بدأت عملية فرز أصوات المصريين بالخارج المشاركين في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، والتي كانت على مدار 3 أيام كاملة، خلال 1 و2 و3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وذلك بعد غلق صناديق الاقتراع في 137 سفارة وقنصلية بـ 121 دولة حول العالم.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد المصريين بالخارج يتجاوز 14 مليون مصري في مختلف دول العالم، تتصدرها السعودية، تليها بقية دول الخليج ثم دول الأمريكيتَين، فيما لم تصدر أي بيانات بشأن نسب التصويت ومعدّلات المشاركة حتى الآن.
ومن المقرر أن تتم عملية تصويت المصريين بالداخل في أيام 10 و11 و12 من الشهر الجاري، على أن تعلن النتائج في 18 منه في حال حُسم السباق من جولته الأولى، أما في حال وجود جولة إعادة بين المرشحين فمن المتوقع أن تجري في يناير/ كانون الثاني المقبل، حسب الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات.
كان من المقرر لهذه الانتخابات أن تجري في أبريل/ نيسان المقبل، لكن جرى تقديم موعدها 4 أشهر، فيما كان يفترض أن تكون تلك المدة هي الثانية والأخيرة للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، والتي كان يجب أن تنتهي عام 2022، غير أن التعديلات الدستورية التي أُقرّت عام 2019 منحته فرصة تمديد فترته الرئاسية الثانية حتى عام 2024، فضلًا عن السماح له بالترشح لولاية ثالثة تستمرّ حتى عام 2030 بعدما زادت المدة الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات.
بدء تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات الرئاسية.. وإعلان النتائج النهائية 18 ديسمبر#العربية pic.twitter.com/g9VToS57FR
— العربية (@AlArabiya) December 1, 2023
يخيّم السكون على المشهد الانتخابي في مصر، وسط غياب برامج المرشحين الثلاثة الآخرين، عبد السند يمامة وفريد زهران وحازم عمر، بل غيابهم هم أنفسهم عن الصورة وانعدام حضورهم الجماهيري، فيما احتكر حزب مستقبل وطن، المناصر للسيسي، الساحة بالكامل.
كثير من المصريين ربما لم يسمعوا بعد عن تلك الانتخابات، ناهيك عن امتناع معظمهم عن المشاركة في ظل الوضع المعيشي المتردي، وما أحدثته الحرب في غزة من احتكار للاهتمام وانشغال الرأي العام المصري، هذا بخلاف يقين الشارع بأن العملية محسومة مبكرًا، بل وصل الأمر إلى مطالبة البعض بتوفير كلفة الانتخابات والإعلان عن الرئيس الفائز، دون إهدار لكل تلك الأموال سواء في الدعاية أو الإشراف القضائي وخلافه… فهل حقًّا حُسمت الانتخابات المصرية قبل انطلاقها؟
خروج المنافسين من المشهد مبكرًا
بحسب الدستور المصري، فإن الترشح للانتخابات الرئاسية يتطلب حصول المرشح على تزكية ما لا يقل عن 20 عضوًا من أعضاء مجلس النواب، أو الحصول على توكيلات من 25 ألف مواطن ممّن لهم حق الانتخاب، شرط أن تكون تلك التوكيلات من 15 محافظة على الأقل، وأن يكون الحد الأدنى في كل محافظة 1000 توكيل.
قبيل الإعلان عن الترشح رسميًّا للانتخابات، برزت على الساحة عدة أسماء للمشاركة في هذا الماراثون، بعضها ذو خلفية عسكرية مثل رئيسَي أركان الجيش المصري الأسبق، الفريق سامي عنان والفريق محمود حجازي (صهر السيسي)، والآخر ذو خلفية مدنية مثل النائب الأسبق أحمد الطنطاوي، بجانب جمال مبارك نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك
وبأحكام قضائية مسبقة مُنع جمال من خوض السباق، رغم أنه لم يعلن بعد عن ترشحه لكنه كان مطلبًا لبعض الجماهير، وبتضييقات معروفة للجميع أُجبر عنان على البقاء في منزله، بعد فترة سجن قضاها بسبب إعلانه الترشح في الدورة الماضية، أما حجازي فلم يحدد موقفه رغم مطالبة البعض له بالترشح، فيما بات صعبًا أن يُقدم على تلك الخطوة خشية ملاقاة مصير سلفه في رئاسة هيئة الأركان سامي عنان.
توافد المصريين في ماليزيا أمام لجان الانتخاب للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المصرية 2024#الانتخابات_الرئاسية_2024#الانتخابات_الرئاسية_المصرية#انتخابات_الرئاسة pic.twitter.com/8nnZv24i4V
— ON (@ONTVEgy) December 1, 2023
ولم يتبقَّ على الساحة سوى البرلماني أحمد الطنطاوي، الذي أعلن عن ترشحه ودخوله السباق الانتخابي، لكنه ورغم شعبيته المتزايدة مؤخرًا، وتجاوز عدد متابعيه مثلًا على منصات التواصل الاجتماعي لأكثر من مليوني متابع، فشل في جمع الحد الأدنى من التوكيلات، حيث جمع 14 ألفًا و116 توكيلًا من إجمالي 25 ألف توكيل كحدٍّ أدنى، والغريب أن محافظة كفر الشيخ (وسط)، وهي مسقط رأسه، والتي انتخبته في السابق برلمانيًّا، لم يحصل فيها سوى على 54 توكيلًا فقط.
الطنطاوي خرج وأعلن أنه لم يستمر في السباق بسبب الانتهاكات والتضييقات التي يواجهها أنصاره الراغبين في عمل توكيلات له، مؤكدًا أن هناك مؤامرة عليه لمنعه من الحصول على الحد الأدنى من التوكيلات، تارة بسبب انقطاع الكهرباء عن مكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل، وتارة بسبب عدم إدراج اسمه ضمن كشوفات المرشحين، وتارة بسبب غلق البلطجية من أتباع حزب مستقبل وطن الشوارع والطرق المؤدية إلى المكاتب، ومنع أنصار الطنطاوي من الدخول لعمل التوكيلات.
وبالفعل نجحت الخطة، واقتصر السباق الانتخابي على 3 مرشحين فقط بجانب السيسي، هم رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، الذي يعاني حزبه من انقسام بشأن المرشح عنه في ظل وجود أكثر من مرشح، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، والمرشح المستقل القيادي في الجبهة المدنية الديمقراطية فريد زهران.
منافسة شبه معدومة
خارطة المرشحين النهائية تشير إلى أن فكرة المنافسة باتت شبه معدومة، في ظل الفوارق الكبيرة بين السيسي ومنافسيه، فالأول هو رئيس حزب الوفد الذي أعلن هو شخصيًّا قبيل ترشحه عن دعمه الكامل للرئيس وسياساته، بل برر ترشحه بأنه كان من أجل دعم السيسي (يعيد سيناريو أحمد الصباحي مع مبارك عام 2005)، ورغم تراجُع شعبية يمامة حتى بين أعضاء حزبه، إلا أنه حصل على تزكية 27 عضوًا من أعضاء مجلس النواب، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات وقتها.
والثاني هو حازم عمر، الذي عيّنه السيسي في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) في ديسمبر/ كانون الأول 2020، قبل أن يستقيل لأجل الترشح، وقد تخطّى شروط المشاركة في الانتخابات بحصوله على 68 ألفًا و71 توكيلًا شعبيًّا، بجانب 46 تزكية من أعضاء مجلس النواب في مفاجأة من العيار الثقيل، إذ إنه لم يدشّن حملة واحدة لجمع التوكيلات أسوة بالطنطاوي على سبيل المثال.
فيما يأتي المنافس الثالث وهو الاشتراكي فريد زهران، أحد قادة الجبهة المدنية الديمقراطية، والذي حصل على تزكية 30 من أعضاء مجلس النواب من الكتل البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي، ونواب حزب العدل وأحزاب أخرى ومستقلين، والذي كان بعيدًا تمامًا عن فكرة الترشح، نظرًا إلى وجود أسماء أخرى كانت الأقرب والأكثر جماهيرية لخوض هذا الماراثون عن الجبهة المدنية.
محكمة جنح المطرية تبدأ محاكمة #أحمد_الطنطاوي ومدير مكتبه و21 آخرين من حملته الانتخابية لاتهامهم بتداول أوراق تخص #الانتخابات دون إذن السلطات المختصة !! pic.twitter.com/nZF4qiQPNH
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) November 28, 2023
وألقت تلك المنافسة غير المتكافئة بظلالها على إدارة السيسي للعملية الانتخابية، حيث لم نشهد أي فاعلية جماهيرية واحدة لتعريف الناس بما ينتوي فعله في الولاية الجديدة، فضلًا عن عدم وجود برنامج رئاسي له من الأساس كما حدث في المرتَين السابقتَين، في رد فعل يعكس وبشكل كبير عدم قلقه من المنافسة، واطمئنانه لسير الأمور بالشكل المعدّ له، وفق الخطة التي تتبنّاها أجهزة الدولة وكافة مؤسساتها وأذرعها الإعلامية لتقديم الولاية الثالثة على طبق من ذهب للرئيس.
الكثيرون يرون أن هوية المتنافسين أمام السيسي، في ظل ضعف حضورهم الجماهيري وثقلهم الشعبي، وتمهيد الطريق لهم للمشاركة دون غيرهم، إنما يأتي في إطار خطة ممنهَجة لتجميل المشهد وتكملة أضلاع الصورة الديمقراطية لإخراج الماراثون بالشكل اللائق، فهم لا يختلفون كثيرًا عن حمدين صباحي في انتخابات 2014، وموسى مصطفى موسى في انتخابات 2018.
مشاركة ضئيلة.. هكذا يشير المشهد
كان البعض يعوّل على تلك الانتخابات في إحداث أي تغيير في المياه الراكدة في المشهد السياسي المصري، في ظل الفشل الواضح على كافة المستويات في إدارة الحياة العامة خلال السنوات الماضية، ما أسفر عن تدنّي المستوى المعيشي والاقتصادي، وتدهور الوضع الحقوقي وانسداد أفق الحياة السياسية، والزجّ بالملايين من المصريين في أتون الفقر والعوز.
غير أن تضييق الخناق على كل الأصوات المستقلة، ووضع العراقيل أمام أصحاب مبادرات التغيير والإصلاح، وخنق المجال العام، بالتوازي مع تعبيد الطريق أمام الرئيس الحالي نحو ولاية جديدة، كل هذا أفقد الشارع الأمل نحو تغيير محتمَل، وعليه يتوقع أن ينعكس ذلك على حجم المشاركة التي تذهب كافة المؤشرات إلى أنها ستكون ضئيلة للغاية.
إضافة إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وسعار الأسعار الذي لا يهدأ، والذي حوّل المواطنين إلى تروس في عجلات لا تتوقف، ولا يمكنها التكيُّف مع تلك القفزات المتتالية في أسعار السلع والخدمات، في مقابل تراجع المداخيل وقيمتها الفعلية بعدما بلغت العملة المحلية (الجنيه) أسوأ قيمة لها في التاريخ (50 جنيهًا للدولار الواحد في السوق الموازي)؛ تلك الوضعية جعلت الاهتمام بالسياسة وهوية من يدير السلطة في مرتبة أقل لدى المواطن المطحون اليوم لأجل توفير لقمة العيش له ولأسرته.
وفوق هذا وذاك تأتي الحرب على غزة، والتي سحبت البساط من تحت أقدام الجميع، في ظل حالة الخذلان الفاضح لكافة الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، الأمر الذي زاد من احتقان الشعوب ضد أنظمتها، إلى الحد الذي فُقدت فيه الثقة في معظمها بعدما سقطت أقنعة البطولة والقيادة والزعامة، التي كان يرفعها الجميع للاستهلاك المحلي والاستعراض على الداخل والخارج.
وفي هذا المشهد المفعم بالاحتقان الاقتصادي والمعيشي من جانب، والخذلان السياسي من جانب آخر، فضلًا عن الازدراء الشعبي لمسرحية الانتخابات التي تفتقد الشفافية والنزاهة في ظل تعبيدها لصالح مرشح بعينه، باتت نتائجها مسألة شبه محسومة، وعليه لا يجد الإنسان المصري أي قيمة لمشاركته في تلك الهزلة.