ترجمة وتحرير نون بوست
نشرت مجلة الإيكونوميست الأمريكية مقالا عن اقتصاديات النفط الصخري (أو ما يعرف بالوقود الأحفوري كذلك) وفرص الولايات المتحدة في الإطاحة بالسعودية من على عرش الدول المصدرة للنفط في العالم، والإجراءات التي ينبغي على الولايات المتحدة اتباعها للوصول إلى تلك المرتبة.
وتعرض الإيكونوميست لرجل يُدعى دينيس ليثغو، الذي يعمل في مجال النفط إلى الحد الذي يجعله يرى نفسه كمصنع وحده! حيث يقول إن أهم شيء وأصعب شيء في العمل في الوقود الصخري هو الحصول عليه، لكن الآن عمله يقتصر على تلك المناطق التي يعلم الناس بوجود الصخور الزيتية فيها منذ وقت طويل لكن لم يتم الحفر فيها لأسباب اقتصادية.
حوض العصر البرمي (بحر جاف من عصور ما قبل التاريخ) بالإضافة إلى إيجل فورد في جنوب تكساس وشمال داكوتا هي أكبر مصادر الصخور الزيتية التي عادة ما تقع تحت الخزانات الطبيعية التي تحوي النفط التقليدي. لقد ارتفع انتاج النفط الصخري منذ عام 2008 ليصل من 600 ألف برميل إلى 3.5 برميل يوميا!
بفضل ذلك النوع من النفط بالإضافة إلى الغاز الصخري أيضا فإن الأوضاع الاقتصادية في تلك المناطق تحسنت بشكل ملحوظ، بل إن التوقعات تقول أنه بحلول عام 2020 سيتم توفير 1.7 مليون وظيفة جديدة في ذلك القطاع.
ليس هذا فحسب، لكن الفائدة الأخرى للنفط الصخري هو أنه أكثر استجابة للتغيرات العالمية في أسعار النفط، ما يعني أن الولايات المتحدة سيصبح بإمكانها أن تكون المنتج المتحكم في الأسعار، ما يعني قدرتها على إدارة الصعود والهبوط في سوق النفط العالمية.
إن أمريكا تحظر تصدير النفط الخام، هذه مشكلة تقلق العديد من المنتجين في الولايات المتحدة، يقول أحدهم أن سعر خام غرب تكساس يصل إلى 100 دولار للبرميل الآن، ما يعني أن الولايات المتحدة قادرة على تعويض عدم تصدير الغاز أو النفط الصخري الخام، لكن بعد 4 سنوات فقط سيهبط سعر النفط بأكثر من 20 دولارا للبرميل، ما يعني أنه ستكون هناك حاجة حقيقية لاحتياطات الولايات المتحدة من النفط.
حتى أوائل السبعينات، كانت الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم، لكن عندما صفعت الدول العربية حلفاء إسرائيل الغربيين بمنع النفط عنهم عقب النكسة في 1967، خففت تكساس تلك الضربة عندما سمحت بإنتاج ضخم وصل أوائل السبعينات إلى أكثر من 9.6 مليون برميل يوميا، لكن هذا الأمر لم يستمر بعد ان ازداد الاستهلاك مع ثبات الإنتاج ما أدى لتآكل الفائض لدى الولايات المتحدة.
تراجع الإنتاج الأمريكي بشكل مطرد من ذروته في 1970 إلى أقل من 5 مليون برميل يوميا عام 2008. لكن مع التكنولوجيا الجديدة في التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي لاستخراج الغاز الصخري والنفط، ارتفع إجمالي الإنتاج الأمريكي لأكثر من 7.4 مليون برميل يوميا، بعض المؤسسات ترى أن الولايات المتحدة ستعود لمستوى انتاجها القديم عام 2019، كما أن بعضهم أكثر تفاؤلا إذ يرون أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على الإطاحة بالسعودية التي تصدر 11.6 مليون برميل يوميا.
وتتحدث الصحيفة كذلك عن تدفق النفط الصخري بسهولة نسبيا من خلال الصخور المسامية التي تشكل آبار النفط التقليدي، لكن حجم إنتاج النفط يقل بشكل مطرد، في الآبار التقليدية يقل الإنتاج بنسبة تقارب 6٪ سنويا لكن في حالة الصخور الزيتية فإن الانتاج يقل بنسبة 30٪ سنويا، كما يظهر في الشكل البياني التالي
هذا يعني أنه من أجل الحفاظ على إنتاج مليون برميل يوميا في داكوتا الشمالية فإنه يجب حفر 2500 بئر جديدة سنويا، لكن الأمر ليس كذلك في حالة النفط التقليدي. حقل نفط تقليدي في جنوب العراق يتطلب حفر 60 بئر فقط سنويا للحفاظ على معدل إنتاجه ثابتا.
كيف يكون هذا مفيدا؟
يعني هذا أنه عندما ترتفع الأسعار، يمكن للمنتجين حفر آبار (ثقوب) بسرعة أكبر وتكثيف الإنتاج، وعندما تنخفض الأسعار يمكنهم -ببساطة- التوقف عن الحفر وخفض الإنتاج في وقت قليل، هذه قوة هائلة للولايات المتحدة!
إن الولايات المتحدة تستطيع بالفعل السيطرة بشكل كبير على أسعار النفط الآن، فلولا استحواذ أمريكا على نصف النمو في الناتج الإجمالي العالمي، وقدرتها على تعويض إنتاج النفط بكميات ضخمة، لارتفعت الأسعار بشكل حاد وتضرر المستهلكون في كل مكان عقب أزمات مثل الاضطراب في السودان أو العقوبات على إيران أو حتى انخفاض الانتاج في بحر الشمال!
وتخلص الصحيفة إلى أن الحظر على صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة يضر بالمنتجين ويجعل من الصعب على الولايات المتحدة أن تصل للسيطرة الكاملة على سوق النفط العالمي.
المستفيدون الوحيدون من الحظر هي مصافي البترول، الذين يشترون الخام الخفيف الأمريكي بأسعار تقل عن السعر العالمي ثم بيعه بعد تكريره بأسعار عالمية!
إن منتجي النفط الأمريكيين سيستفيدون بالطبع من رفع الحظر، كما أنه من شأن سوق النفط العالمية التي تشمل أمريكا أن تكون أكثر استقرارا وأكثر تنوعا وأقل اعتمادا على أوبك في تلك الحالة. يقول أحد المنتجين “من الصعب أن نطلب من اليابانيين التوقف عن استيراد الخام الإيراني بينما نحن نمتنع عن تصدير الخام لهم”