلال فعالياتك مع طلابك، ومن ثم إجراء فعالية ليقوموا فيها باعداد مثل خرائط المصطلحات هذه.
يمكن إعداد مقل هذه الخرائط عبر موقع: https://www.mindmup.com.
الصف المقلوب – التعلم بالعكس
كنا قد نشرنا سابقًا، مادة موسعة عن استراتيجية الصف المقلوب على نون بوست، يمكنك الاطلاع عليها هنا: التعليم المنعكس، أسلوب جديد قد يُغير شكل التعلّم.