بعد تونس والجزائر اختارت المملكة المغربية هي الأخرى الحياد تجاه الأزمة الخليجية، إلا أن حيادها لم يكن سلبيًا كجيرانها بل كان حيادًا إيجابيًا، فقد عرضت الوساطة بين الأشقاء الخليجيين سعيًا منها لمنع تصاعد الوضع وتأزمه، وتبعت ذلك بإرسال طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، فمالذي دفع بالرباط أن تختار الحياد الإيجابي بين الدوحة والرياض؟ خاصة أن معظم المحللين كانوا يرشحون المغرب للانضمام إلى المشروع السعودي – الإماراتي.
الحياد الإيجابي
على عكس ما كان منتظرًا، اتخذ المغرب مسارًا خاصًا فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، وذلك بإعلانه البقاء على الحياد الإيجابي والرغبة بلعب وساطة لحل الأزمة، حيث دعا الملك محمد السادس الأطراف المعنية في الأزمة الخليجية إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبديًا استعداد المملكة للوساطة من أجل حل الأزمة.
قرار إرسال المواد الغذائية إلى قطر بأمر من الملك محمد السادس يأتي تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف
وجاء في بيان للخارجية المغربية استعداد المغرب – إذا ما وافقت الأطراف – لفتح حوار هادئ ورصين، قوامه عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، ومحاربة التطرف الديني، والوضوح في المواقف والوفاء بالالتزامات، وبدأت المساعي المغربية من أبو ظبي، حيث استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، مساء الإثنين، ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي مبعوثًا من الملك.
وأشارت الخارجية إلى أن المملكة تتابع بانشغال بالغ تدهور العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر وبلدان عربية أخرى من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، مؤكدة أن الملك أجرى اتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف الأطراف منذ بداية الأزمة، حيث دعا الجميع إلى مزيد من التروي والحكمة من أجل تهدئة الوضع وتجاوز هذه الأزمة، وفق الروح التي لطالما سادت داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
مساعدات عذائية مغربية لدولة قطر
بعد ذلك أعلنت الخارجية المغربية أن المملكة سترسل مواد غذائية إلى دولة قطر، وقالت إن هذه الخطوة لا علاقة لها بالجوانب السياسية للأزمة بين الدوحة وكل من السعودية والإمارات والبحرين، لتكون بذلك أول دولة عربية تتخذ هذه الخطوة، رغم علاقاتها المتميزة التي تجمعها مع الدول التي تشن الحملة ضد الدوحة وعلى رأسها العربية السعودية والإمارات العربية، وقالت الوزارة في بيان إن قرار إرسال المواد الغذائية إلى قطر بأمر من الملك محمد السادس يأتي تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يستوجبه – خاصة خلال شهر رمضان الكريم – من تكافل وتآزر وتضامن بين الشعوب الإسلامية.
علاقات جيدة بين الطرفين
الموقف المغربي من الأزمة الخليجية يرجعه العديد من الخبراء السياسيين، إلى طبيعة العلاقات التي تجمع المملكة بأطراف الأزمة، فعلاقات المغرب مع الخليج فرضت عليه تجنب الدفاع عن طرف دون آخر، على عكس ما قامت به بعض الدول في هذا الشأن وزاد في تأزيم الوضع، وما يؤكّد عمق هذه العلاقات وقوتها انعقاد القمة الخليجية المغربية في العاصمة السعودية الرياض في أبريل 2016، التي أكّدت تقارب الرؤى تجاه القضايا الإقليمية ومنها قضية الصحراء الغربية التي يرى فيها المغرب قضيته المصيرية.
يحتاج المغرب في هذه الفترة إلى دول الخليج وخاصة قطر التي تمتلك رؤوس أموال استثمارية كبيرة ويمكنها ضخ المليارات من الدولارات في المنظومة الاقتصادية المغربية
وكان المغرب من أبرز الداعمين والمشاركين في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويهدف إلى دعم الشرعية في اليمن، وأبرز الحاضرين كذلك في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية الثلاثاء 15 من ديسمبر 2015، الذي تشكل من 34 دولة ووصل لاحقًا عدد أعضائه إلى 39 لمحاربة الإرهاب انطلاقًا من مقره في الرياض، ويرى خبراء أن الدول الخليجية تستطيع تحمل جزء من صفقات المغرب العسكرية مع دول كأمريكا وفرنسا أو من خلال دعم الصناعات العسكرية المغربية.
المغرب يسعى لعدم خسارة أي طرف
إلى جانب ذلك يحتاج المغرب في هذه الفترة إلى دول الخليج وخاصة قطر التي تمتلك رؤوس أموال استثمارية كبيرة ويمكنها ضخ المليارات من الدولارات في المنظومة الاقتصادية المغربية، وليس من مصلحته أن يعوّل على شريك أو شركاء معيّنين في الخليج، بل عليه أن يقيم علاقات جيدة مع الجميع، فوفق أرقام وزارة المالية والاقتصاد المغربية بلغت قيمة الهبات والمنح المالية من دول الخليج إلى المغرب نحو 4 مليارات دولار خلال 2014، فيما بلغ حجم التبادلات التجارية بين الطرفين 3 مليارات دولار عام 2014، وهو ما يمثل 4.9% من إجمالي التبادل التجاري للمغرب، مقابل 3.6% في عام 2000، وذلك حسب التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع قانون مالية 2016.
انشغال بالداخل وخيبة أمل من التحالفات السابقة
إلى جانب ذلك يرجع هذا الموقف أيضًا إلى انشغال السلطات المغربية بالحراك الشعبي في منطقة الريف، خاصة في ظل تواصل انتشاره للشهر السابع على التوالي ووصوله إلى العاصمة الرباط وخروج آلاف المتظاهرين الداعمين للحراك وفشل الحل الأمني معه، وعدم تجاوب أهالي الريف مع الوعود الحكومية بالتنمية.
ورغم متانة علاقاتها مع السعودية، فالمملكة المغربية لا تريد، حسب خبراء، أن تكون ضحية القرارات الارتجالية، خاصة إذا اعتبرنا خيبة الأمل المغربية بعد مشاركته في “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية ضد اليمن، فقد طالت ثلاث سنوات دون نتائج، كما تحولت إلى وبال على الشعب اليمني الذي يعيش النزوح والمجاعة والأمراض مثل شيوع الكوليرا مؤخرًا، فبهذا الموقف يريد المغرب أن يأخذ مسافة واحدة بين أطراف الأزمة.
حصار غير مبرر
يجسد الموقف المغربي الأخير في مضمونه إرادة ملكية بعدم التدخّل في شؤون الدول الداخلية، ويعزز أيضًا حسب مراقبين من فكرة أن أسباب الحصار بحق دولة قطر غير مبررة وغير صائبة، وأن عواقبه ستكون كارثية في الخليج والمنطقة العربية ككل خاصة إذا تواصل لفترة أكبر، مما يمكن أن يهدد الكيان العربي الذي يشكو من العديد من المشاكل.
ويدعم هذا الرأي قرار المملكة إرسال طائرة محملة بمساعدات غذائية لقطر رغم أن المغرب قال إن هذه الخطوة لا علاقة لها بالجوانب السياسية للأزمة بين الدوحة وكل من السعودية والإمارات والبحرين، وأنها جاءت تماشيًا مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يستوجبه – خاصة خلال شهر رمضان الكريم – من تكافل وتآزر وتضامن بين الشعوب الإسلامية.
حصار قطر يهدف إلى إخضاعها وتخليها عن سيادتها الوطنية
ولا ترغب المملكة المغربية بهذا الموقف خسارة أي طرف، خاصة أنه في سنة 2014 كانت هناك أزمة مماثلة، وتم تجاوزها عبر وساطات بين الفرقاء والأخوة في الخليج العربي، فالعلاقات التاريخية بين قطر ودول الخليج ستتغلب على الأزمة الحالية، حسب العديد من المراقبين، وأعلنت 7 دول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وهي السعودية ومصر والإمارات والبحرين واليمن وموريتانيا وجزر القمر، واتهمتها بدعم الإرهاب، في أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات، بينما لم تقطع الكويت وسلطنة عمان علاقاتهما مع الدوحة، فيما أعلنت دولتا الأردن وجيبوتي خفض تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة