مع انتهاء الهدنة المؤقتة مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي خريطة جديدة لإخلاء سكان قطاع غزة ظاهرها “حماية المدنيين” وباطنها الإمعان في التدمير والتهجير.
فبعد يوم واحد من دعوة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى وضع “خطة حماية” مزعومة للحد من وقوع المزيد من الضحايا المدنيين في غزة، نشرت “إسرائيل” خريطة تفاعلية تقسم الجيب الساحلي المحاصر إلى مئات المناطق المرقمة.
وأعلن جيش الاحتلال أنه “يجب على السكان الرجوع إلى الخرائط للحصول على تعليمات حول مكان التحرك لتجنب القتال النشط”.
وقال المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، إنه يجب على الفلسطينيين في عدد من المناطق؛ الإخلاء إلى “الملاجئ المعروفة”، في حين لا يوجد اليوم مكان آمن على طول قطاع غزة.
ومن غير الواضح كيف من المفترض أن يتبع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون مدني، والذين ليس لديهم كهرباء أو اتصال بالإنترنت، التعليمات. ويلقي الاحتلال بالتزامن مع إعلاناته المناشير من الطائرات لكن من المؤكد أنها لا تصل للجميع.
#جيوبوست | نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني أمس الخميس 30 نوفمبر (خلال سريان الهدنة) خريطة تفاعلية تقسم قطاع غزة إلى ما أسماها مناطق وبلوكات، يحدد من خلالها الأماكن التي سيستهدفها.
✔️بعد ذلك حدّث الموقع الإلكتروني تاريخ نشر الخريطة إلى اليوم الجمعة 1 ديسمبر… pic.twitter.com/I37DxXufzL
— EekadFacts | إيكاد (@EekadFacts) December 1, 2023
IDF has been dropping leaflets in Khan Younis asking people to move south to Gaza. Looks like a QR code has been hidden by the person taking the photo, I assume it’s a link to the IDF map with zones or an additional information page. pic.twitter.com/6l6DQKydIJ
— Aurora Intel (@AuroraIntel) December 1, 2023
وقد اضطر العديد من الأهالي بالفعل إلى النزوح من منازلهم أو الأماكن التي التجأوا إليها بفعل القصف الجنوني من البحر والجو والبر، الذي يطال كل قطاع غزة.
تفاصيل الخريطة
تقسم الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي يوم الخميس وحدّثها الجمعة قطاع غزة المحاصر إلى 2300 كتلة منفصلة، تتراوح مساحتها من ملعبين لكرة القدم إلى 25 كيلومترا مربعا.
وهذه الخريطة المقسمة إلى “بلوكات” (مربعات) يحمل كل منها رقما، وهي مكونة من جزأين، الجزء الشمالي ويضم كلا من بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومخيم الشاطئ والرمال وشيخ عجلين والصبرة والزيتون.
أما الجزء الجنوبي فيضم كلا من البريج والمغازي والنصر ودير البلح والقرارة والناصرة والجلاء والكتيبة والآمال وبني سهيلا والمواصي والمحررات وخانيونس.
خرائط إخلاء نشرها جيش الاحتلال لجنوب وشمال غزة
على سبيل المثال، نشر أفيخاي أدرعي أن سكان جباليا المقيمين في البلوكات الآتية: 1772، 1808، 1811، 961، 963، 760، يجب عليهم الإخلاء فورًا عبر محوريْ حيفا وخليل الوزير والتوجه إلى مراكز الإيواء المعروفة والمدارس في حييْ الدرج وتفاح وغرب مدينة غزة، كما فعل نفس الأمر في أماكن عديدة.
وتضمنت الخريطة في جنوبها جزءًا من رفح المصرية حدده الاحتلال وأسماه “المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة”، وهو ما أثار شكوكا لدى الأهالي باستمرار مخطط التهجير إلى مصر.
الخريطة كلها طلاسم ومعقدة جدا.. إلا المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع #غزة واضحة وملونة بشكل لافت!!!!!!!!!! pic.twitter.com/y06z2UyT9U
— هبة فارس (@hebafares1) December 1, 2023
وبدت الخريطة معقدة جدًا خاصة عند النظر إليها من بعيد، حيث تداخلت الأرقام مع بعضها البعض، وبدت كأنها تحتاج إلى شيفرة تحتاج إلى مجهود كبير من أجل فكها وفهمها.
https://twitter.com/Samah_mohammed0/status/1730818244632592774
وسخر الغزيون من إرفاق رمز الاستجابة السريعة “QR” مع المنشورات التي تحدد البلوكات مع غياب الإنترنت بالكامل عن قطاع غزة.
وتشبه الخريطة الألعاب القديمة الخاصة بالمتاهات، حيث يجب على المدنيين المذعورين أن يخمنوا أي مربع سينقذ حياتهم.
الهدف منها
جاءت هذه الخريطة بعد تضخم عدد سكان جنوب قطاع غزة بفعل القصف العنيف للمناطق الشمالية وإيعاز الاحتلال للأهالي فيها بالتوجه إلى جنوب وادي غزة.
ومنذ البداية، ظهرت مخططات واضحة لتهجير الفلسطينيين عبر تصريحات وتلميحات “إسرائيل”ية بضرورة توطينهم في شبه جزيرة سيناء المصرية.
وتميز هذا العدوان عن سابقاته باستهداف المستشفيات والمدارس بشكل مباشر بعد أن لجأ إليها الآلاف من الفلسطينيين الذين شردتهم قوات الاحتلال بفعل القصف.
ثم لاحقتهم قوات الاحتلال نحو المدارس والمستشفيات لإنجاح مخطط تهجيرهم من مدينة غزة وشمالها نحو الجنوب.
وفصل الاحتلال خلال العدوان المستمر منذ نحو شهرين، شمال القطاع عن جنوبه، وطلب من أكثر من 1.1 مليون فلسطيني، مرارًا، الانتقال في الاتجاه الذي يقربهم نحو الحدود المصرية.
لكن مئات الآلاف لم يستجيبوا لهذا الطلب وبقوا في شمال القطاع، وهو أمر دفع الاحتلال إلى هذه الخطة الجديدة. وطرحت خلال العدوان عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد حركة حماس من بينها تهجير أهالي قطاع غزة وإعادة احتلاله، وهي جدد الفلسطينيون التعبير عنهم بعد نشر الخريطة الجديدة.
وعلق الناشط الفلسطيني رفعت العرعير على الخريطة بالقول: “هذه الخطة الشيطانية ستكون بمثابة مبرر لسقوط أعداد كبيرة من الضحايا والتهجير القسري”.
وتابع: “خلاصة القول، في المرحلة الثانية من الحرب (بعد هدنة لمدة 7 أيام)، تواصل “إسرائيل” القتل والتهجير القسري، لكن بطريقة أكثر احترافية هذه المرة. لقد رفض العالم القتل العشوائي، لذلك هناك تحول نحو القتل المنظم”.
Israel divides the Gaza Strip into blocks… a new phase of the Israeli genocide. Via @Yasser_Gaza:
– The Israeli army has released a map dividing the Gaza Strip into over 2300 small blocks.
– The army has requested Gaza residents to identify the block number they reside in… pic.twitter.com/EfD6I6qZl5
— Refaat in Gaza 🇵🇸 (@itranslate123) December 1, 2023
على سبيل المثال، في التعليمات التي أصدرها الاحتلال بشأن مناطق شرق خانيونس، كانت الأوامر تطلب بأن يتوجهوا نحو مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.
وتدور تساؤلات عن أسباب عدم دفعهم للاتجاه غربًا حتى الانتهاء من عمليات الاحتلال في الشرق. وتسود التقديرات هنا بأن “إسرائيل” تريد تفريغ أكبر عدد ممكن من السكان وإجبارهم على الاتجاه نحو الحدود الفلسطينية المصرية.
ويضغط الاحتلال على الأهالي بمنع الغذاء والماء والدواء وتكثيف القصف. ويرى الفلسطينيون أنه سيلاحقهم في المرحلة القادمة إلى رفح وحينها لن يجدوا مفرا من اقتحام الحدود.
وفي عام 2008 ومع اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، اقتحم آلاف الغزيين الحدود ودخلوا إلى سيناء ومكثوا فيها مدة أسبوع، وعادوا منها محملين بالمواد الطبية والغذائية وغيرها.
ويحاول النظام المصري تجنب تكرار مثل هذا السيناريو، وسط مساع ودعوات إسرائيلية كبيرة لتهجير أهل غزة إلى سيناء. وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول وبعد انتشار الخريطة، أكدت الخارجية المصرية موقف القاهرة الراسخ الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين خارج حدود أرضهم، باعتباره خطا أحمر لن يتم السماح بتجاوزه.
وطرح مخطط التهجير في عهد رئيس النظام المصري الأسبق محمد حسني مبارك، وكان رده حاسما، وفق ما ورد في تسريب صوتي سابق له.
وقال مبارك في التسريب الذي نشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017: “أنا على دراية كاملة بمخطط أميركا و”إسرائيل” لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء التي باتت مطمعًا لهم ولا يكلون ولا يملون من محاولات الحصول عليها بأي شكل”.
وأضاف: “إسرائيل عايزة تزق قطاع غزة في سيناء، قالي مرة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو إنه ممكن نشوف حتة (مكان) للغزيين وكان بيشاور على سيناء، وقلتله إنه حاجة متل دي هترجع الحرب بيننا تاني”.
والهدف الثاني من هذا التقسيم بحسب التقديرات الفلسطينية يتمثل في تحييد قدرات حركة حماس بعد فشل الاحتلال بتحقيق إنجازات عسكرية تذكر خلال العدوان المستمر.
ويريد الاحتلال تدمير المربعات السكنية بالتتالي من أجل محاولة تحقيق إنجازات عسكرية كمعرفة مكان وجود قائد حماس في غزة يحيى السنوار أو القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف أو حتى تدمير أكبر قدر ممكن من الأنفاق الأرضية.