ترجمة وتحرير نون بوست
شهد عدد اللاجئين الساعين للوصول إلى أوروبا ارتفاعا كبيرا منذ مطلع السنة، وخاصة في منطقة شمال أفريقيا. وفي الأثناء، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من خطورة إعادة اللاجئين من أعتاب أوروبا إلى الضفة الجنوبية للمتوسط.
مؤخرا، وجهت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل دعوة للعديد من الدول لحضور مؤتمر عالمي حول أفريقيا. ومن المرتقب أن يكون محور هذا المؤتمر، مكافحة العوامل الطاردة التي تدفع الأفارقة نحو الهجرة. وفي الوقت ذاته، عمد الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن طرق لوقف تدفق القوارب القادمة من أفريقيا، وذلك ضمن سياسة إنسانية لحماية أرواح المدنيين، على حد تعبير المسؤولين في الاتحاد.
خلال السنة الماضية، أعربت المستشارة الألمانية عن اهتمامها بازدهار واستقرار القارة الأفريقية. ومنذ ذلك التاريخ، تواترت تصريحات ميركل بشأن القارة السمراء كما أبدت اهتماما بليغا بهذه المسألة مقارنة بمن سبقها. وفي الأثناء، عملت ميركل على جعل هذا الموضوع على رأس الأولويات في قمة الدول العشرين التي تقودها ألمانيا. ويوم الاثنين الماضي، وجهت ميركل دعوة للعديد من الدول لحضور هذه القمة في برلين، علما وأن المستشارة الألمانية تعتقد أن التعامل مع الوضع في أفريقيا يمثل الحل الأنسب لمعضلة تدفق اللاجئين على أوروبا.
من ناحية أخرى، يتوقع الخبراء أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن أفريقيا بامتياز في كل الحالات. ففي الواقع، يوجد احتمالين اثنين، وهما إما أن تنهض أفريقيا اقتصاديا وتحقق الازدهار الذي حققته آسيا، أو أنها ستنهار تماما وتتفكك مما سيؤدي إلى انهيار أوروبا أيضا.
والجدير بالذكر أن أفريقيا ثرية بقدرات وقوى لا يزال العالم غير مدرك لها. فبحلول سنة 2050، سيتضاعف عدد سكان هذه القارة ليصل إلى 2.5 مليار نسمة. وبالتالي، سيصبح عدد الشباب في القارة السمراء عشرة أضعاف الشباب في القارة العجوز. ومن هذا المنطلق، قد تمثل هذه الدماء الشابة عامل بناء وأمل، أو عامل خطر وفوضى، حيث يمكن توظيفها كمحركات لتحقيق نهضة على مستوى القارة، أو أن هؤلاء الشباب سينخرطون في موجة من العنف والاحتجاجات ضد التهميش.
يتوقع الخبراء أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن أفريقيا بامتياز في كل الحالات
حماية الحدود الأوروبية
على ضوء هذه المعطيات، ينبغي إيلاء اهتمام خاص بالوضع في أفريقيا. وفي الأثناء، تستطيع ألمانيا استخدام كل الوسائل الاقتصادية من أجل تحقيق أهدافها، على غرار ضخ الاستثمارات الخاصة ورأس المال من أجل خلق المزيد من فرص الشغل ودفع التنمية في أفريقيا. ومن المتوقع أن تصل آثار العولمة إلى هذه القارة المهمشة وتنتشلها من براثن الفقر الذي طغى عليها على امتداد عقود طويلة. في المقابل، وفي إطار هذه الحرب للتخلص من دوافع هجرة الشباب من القارة الأفريقية باتجاه أوروبا، من الضروري وضع إستراتيجية طويلة المدى. ومن المرجح أن يستغرق الأمر وقتا طويلا لقطف ثمار هذه الإستراتيجية، وبالتالي، لا يمكن الاستغناء عن الحلول الأمنية مثل حماية الحدود.
وفي الوقت الذي أخذت فيه ألمانيا تستعد لتنظيم قمة برلين حول أفريقيا، تشير تقديرات الأجهزة الأمنية إلى أن حوالي 6.6 مليون مهاجر يأملون في الولوج إلى فضاء شنغن في صلب الاتحاد الأوروبي. ومن بين هؤلاء، ينحدر 2.6 مليون شخص من منطقة شمال أفريقيا، والعدد في تزايد.
فعلى سبيل المثال، وبحلول شهر أيار/مايو، دخل حوالي 50 ألف مهاجر قدموا من أفريقيا إلى إيطاليا، ليشهد عدد المهاجرين إلى إيطاليا ارتفاعا بنسبة 46 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة المنقضية. ومنذ مطلع سنة 2017، اجتاز ما لا يقل عن 260 ألف شخص البحر الأبيض المتوسط نحو الضفة الشمالية. ونتيجة لذلك، يبدو من الواضح أن التطورات الديمغرافية في أفريقيا تهدد بارتفاع أعداد اللاجئين لمستويات لا يمكن السيطرة عليها.
أفريقيا ثرية بقدرات وقوى لا يزال العالم غير مدرك لها. فبحلول سنة 2050، سيتضاعف عدد سكان هذه القارة ليصل إلى 2.5 مليار نسمة
الحلم الأوروبي لا يزال جذابا
في واقع الأمر، قد تبدو فكرة تحقيق نهضة اقتصادية في أفريقيا خلال بضعة سنوات أمرا غير قابل للتصديق، وبالتالي، فإن نهاية تدفق اللاجئين غير واردة في الوقت الراهن. عموما، لا يزال الحلم الأوروبي جذابا بالنسبة للعديد من الشباب المهمش في القارة الأفريقية، وطالما أن هذا الحلم قابل للتحقيق، سيواصل الشباب الأفريقي محاولة الوصول إلى الجنة الأوروبية.
في الحقيقة، تمر عملية الهجرة بالعديد من التعقيدات والمخاطر. ففور تمكنه من جمع المال الكافي لدفع تكاليف الهجرة السرية، يقوم الشخص، إثر ذلك، بتسليم نفسه إلى المهربين والعصابات، الذين يقطعون به البحر قبل أن يتم إنقاذه من قبل سفن تابعة للاتحاد الأوروبي أو منظمات إغاثية متعاطفة مع المهاجرين. في أعقاب ذلك، يتم اقتياده إلى إيطاليا. وفي الوقت الراهن، يعد الاتحاد الأوروبي الجزء الوحيد ضمن الدول المصنعة، الذي لا تربطه ممرات برية بالدول الفقيرة.
وبالتالي، تعتبر حماية الحدود البحرية الجنوبية أولوية مطلقة لقيادة الاتحاد في بروكسل. ولكن، تعد هذه المهمة شديدة التعقيد، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي ألزم نفسه بقانون اللجوء، علما وأن هذه الخطوة تعتبر حالة فريدة من نوعها في العالم. فقد دعمت قوانين الاتحاد الأوروبي فرص تمتع الأجانب بحق اللجوء، إلى حد أنه أصبح من غير الممكن غلق الحدود البحرية.
دخل حوالي 50 ألف مهاجر قدموا من أفريقيا إلى إيطاليا، ليشهد عدد المهاجرين إلى إيطاليا ارتفاعا بنسبة 46 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة المنقضية
قانون اللجوء أقوى من قوات خفر السواحل
بموجب هذه القوانين، لا يمكن إعادة اللاجئين إلى السواحل الأفريقية، في حين أن لكل مهاجر الحق في تقديم طلب لجوء. علاوة على ذلك، تتعدد وتختلف سبل الحصول على اللجوء في أوروبا. وفي الأثناء، وقعت كل الديمقراطيات العريقة في العالم على اتفاقية جنيف لحماية اللاجئين. ولكن، في أوروبا فقط، يبدو حق اللجوء أقوى من حق الدول في حماية حدودها ومراقبة سواحلها البحرية. ويعد هذا الأمر خطأ كارثيا في ظل الأوضاع التي تعيشها أفريقيا.
في واقع الأمر، تغيير هذه المعطيات القانونية ليس أمرا مستحيلا، ولا يمكن اعتبار طرح هذه المسألة أمرا محرما. وفي الأثناء، من الضروري أن يعمل الاتحاد الأوروبي، الذي بات يعاني من الهشاشة، على حماية حدوده، وذلك حتى يكون مستعدا لكل التطورات التي قد يشهدها العالم مستقبلا. ومن المثير للاهتمام أن قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي توجهها قيم كونية عوضا عن المصالح الذاتية.
من هذا المنطلق، ينبغي على القارة العجوز إعادة صياغة نظام اللجوء وحماية الحدود، مما سيسمح لها برفض قبول المهاجرين القادمين من أفريقيا. عموما، قد يصف البعض هذا القرار بأنه غير أخلاقي وغير إنساني، ولكن الوضع الذي تشهده أوروبا يعتبر أيضا غير مقبول ولا يمكن الاستمرار فيه.
تعتبر حماية الحدود البحرية الجنوبية أولوية مطلقة لقيادة الاتحاد في بروكسل. ولكن، تعد هذه المهمة شديدة التعقيد، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي ألزم نفسه بقانون اللجوء
الوضع الحالي غير إنساني
في حقيقة الأمر، تعد مسألة فتح الحدود أمام المهاجرين بمثابة خطر على حياة العديد من الأشخاص. فقد دفعت الرغبة في المخاطرة للوصول إلى أوروبا، المهاجرين الأفارقة إلى إلقاء أنفسهم في قوارب مطاطية غير صالح للإبحار وقد أدى ذلك إلى غرق الآلاف منهم سنويا في البحر الأبيض المتوسط. فضلا عن ذلك، من غير الإنساني أن يرسل بعض الآباء أبنائهم بمفردهم إلى أوروبا دون حماية.
من جهة أخرى، تعد مسألة فتح الحدود مكلفة للغاية. فقد أكد بعض الباحثين في شؤون الهجرة أن تكلفة رعاية مهاجر داخل الأراضي الأوروبية تقدر بحوالي 130 مرة ضعف تكلفة رعايته في موطنه الأصلي. والجدير بالذكر أن المهاجرين الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا بصدد استنزاف مبالغ ضخمة، وهو ما من شأنه أن يعرقل عمليات تمويل مجالات إنسانية أخرى.
علاوة على ذلك، يمكن اعتبار حق المهاجرين في اللجوء إلى أوروبا وفتح الحدود أمامهم أمرا غير عادل. ففي الغالب، يتمتع الأشخاص الذين يملكون المال الكافي بفرصة الوصول إلى أوروبا، مقارنة بغيرهما. وبالتالي، لا يتمكن السكان الأكثر فقرا وسكان الدول التي تعيش فقرا مدقعا من الهجرة.
سياسة الهجرة تحتاج للحكمة
في الحقيقة، يأتي أغلب المهاجرين من المغرب، والسنغال وساحل العاج، التي تعتبر بلدانا إفريقية حققت قدرا من الازدهار. في المقابل، يعجز الأشخاص من الدول الأكثر فقرا عن تحمل مصاريف هذه الرحلة. في المقابل، يعد حوالي 90 بالمائة من اللاجئين الفقراء، نازحين داخل بلدانهم الأصلية أو في دول مجاورة، في حين يعيشون ظروفا سيئة للغاية.
مما لاشك فيه أنه لكل شخص الحق في أن يحلم بالهجرة إلى أوروبا، ولكن يجب تنظيم هذه المسألة، وذلك في إطار الجهود الرامية لإرساء سياسة جديدة تتسم بالعدل والحكمة. وفي هذا الإطار، يمكن تبني فكرة جديدة تتمثل في معالجة طلبات اللجوء واتخاذ القرار بشأنها في شمال أفريقيا أو في دول المهاجرين الأصلية، وليس في أوروبا. وفي هذه الحالة، يسمح بإرسال الأشخاص الذين يعانون من الاضطهاد السياسي نحو القارة الأوروبية، أما بالنسبة للاجئين العاديين، فيمكن مساعدتهم على العيش في ظروف أفضل مناطق مجاورة لبلدانهم.
ينبغي عدم الاكتفاء بالحديث عن دوافع الهجرة
تسعى أوروبا بالتزامن مع هذه الخطوات، إلى إرساء نظام هجرة عصري لمساعدة الأفارقة، حيث يمكنهم إرسال المال إلى بلدانهم الأصلية والعودة إليها بمهارات وخبرات جديدة، بعد تدريبهم وتعليمهم. ويعد هذا الخيار أفضل من مجرد قبول المهاجرين الذين يفتقرون للمهارات والكفاءات ثم تركهم بمفردهم لمواجهة معترك الحياة الواقعية في مجتمع غريب تماما عنهم.
وفي شأن ذي صلة، لا يجب أن تقتصر المستشارة الألمانية على التطرق إلى دوافع الهجرة من القارة الأفريقية خلال هذه القمة التي دعت لها، بل من الضروري أن تتناول مسألة حماية الحدود، ووضع حد لسياسة قبول اللاجئين، التي أضحت مكلفة جدا وغير إنسانية.
في الواقع، لا بد من اتخاذ هذه الخطوات بشكل جدي، حيث لم يعد بالإمكان ترك إيطاليا بمفردها في مواجهة الحدود البحرية المفتوحة. ففي هذا البلد المطل على البحر الأبيض المتوسط، يبدو أن الشعبويين في طريقهم لتحقيق انتصار كبير في الانتخابات المنتظرة في الخريف القادم. ولعل أبرز من يمثل هذا التيار، حركة الخمس نجوم التي تتصدر استطلاعات الرأي.
وفي الأثناء، أدى ولوج مئات الآلاف من المهاجرين إلى إضعاف إيطاليا من الداخل كما تسبب في العديد من المشاكل في كامل القارة. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن تستعيد أوروبا قوتها في المقام الأول، حتى تتمكن فيما بعد من مساعدة أفريقيا ودعمها للنهوض بشعوبها.
المصدر: فيلت