في أعقاب تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة بعد انتهاء الهدنة الجمعة الماضية، أكد العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين في اليمن، استعداد الجماعة لاستئناف عملياتها ضد “إسرائيل”.
أضاف سريع في كلمة مسجلة، أنهم لن يترددوا في توسيع عملياتهم “لتشمل أهدافًا لا يتوقعها العدو الإسرائيلي في البر أو البحر”، مشددًا على استمرار ملاحقة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وأنهم سيتخذون المزيد من الإجراءات لضمان التنفيذ الكامل لقرار منع السفن الإسرائيلية “من الملاحة في البحر الأحمر”.
احتجاز سفينة مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي
في خضم العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال على قطاع غزة منذ قرابة شهرين، قامت جماعة الحوثي بخطف سفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر قبل أيام، بينما علقت “إسرائيل” بأن السفينة مملوكة لبريطانيين ويديرها يابانيون، واصفةً الحادث بأنه “عمل إرهابي إيراني” ستكون له تداعيات على الأمن البحري الدولي.
لكنّ إيران نفت تلك الاتهامات معتبرةً أنها “فارغة وتنجم عن الظروف المعقدة التي يواجهها الكيان الصهيوني”، ويأتي ذلك بعد أيام من توعّد الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر الذي تمر عبره أكثر من 10% من التجارة العالمية سنويًا.
وجاء احتجاز السفينة “غالاكسي ليدر” وطاقمها المكوّن من 25 فردًا، بعد فترة قصيرة من تهديد الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية، على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة في تصعيد جديد لهجماتهم ضد الكيان المحتل.
فبعد ثلاثة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي، حذر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي من أن جماعته مستعدة للتدخل في الحرب باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ حال أي تدخل أمريكي في غزة.
وبالفعل، أطلق الحوثيون سلسلة هجمات بالصواريخ والمسيّرات من اليمن نحو جنوب “إسرائيل” تضامنًا مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
مسيرات وصواريخ
في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت “يو إس إس كارني“، مدمرة الصواريخ الموجهة التابعة للبحرية الأمريكية في شمال البحر الأحمر، بإسقاط 4 صواريخ والعديد من الطائرات المسيرة التي أُطلقت من منطقة يمنية خاضعة لسيطرة الحوثيين يعتقد أنها كانت موجهة نحو “إسرائيل”.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي أيضًا، أحدثت طائرات مسيرة انفجارات في مدينتي طابا ونويبع المصريتين اللتين تطلاّن على البحر الأحمر والقريبتان من الحدود الإسرائيلية، وعلقّت وزارة الخارجية الإسرائيلية حينها أنّ الحوثيين المدعومين من إيران أطلقوا الطائرات المسيرة والصواريخ بهدف إلحاق الأذى بـ”إسرائيل”.
ووقع حادث ثالث مماثل في 31 أكتوبر/تشرين الأول، حينما أطلق الحوثيون صاروخًا باتجاه إيلات المحتلة، وأدى ذلك إلى إطلاق صفارات الإنذار في المدينة بينما هرع سكانها للبحث عن ملجأ يحميهم.
وقال جيش الاحتلال يومها إنه استخدم منظومة الدفاع الجوي “السهم” لاعتراض صاروخ أرض أرض في البحر الأحمر بعد إطلاقه صوب “إسرائيل”، وأعلن الحوثيون على لسان رئيس حكومتهم عبد العزيز بن حبتور مسؤوليتهم عن العملية حيث قالوا إنهم أطلقوا مسيّرات نحو الأراضي المحتلة ردًا على العدوان الإسرائيلي.
في أعقاب ذلك، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع إن الحركة أطلقت دفعة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو “إسرائيل”، وأضاف أن العملية هي الثالثة التي تستهدف “إسرائيل”، مهددًا بتنفيذ المزيد من الضربات النوعية باستخدام ذات الأسلحة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
حرب بحرية
مع إعلان الحوثيين احتجازهم سفينة مملوكة لشركة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، وحادثة استهداف سفينة أخرى مملوكة لملياردير إسرائيلي بطائرة من دون طيار يشتبه أنها إيرانية زادت الخشية من توسع الحرب في المنطقة لتشمل “حرب بحرية”.
🛑 Hebrew Channel 12: The israeli cargo ship (CMA CGM Symni) was attacked with Shahed-136 suicide drones.
The ship belonged an israeli Tycoon (billionaire) named Idan Ofer. https://t.co/nMRpXbt98B pic.twitter.com/uDcqMbiLfV
— Arya – آریا 🇮🇷 (@AryJeay) November 25, 2023
خصوصًا أن قائد القوات البحرية التابعة للحوثيين اللواء محمد فضل عبدالنبي، صرّح الأسبوع الماضي من على متن السفينة المحتجزة أن ما أسماهم “المتحالفين مع العدو الصهيوني والذي يؤمّنون له المرور في باب المندب يعتبرون أيضًا هدفًا مشروعًا”.
وحذر اللواء عبدالنبي، الشركات والتجار من شحن بضائعهم ومصالحهم مع السفن الإسرائيلية أو التعامل معها، وقال “أي قطعة عسكرية تحمي السفن الإسرائيلية ستكون هدفا مشروعا لعمليات القوات البحرية اليمنية”.
ولفت إلى أنه “على تل أبيب أن تدرك أن باب المندب خط أحمر”، مشددًا على أن اليمن لن يقف مكتوف الأيدي إزاء التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر فأي سفينة بحرية مدنية أو عسكرية إسرائيلية تعتبر هدفًا مشروعًا.
بيد أنّ قائد القوات البحرية للحوثيين حاول طمأنة التجار وشركات الملاحة بقوله إنّ “تنفيذ المهام القتالية في البحر الأحمر لا يشكل خطرًا على الملاحة الدولية، لأن الخطر كل الخطر هو للتواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر ومروره الدائم من باب المندب”.
“نون بوست” استطلع الباحثة الإيرلندية “كارولين فرامبتون” التي تتابع الصراع في اليمن وليبيا عن رأيها في تهديدات الحوثيين وعما إذا كانت تشكل تهديدًا للسفن الإسرائيلية، فأعربت عن اعتقادها أن هناك تهديدًا حقيقيًا تواجهه “السفن الإسرائيلية أو التي تحمل الراية الإسرائيلية أو التي يملكها إسرائيليون” عند مرورها بباب المندب خاصة أن الحوثيين يسيطرون على مساحة واسعة من الممر الحيوي.
لكنّ فرامبتون ترى في الوقت نفسه ألا تلجأ جماعة الحوثي إلى قصف السفن الإسرائيلية بشكل مباشر، مضيفة أن الحوثيين قد يلجؤون إلى تكرار حجز المزيد من السفن الإسرائيلية أو استهدافها بطائرات مسيرة خفيفة في حال لم يكن بإمكانهم احتجازها.
الحوثيون يتجنبون المواجهة مع البحرية الأمريكية
أرجعت الباحثة الإيرلندية ذلك إلى إن جماعة الحوثي تخشى من أن تنجر إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، لذا تضع في بالها إمكانية رد البحرية الأمريكية على أي انزلاق خطير بالمنطقة خصوصًا في عرض البحر الأحمر، إذ أن الأسطول الأمريكي موجود بالفعل وعززت واشنطن من وجودها في المنطقة منذ بدء الحرب تحسبًا لتوسع الصراع.
كما استبعدت فرامبتون في حديثها لـ”نون بوست” إمكانية وقوع مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، مشيرة إلى أن الأخيرة اكتفت حتى الآن بتوظيف جماعة الحوثي التي تدعمها وهو ما ستستمر عليه بطبيعة الحال إذا ما استمر الصراع في الشرق الأوسط، موضحة أن “إسرائيل” لم ترد كذلك على استفزازات الحوثيين في البحر الأحمر وهجومهم على إيلات حتى لا تشتت نفسها في صراع جديد.
قلق إسرائيلي
غير أن القلق يتصاعد في “إسرائيل” من هجمات الحوثيين، إذ أشار معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان، إلى أن الهجمات التي تستهدف السفن التي يملكها رجال الأعمال الإسرائيليون، والتي تنفذها إيران بشكل مباشر والحوثيون، تهدد التجارة الخارجية لـ”إسرائيل”، لافتًا إلى أن تل أبيب تؤمّن 99% من البضائع التي تحتاجها عبر النقل البحري.
وفي تحليل نشرته الصحيفة في عددها الصادر الأربعاء الماضي، لفت ميلمان إلى أن الحرب التي تخوضها إيران والحوثيون ضد السفن الإسرائيلية، تتمثل في اختطاف بعض السفن التي يملكها رجال أعمال إسرائيليون، أو مهاجمتها بطائرات مسيّرة انتحارية، كما عكس ذلك استهداف سفينة يملكها رجل الأعمال عيدان عوفر والتي هوجمت قبل ثلاثة أيام بمسيّرة انتحارية من طراز “شاهد 136″، وهو نفس الطراز من المسيّرات الذي تستخدمه روسيا في شنّ هجمات في أوكرانيا.
وأوضح أن “إسرائيل” مترددة إزاء كيفية الرد على الهجمات التي تتعرض لها سفنها، لا سيما في ظل إدراكها أن هذه الهجمات تندرج في إطار تحرك إيراني لمحاولة فتح جبهة قتال ثالثة، بالإضافة إلى جبهتي غزة ولبنان.
الهجمات قد تشكل تهديدًا للتجارة الدولية
هناك مراقبون آخرون يرون أن تحركات الحوثيين الأخيرة يمكن أن تهدد الاقتصاد الدولي في البحر الأحمر والتجارة الدولية التي تمر عبر باب المندب، رغم تعهدات الحوثيين بقصر هجماتهم على السفن الإسرائيلية.
يرى المحلل العسكري عبد العليم أبو طالب أن هجمات الحوثيين “تمثل تهديدًا للاقتصاد العالمي، وستؤثر سلبًا بأمن اليمن بشكل خاص والبحر الأحمر والقرن الأفريقي بشكل عام.
ويضيف بقوله، قد تسبب التهديدات الحوثية برفع منسوب التوتر في المنطقة وتهدد الملاحة البحرية وحركة التجارة الدولية مما قد يدفع شركات الشحن إلى اتخاذ مسارات بعيدة لتجنب مضيق باب المندب، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين على السفن والتي ستنتقل في النهاية إلى المستهلك.
من جهته، يقول الكاتب الصحافي خليل العمري، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الهجمات الحوثية ستكون لها “انعكاسات خطيرة على أمن البحر الأحمر، فالقرصنة الصومالية أوقفت التنمية في جنوب البحر الأحمر لثلاثين عامًا”.
وفي وقت قال الحوثيون إنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية فقط، يلفت العمري إلى أنهم أعطوا بذلك “ضمانات للمجتمع الدولي، أن عملياتهم لن تستهدف دولًا أخرى، وبهذا حدّ من المخاوف الدولية في واحد من أهم الممرات العالمية الذي ينقل نفط الخليج والرابط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا”.
بينما يلفت نائب السفير الأمريكي السابق في اليمن نبيل خوري، إلى أنه في حين يمكن للحوثيين عرقلة ممرات الشحن في البحر الأحمر، فإن إيران لديها القدرة على إغلاق مضيق هرمز وهي خطوة سيكون لها تداعيات عالمية فورية وبالتالي ستشكل مخاطر جسيمة على المصالح الأمريكية، بحسب الدبلوماسي الأمريكي السابق.
لكنّه يضيف في تحليل نشره موقع “المركز العربي واشنطن دي سي” إلى أن القرار الإيراني باتخاذ مثل هذه الخطوة سيكون إجراءً من المحتمل أن تتخذه طهران فقط إذا تعرضت لهجوم مباشر بنفسها، بخلاف ذلك ستعتمد على الجهات المتحالفة معها من غير الدول في المنطقة، بما في ذلك الحوثيون.