بعد اندلاع الأزمة الخليجية أطلقت تركيا عدة تصريحات تدعو إلى الحوار وحل الأزمة من خلال التفاوض، وأنه لا بد من احتواء الأزمة في أسرع وقت، وظهر أن تركيا لا تريد زج نفسها في صراع داخلي بين دول أو لا تريد أن تصطف إلى جانب دولة دون أخرى بحيث تخسر أي من الدول الخليجية الحليفة لها.
لكن سرعان ما تغير الموقف التركي بسرعة وانقلب ليظهر اصطفافًا واضحًا إلى جانب قطر ضد محور الرياض – أبوظبي، ولم تكتف أنقرة بالتصريحات فقط بل ذهبت إلى إرسال قوات تركية إلى قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر واعتبرت أن أمن قطر من أمنها، بالإضافة إلى افتتاح خط بحري وجوي لإرسال المواد الغذائية كبديل عن التي كانت تأتي من الإمارات والسعودية.
ولا تزال أنقرة تقوم بجهود دبلوماسية حثيثة لحل الأزمة الخليجية قبل حلول عيد الفطر بحسب الرسالة التي حمّلها أردوغان لوزير خارجية البحرين، بالإضافة إلى رسالة طمأنة للسعودية من خلال تأكيده على أن القاعدة العسكرية التركية في قطر غير موجهة ضد أحد في الخليج وتهدف إلى تعزيز أمن واستقرار جميع دول مجلس التعاون.
وفي هذا السياق أعلن الرئيس التركي أردوغان، اليوم الثلاثاء، عقد محادثات تركية قطرية فرنسية الثلاثاء القادم لبحث الأزمة، وقال وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، اليوم، إن أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيبحثان الخلاف بين قطر ودول عربية أخرى في الأيام المقبلة.
موقف أنقرة من محور الرياض – أبوظبي
مقابل الدعم القوي للدوحة تعاملت أنقرة مع الدول التي فرضت العقوبات على قطر بحزم وربطت المسألة بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في الصيف الماضي بتركيا، وقال الرئيس التركي في أحد تصريحاته “نعلم جيدًا من كان سعيدًا في الخليج عندما تعرضت تركيا لمحاولة الانقلاب، فإن كان لأي منها مخابرات، فنحن أيضًا لدينا مخابراتنا، ونعرف بشكل جيد كيف أمضى البعض تلك الليلة”، في إشارة إلى الإمارات والسعودية اللتين تأخرتا في دعم تركيا بعد فشل الانقلاب وعملت الماكينة الإعلامية في كلتا الدولتين على بث أخبار مزيفة عن هرب الرئيس ونجاح الانقلاب وما شابه، حيث انتظرت الإمارات 16 ساعة لتعلن وقوفها إلى جانب الرئيس التركي أردوغان، وبعد ساعة واحدة صدر بيان مماثل من السعودية يدعم فيه أردوغان.
بينت رسائل البريد الإلكتروني لسفير الإمارات لدى واشنطن التي تم اختراقها بعد قطع العلاقات مع قطر، أن أبوظبي ربما تكون قد دعمت محاولة الانقلاب في تركيا
إلا أن تركيا لا تزال تتعامل بحذر في علاقتها مع السعودية في مسعى منها لعدم افتعال أزمة معها وعدم معاداتها على عكس ما يحصل مع الإمارات ومصر، حيث أشارت مصادر تركية أن الحكومة والرئاسة التركية ما زالت تتعامل بـ”دقة عالية جدًا” مع السعودية وتحسب جميع تصريحاتها في مسعى لإبقاء مساحة جيدة من الثقة المتبادلة وعدم الصدام معها، وحسب ما جاء في صحيفة القدس العربي فإن “تعميمات وصلت إلى الإعلام المقرب من الحكومة والرئاسة بضرورة عدم الإساءة إلى المملكة بل ونشر أخبار إيجابية عن العلاقات التركية السعودية”.
وفي تصريحات صدرت اليوم لأردوغان في كلمة أمام نواب من حزب العدالة والتنمية الحاكم قال فيها: “على عاهل السعودية أن يحل هذه المسألة باعتباره كبير الخليج”.
أردوغان يصرح أن على عاهل السعودية أن يحل هذه الأزمة الخليجية باعتباره كبير الخليج
بينما على النقيض بالنسبة لمصر، حيث صعد الإعلام الحكومي التركي ضدها بشكل لافت خلال الأيام الماضية، إذ ركزت على تجاوزات الحكومة المصرية والحريات والحقوق المنتهكة في مصر التي عمدت إلى حظر عدد من المواقع الإخبارية التركية الناطقة بالعربية والإنجليزية، كان أبرزها موقع صحيفة ديلي صباح المقرب من الحكومة والرئاسة التركية، وعدد آخر من المواقع الإخبارية التركية، وأخرى عربية تعمل من تركيا.
موقف تركيا من الإمارات
بالنسبة للإمارات فيظهر دورها المشبوه في المنطقة وسعيها لاستهداف تركيا، حسب مصادر إعلام تركية، ففي تقرير منشور على صحيفة ديلي صباح التركية عن مقال لمحمد أسيت نشر في صيفة تركية “يني شفق” أن الإمارات أنفقت نحو 3 مليارات دولار لإسقاط الحكومة التركية وأردوغان، واستشهد الكاتب بتصريحات لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بقوله إن بلدًا مسلمًا ينفق 3 مليارات دولار للإطاحة بأردوغان والحكومة في تركيا مع تقديم الدعم للانقلابيين في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 من يوليو/تموز العام الماضي.
موقف تركيا من الإمارات يأتي بسبب موقف الأخيرة المعادي لحركات الإسلام السياسي في المنطقة وللربيع العربي والحرية والديمقراطية وتدخلها في تخريب التجارب الديمقراطية الناجحة
وادعى الكاتب أن الدولة المسلمة التي أشار إليها الوزير هي دولة الإمارات العربية المتحدة، مدعيًا أن الأموال المنفقة كانت للإطاحة بأردوغان والحكومة التركية، على الرغم من أن الوزير لم يذكر اسم تلك الدولة فإن الصحيفة ذكرت أنها تأكدت من مصادر مطلعة بوزارة الخارجية أن تلك الدولة هي الإمارات.
من جانب آخر فقد أظهرت فضائيات تركية مثل A haber في تقارير لها مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد دحلان متهمة إياه بأنه رجل المؤامرات السوداء في الشرق الأوسط والعمل لصالح الإمارات لاستهداف الحركات الإسلامية والربيع العربي وتركيا.
محمد دحلان في مؤتمر الأمن التعاوني والتهديدات المترابطة
يسود الاعتقاد بأن دحلان استخدم ملايين الدولارات التي زودته بها للقيام بعدة عمليات في الشرق الأوسط، مثل الاغتيالات السياسية في تونس، ودعم انقلاب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر على الحكومة الشرعية في ليبيا، ودعم وتمويل الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، والتنسيق مع دولة الاحتلال لتضييق الحصار على قطاع غزة الذي تديره حركة حماس وشن 3 حروب عليه، وغيرها من الأزمات وكل ذلك بعلم ودراية ودعم إماراتي.
وحسب تقرير A haber وهي قناة مقربة من الحكومة التركية وداعمة لتوجهاتها، فإن ن دحلان دعم العديد من المؤامرات ضد تركيا من خلال وجوده في الإمارات وعمل من خلال الأموال والحملات الدبلوماسية على تشويه صورة تركيا، وأنقرة تشتبه بوجود علاقات بينه وبين فتح الله غولن المتهم بقيادة محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا.
وفي كلمة لدحلان في مدينة بروكسل البلجيكية بـ”مؤتمر الأمن التعاوني والتهديدات المترابطة ” بدأ كلمته بالهجوم على حركات الإسلام السياسي في المنطقة، واصفًا إياها بالإرهاب، ولم يخل حديث دحلان عن تركيا بالتحريض المباشر، حيث اتهم تركيا بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية كداعش، قائلًا: “أوروبا الرسمية تعالج قضايا الإرهاب بطريقة خاطئة يشوبها الكثير من النفاق السياسي، فأوروبا تدرك تمامًا بأن تجارة النفط من قِبل داعش تتم عبر تركيا، وهي تغض الطرف عن ذلك، وتعلم أن الجزء الأكبر من الإرهابيين وصلوا إلى سوريا من خلال تركيا وتغض النظر عن ذلك أيضًا، وتساءل لو كانت تجارة نفط الإرهاب وتوفير ممر لعناصره يتم من خلال دولة عربية، فهل كانت دول أوروبا أو الناتو ستغض النظر؟”، وقال أيضًا: “هل موقفكم المتفرج على تركيا وهي تغذي الإرهاب في سوريا موقف مسؤول”؟
تركيا لا تزال تتعامل بحذر في علاقتها مع السعودية في مسعى منها لعدم افتعال أزمة معها وعدم معاداتها
الواقع أن موقف تركيا من الإمارات يأتي بسبب موقف الأخيرة المعادي لحركات الإسلام السياسي وللربيع العربي والحرية والديمقراطية وتدخلها في تخريب التجارب الديمقراطية الناجحة كما فعلت في مصر بدعم الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي وتحاول في تونس زعزعة الأمن وعدم وصول الإسلاميين إلى السلطة، ودعمها للنظام السوري، بالإضافة إلى علاقتها المشبوهة بـ”إسرائيل”، ولم تكن حكومة العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية بمنأى عن هذا العداء ونصب الكيد لها لإسقاطها من قبل الإمارات وعبر رجلها دحلان.
في حين أن قطر وتركيا تتبنيان نهجًا مختلفًا تمامًا في المنطقة، إضافة إلى دعمها للقضية الفلسطينية والمقاومة هناك، وقد شعرت أنقرة أن انتصار صف السعودية والإمارات على قطر يعني أن الدوحة سترضخ لسياسات ذلك المحور المعادي لتركيا، وأنها ستخسر حليفًا بارز لها في الخليج وسيزيد بالتالي من عزلتها.
دعم الإمارات للانقلاب في تركيا
أفاد ديفيد هيرست مدير تحرير صحيفة “midle east aye” في تقارير له أن محمد دحلان صاحب قناة الغد الفضائية نقل أموال إلى جماعة فتح الله غولن المتهم الرئيسي في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وحسب هيرست الذي كتب في 29 من يوليو/تموز أن دحلان تواصل مع غولن في الولايات المتحدة ونقل الأموال إلى الانقلابيين قبل أسابيع من الانقلاب، كما ظهر أيضًا غولن في مقابلة على قناة الغد بعد محاولة الانقلاب حيث دعا الغرب للتدخل في تركيا للإطاحة بأردوغان وحكومة العدالة والتنمية وقال إن تركيا تشهد حربًا أهلية.
شعرت أنقرة أن انتصار صف السعودية والإمارات على قطر يعني أن الدوحة سترضخ لسياسات ذلك المحور المعادي لتركيا وستخسر حليفًا بارزًا لها في المنطقة
إلى جانب هذا فقد بينت رسائل البريد الإلكتروني لسفير الإمارات لدى واشنطن التي تم اختراقها بعد قطع العلاقات مع قطر، أن أبوظبي ربما تكون دعمت محاولة الانقلاب بتركيا.
ففي إحدى رسائل البريد الإلكتروني للعتيبي أرسل كبير المستشارين جون هانا من مؤسسة الفكر المحافظين المؤيدين لـ”إسرائيل”، مقالاً قبل محاولة الانقلاب في تركيا بشهر “لا يمكن الاستبعاد بشكل كلي بعض من التدخل العسكري – خاصة إذا ما رافقه معارضة شعبية واسعة النطاق لاستبداد أردوغان المتصاعد ولتجاهله لدستور تركيا القائم”، وأنه “ليس من المستبعد أن يستدير الجيش وينقلب على أردوغان حتى “ينقذ” تركيا من المضي في طريقه الذي يؤدي إلى الدكتاتورية والدولة الإسلامية”.
ابن زايد ومحمد دحلان إلى جانبه
وورد في إحدى الرسائل المسربة بريد يتعلق بجدول أعمال مقترح بخصوص اجتماع مرتقب بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومسؤولين من الحكومة الإماراتية، الذي كان المفترض انعقاده بين 11 و14 من حزيران/يونيو، وقد اشتمل جدول أعمال اللقاء على الخوض في نقاشات معمقة بين الطرفين عن عدة قضايا من بينها سياسات دولة قطر، وأدواتها الإعلامية في المنطقة.
وكشفت بعض الرسائل المسربة لموقع إنترسبت الأمريكي، طلب مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” من السفير الإماراتي ترتيب لقاء مع محمد دحلان، وأكبر مستشاري ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهذا يدل على حجم التنسيق بين الإمارات وهذه المؤسسة الداعمة لدولة الاحتلال.
يبدو أن تركيا آثرت التصعيد ضد الإمارات بسبب الشبهات الكثيرة التي تدور حولها في تخريب أمن المنطقة ومساسها بأمن تركيا ودعم الانقلابيين، وتدرك أنقرة أن حل الأزمة الخليجية ستعني توجيه ضربة موجهة لابن زايد ورجله دحلان، في حين أن موقف أنقرة مختلف مع السعودية، إذ يدعو إلى إبراز دور أكبر للعاهل السعودية بحل الأزمة والقضايا في المنطقة.